الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٣ - الخميس ٨ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


لا للتضحية بالناس من أجل سقفي «المعارضة»





أثار مقال الأسبوع الماضي «من أعطاكم الحق في معاقبتنا؟» ردود أفعال متباينة من قرائه، وجاء رجع صدى المقال عبر التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الهواتف الذكية وكذلك عبر الاتصال المباشر، وهو أمر إيجابي في مجمله، ومادمت أكتب فإنني أعرض فكري وعقلي على القراء وأقبل النقد وأرجع عن أي رأي أو فكرة أو موقف يثبت لي خطؤه ولا أتعصب له، لكن من يرد أن يقرأ رأيه في مقالي فإني أنصحه من البداية ألا يتجشم عناء القراءة فقد يخذله ما أكتب، لأني أكتب رأيي الخاص الذي قد يتعارض مع آراء العامة أو ما تذهب إليه الخاصة ولست معنيا بإرضاء أو إغضاب جهة أو حزب أو فئة.

وكان بعض التعليقات التي وصلت إليّ غاضبا ومستاء، وبعد مناقشة أصحاب هذه الردود تبين لي أن معظم التعليقات من الذين لا توجد بيني وبينهم علاقة سابقة كانت في الغالب توجه لي الاتهامات مثلها مثل ردود «الملثمين» في المواقع الاجتماعية الذين يتخفون خلف الأسماء والصور المستعارة التي لم تخل من لغة السب والشتم والاتهامات بالباطل مما أترفع عن الرد عليه، فيما جاءت ردود الأصحاب والمعارف عاتبة بشدة، لكنها في حدود الذوق والأخلاق.

وتمحورت معظم الإشكالات حول خمس نقاط أذكرها مع التعليق:

النقطة الأولى: وهي النقطة الأهم وتتركز في الموازنة بين نقد أخطاء الحكومة ونقد أخطاء «المعارضة»، فكما أن «المعارضة» تحتاج إلى النقد لتصحيح مسارها فإن الحكومة كذلك.

وهذا ما لا أختلف عليه مع أحد، ولكن الاختلاف كان ولايزال على سقفي المعارضة «إسقاط النظام» و«إسقاط الحكومة» والتضحية بالناس من أجل هذين السقفين وخاصة أبناء القرى والمناطق الشيعية.

النقطة الثانية: عدم سلمية الحراك المختطف منذ البداية، من خلال مضمون الشعار الذي رفع وهو «الشعب يريد إصلاح النظام» ولا غبار عليه من حيث الهدف النهائي لأننا جميعا لا يمكن ان نقف ضد الإصلاح بما في ذلك إصلاح أنفسنا، ولا احسب السلطة نفسها ترفض ذلك والا ما كان قد اطلق على مشروع جلالة الملك صفة «الإصلاحي»، ولذلك كان الناس في بلادي لا يعارضون أي جهد للإصلاح وأعتقد أنه يعبر عن طموح أبناء شعب البحرين على اختلاف مشاربهم، فهم يريدون الأفضل لبلدهم، ولكني أتهم السياسيين والحزبيين باختطاف الحراك مبكرا وتغيير الشعار وإدخال الناس وخاصة الشباب في مواجهة مع رجال الشرطة أصفها دائما بـ «المواجهات العبثية» التي قد تزعج النظام وتشغله وتستنزف كثيرا من طاقاته وإمكاناته، لكنها بالتأكيد لا تفيد «المعارضة» ولا تقدم حلا لمشاكلنا ولا يمكن أصلا أن تفيد شعب البحرين في شيء، وإن الكارثة هي ما جنينا ولعل أكثرها خطورة كارثة الشرخ الاجتماعي - الطائفي الذي تتجاهله «المعارضة»، بل تنكره.

وكل الذين ناقشوني في سلمية الحركة فإني خلصت معهم إلى «انها حركة ركبها العنف واستمرأته «المعارضة» لما وجدت فيه من ضغط على الحكومة وإيصال رسالة خاصة إلى الخارج، ولكن العنف في جميع صوره لم يفد أحدا، بل أدى إلى عنف مضاد والى إجراءات والى احتقان يبدو أن بعض أركان المعارضة يحبذه»، هذا العنف موصوف، ومشاهداتنا اليومية ومئات مشاهد الفيديو على «اليوتيوب» شاهد على ذلك، ولكنهم برروا عنف الحركة بعنف الشرطة في مواجهة المتظاهرين، وهنا أقولها بوضوح وبصراحة: إن عنف المتظاهرين غير مبرر وعنف الشرطة إن كان خارج القانون فهو أيضا غير مبرر وهو مرفوض ومجرم، ومواجهته تكون عن طريق الصحافة الحرة والأجهزة الرقابية في الدولة.

النقطة الثالثة: احتدم النقاش حول مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» مادام الآخر النقيض يؤمن بهذا المبدأ ويطبقه، إلى درجة تطرف فيها البعض ووصل إلى حد القول «استعين بالشيطان، وبأمريكا، من أجل تنفيذ أهدافي السامية ومحاربة الفساد والمفسدين والانتقام من الظالمين»، ورددت أن هذا المبدأ مرفوض أخلاقيا وإنسانيا ودينيا، والآخر ليس قدوة لي إن هو لجأ إليه، فالأهداف السامية تحتاج إلى وسائل سامية ولن تكون كذلك إذا كانت تلحق الأذى بالناس وإذا كانت تتسبب في الاضطراب وقطع الأرزاق ونشر الفوضى، وأيضا فان نبل الغاية يستلزم نبل الوسيلة أيضا، هكذا علمنا الاسلام العظيم في قيمه الكبرى وهكذا علمنا أهل البيت عليهم السلام وفي سيرهم منهج حياة لنا.

النقطة الرابعة: وهي مشروعية نقد شيوخ الدين وعلمائه الذين يعملون في السياسة ويتعاطون الشأن العام، وهي من النقاط التي جادلني فيها الكثيرون ورأيت من بعض الأحبة قسوة لم أعهدها منهم تجاهي من قبل، لكن لما جادلتهم وأعيتهم الحجة طلبوا إليّ الكف عن هذا النقد الموجه لبعض شيوخ الدين الخائضين في الشأن السياسي مباشرة، حتى لو كان ما أقوله صحيحا فإن علي التوجه لهم شخصيا بالنصيحة في بيوتهم وفي مجالسهم وعلى انفراد، واتهموني بأنني أشهر بهم وهو تطاول على مقاماتهم في ظرف حساس يجب فيه عدم هز ثقة الجمهور بهم.

وأنا أقول: من حقنا مساءلة كل من يتصدى للشأن العام مجتهدا، ومن حقنا أن نجتهد في إبداء الرأي بأدب ومن دون تجاوز وليس طعنا او استنقاصا من علمهم، من حقنا ان نبدي رأينا برفق فيمن يدعي خدمتنا ويتكلم باسمنا حتى لو كان شيخ دين، وحينما يفتح المجال للنقد فإن ذلك كفيل بتطوير أي حراك، اما الذين يصنعون حولهم هالة من القداسة تمنع الآخرين من إبداء وجهة نظرهم في منهجهم وسلوكهم السياسي فإنهم يسلكون طريق التخلف لهم ولمجتمعاتهم.

النقطة الخامسة: عاتبني كثيرون في قولي: إن كثيرا من السياسيين الذين نراهم يتحركون في الساحة ما هم إلا قطع شطرنج، وان اللاعب الحقيقي ليس موجودا في البحرين. وأقول لهم: إن لي على ما أقول شواهد كثيرة، وهي شواهد معلنة لا تنكرها «المعارضة» ولا تخفيها الجهات الخارجية المتعاون معها، وقد أخذ أحد رموز تيار «إسقاط النظام» من لندن على «المعارضة» في الداخل دخول حوار التوافق الوطني في العام الماضي ٢٠١١ تلبية لطلب الولايات المتحدة الأمريكية، جاء ذلك في قناة العالم الإيرانية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة