الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٦ - الأحد ١١ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


شباب الفاتح.. لا صحوة الفاتح!





عندما تعرضت مملكة البحرين لحدث يشبه الزلزال في قوته وفي تأثيراته استيقظ أهل السنة على من يحاول سحب الأرض من تحت أقدامهم، ويجعلهم بلا وطن، وعلى الرغم من أن النوم كان عميقاً، ويكاد يشبه الغيبوبة التي تصيب بعض المرضى، فإن قوة الحدث، وقوة آثاره في أمن واستقرار مكون أساسي من مكونات المجتمع البحريني ظن الآخرون أنه تم قبره في التراب، وأصدرت له شهادة وفاة من قبل الفصيل الآخر في المجتمع، بل إن أهل السنة أنفسهم ما كان يخطر على بالهم قبل وقفة الفاتح أن الدماء لاتزال تسري في عروقهم، وأنهم من الممكن أن يغضبوا وأن يكون غضبهم معمراً لا مدمراً، وساعياً إلى لم الشمل لا إلى تمزيقه، ورأب الصدع لا إلى زيادة تصدعه.

وكان «الفاتح» والوقفة الوطنية المشرفة لأهل الفاتح نقطة تحول لأهل السنة أولاً، ولمملكة البحرين ثانياً، وعلم القاصي والداني أن سكوت أهل السنة وعدم إثارتهم للقلاقل ليس استكانة، ولا ضعفاً، ولا استسلاماً، بل موازنة واختيارا حرا بين تحقيق المصالح وتمزيق الوطن وذهاب ريحه، فاختاروا الصبر على تأخير تحقيق مطالبهم والسعي إلى تحقيقها بالوسائل السلمية التي لا يراق فيها دم، ولا يقطع فيها لسان أحد، ولا تهشم فيها أعضاء بشرية، ولا يداس فيها أحد بالسيارات، ولا تحتل فيها مجمعات طبية، ولا جامعات، ولا تلقى فيها زجاجات المولوتوف الحارقة المدمرة.

سكوت أهل السنة عن المطالبة بمصالحهم ليس ضعفاً كما يظن البعض، وليس استسلاماً كما يعتقد آخرون، بل هو موازنة واختيار بين الوطن والمصالح، رغم أن عملية الإصلاح بدأت التحرك، وإن كانت بطيئة بعض الشيء فإنها تحركت بعد توقف طال، وبدأت تدب فيها الحياة، وبدأ الناس يرون بعض ثمارها.

كان هذا اختيار أهل السنة، وكان هذا موقفهم من الإصلاح، يعترفون بأن هناك فساداً، وأن هناك حاجة ماسة وملحة إلى الإصلاح، وأن ذلك أمر لابد منه، ولكنهم يختلفون مع غيرهم على الوسيلة التي يتحقق بها هذا الإصلاح، ويتم ذلك عن طريق إصلاح الفاسد، وزيادة الصالح صلاحاً.

وطبيعة الشباب التحمس الذي يستعجل الإصلاح، وربما لديهم شيء من الوجاهه لأن في تسريع الإصلاح وأدا للفتنة في مهدها، وسد باب الذرائع لإشعال الوطن، وتمزيق وحدة شعبه، وإثارة الضغائن والأحقاد التي قد تتنكر بأثواب تاريخية تارة، وبالمظلومية تارة أخرى.

أحس شباب الفاتح أن حركة الإصلاح بطيئة، وقد يظن البعض أنها توقفت أو في طريقها إلى التوقف، فما كان منهم إلا أن تنادوا إلى تجمع في الفاتح تحت اسم (صحوة الفاتح)، وهذه التسمية على الرغم من وجاهتها عند من رفعها فإنها تحمل في مضمونها تهمة أو شبهة تهمة بأن تجمع الوحدة الوطنية أصابته غيبوبة أدخل على اثرها غرفة العناية المركزة،والأمل في شفائه بات ميؤوساً منه، وأن أهله يقفون خارج غرفة المعالجة في خوف وتوجس ينتظرون اعلان موته، أو اليأس من برئه.

هذه التهمة أو شبه التهمة تجعلنا نقترح على هؤلاء الشباب أن يغيروا اسم تجمعهم ليصير بدل صحوة الفاتح شباب الفاتح، والاسم الثاني أدل على المضمون من الأول، وأدعى إلى انتفاء الظنون السيئة التي قد تنتاب البعض.

ونحن حين نقترح هذا الاسم فإننا نقرر حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أن تجمع الوحدة الوطنية يضم في صفوفه الشباب والكهول، وأنه إذا كان الكهول بطيئي الحركة إلا أنهم يمتلكون الخبرة والحكمة، كما أن الشباب يمثلون فتوة التجمع وأفكاره التقدمية.

والسؤال: هل يستغني الشباب عن حكمة الكهول وسداد رأيهم، وهل يستغني الكهول عن نشاط الشباب وقوتهم وأفكارهم المتطورة؟

والجواب هو: لا يستغني الشباب عن الكهول، ولا يستغني الكهول عن الشباب، والكل يكمل الكل.

ثم بعد ذلك لصالح من تنطلق الألسنة هنا وهناك لإظهار عيوب كل فريق؟

الوطن يحتاج إلى الجميع من دون استثناء، ولا يتحمل الظرف الذي تمر به مملكة البحرين، وهو ظرف زلزل الأرض من تحت أقدامنا، وكاد الوطن يختطف من بين أيدينا ونصبح بلا وطن، وننضم إلى قوافل اللاجئين الذين امتلأت الأرض بهم.

لماذا لا يجمعهم التجمع من جديد إخواناً على سرر متقابلين، ليس في صدورهم إلا الحب والمودة وحسن الظن ببعضهم بعضا؟ وليكن ولاؤهم لله تعالى أولاً، ثم لوطنهم ثانياً، وألا ترتفع إلا راية واحدة هي راية الوطن، وليأخذوا العبرة من يوم الفاتح إذ لولا توفيق الله تعالى أولاً، ثم هداية منه للقائمين على هذا التجمع، ولولا حب البحرين الذي طغى على كل حب ما كان ذلك التجمع، ولما سمع العالم صوت أهل السنة، ولما تداعت الوفود من كل حدب وصوب ليطرحوا الأسئلة، ويعرفوا الإجابة عن سؤال واحد ووحيد، هو: كيف استطعتم في وقت قصير أن تجمعوا هذا العدد الضخم، وأنتم ليس لكم عهد بمثل هذه التجمعات؟

وكان الجواب الذي قد يصعب على البعض استيعابه:

إن الله تعالى هو الذي جمعنا، ووفقنا لأن نصحو في الوقت المناسب،ونستدرك ما فاتنا، ونقول بأعلى أصواتنا: نحن رقم في المعادلة صعب لا يمكن تجاوزه، أو الاستغناء عنه.

فليكن تجمعكم باسم: شباب الفاتح.. لا صحوة الفاتح.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة