لماذا محاربة المشاريع السياحية يا نواب الشعب؟
 تاريخ النشر : الأحد ١١ مارس ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن أحمد عثمان
بعدما استبشر المواطنون خيرا بأنتهاء مجلس النواب من إعداد (قانون الصحافة) وإقراره وتمريره على المجلس.. وبالتالي إبرازه إلى حيز الواقع الملموس في أقرب وقت ممكن.. وبعد أن تنفس الصحفيون والكتاب الصعداء، بتمتعهم بـ «قانون عصري للصحافة والطباعة والنشر» يخلو من عقوبة السجن للصحفيين إذ نص على «إلغاء عقوبة حبس الصحفيين سواء بشكل احتياطي أو على ذمة التحقيق».. وبعد وهج هذه المستجدات الفاعلة الفعالة وتتويجا لحوارات النواب الخالصة، في الفصل التشريعي الثالث، التي تمثلت بتجسيد الصورة الحضارية الرائعة.. فاجأ بعض نواب البرلمان من تيار الإسلام السياسي ناخبيهم ومواطنيهم بقلبهم تلك «الصورة الحضارية الجميلة» رأسا على عقب.. هو ما أقدم عليه هؤلاء النواب المعنيون، بإعادة الشريط المستهلك القديم إلى بدايته.. أي منذ تشغيله في الفصل التشريعي الأول.. الذي حمل ما بين طياته، المطالبة بقضايا لا تمت إلى الملفات الساخنة تحت قبة البرلمان، بأي صلة.. بقدر ما يعكس هذا «الشريط» قضايا هامشية وجانبية.. بل قضايا تضليلية إن صح التعبير.. وهو حينما وجه أحد هؤلاء النواب مؤخرا في الفصل التشريعي الثالث، سؤال له إلى وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، بخصوص «العديد من النوادي والمطاعم السياحية».
في ضوء ذلك استرسل قائلا: «إن هذا القطاع يحتاج إلى رقابة دورية مكثفة لأن الشقق المفروشة تؤجر الآن من قبل آسيويين لا دين لهم ولا شرف» وفي ذات السياق نستطيع القول ان نوابا كهؤلاء يركزون في محاربة السياحة والمشاريع الاستثمارية فإنهم قد يكشفون عن سطحية ومحدودية وعيهم و تفكيرهم.
إن نوابا كهؤلاء يضعون الطين والعجين في آذانهم، ويديرون ظهورهم، ويغمضون أعينهم، ويبلعون ألسنتهم، ويكممون أفواههم، بمحض إراداتهم عن طرح تلك القضايا المهمة الممثلة في الملفات الحيوية الساخنة «كالفساد وهدر المال العام والإشكالات الدستورية والإسكان والتعليم».. فإنهم يظلون نوابا غير مؤهلين لتمثيل الشعب.. ولعل الأدهى من ذلك كله، فإنه بقدر ما يسعى هؤلاء النواب الإسلاميون دوما إلى محاربة المشاريع السياحية والاستثمارية في مملكة البحرين.. فإنهم يؤكدون عقد العزم، لمن يحاول أن يموه وان يصرف النظر عن الملفات الساخنة الرازحة في أدراج السلطتين (التشريعية والتنفيذية).. وذلك تجاوبا من هؤلاء النواب لما تقتضيه مواقفهم وأفكارهم، من الالتزام بمبادئ ووصايا من سبقوهم من النواب الإسلاميين في الفصلين التشريعيين السابقين (الأول والثاني).. لطالما تلتقي أهداف هؤلاء النواب وأولئك في البوتقة ذاتها ضد المشاريع السياحية.. ويكفي استدلالا بهذا الصدد هو استطراد أحدهم قائلا: «ان النواب السابقين في الفصلين التشريعيين (الأول والثاني) لم يقصروا في طرح مساوئ هذه الظاهرة وتجاوزات السياحة.. إضافة إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول التدهور الأخلاقي في قطاع السياحة».
وعلى الصعيد ذاته يبقى القول صحيحا: انه بالرغم من تزمت النواب الإسلاميين وتشددهم بخصوص السياحة، خلال الفصلين التشريعيين السابقين.. فإن بعض النواب الإسلاميين، في الفصل التشريعي الثالث، قد أكدوا أنهم أكثر تزمتا وتشددا، ممن سبقوهم.. وهو حينما صوت مجلس النواب مؤخرا بالموافقة على الاقتراح برغبة بشأن «إنشاء وحدة خاصة بالمنشآت السياحية في وزارة الداخلية.. مهمتها التفتيش والرقابة على المنشآت السياحية».. مما تؤكد هذه المساعي النيابية المتعجرفة محاربة السياحة محاربة شعواء، وهو ما يدفع بالمستثمرين والشركات الاستثمارية ورجال الأعمال إلى الهروب من البلد، بحثا عن موطن آمن آخر لاستقرار مشاريعهم السياحية والاستثمارية.
ومما رسخ هذه المساعي النيابية الاسلامية بخطوات للوراء، خلال الفصول التشريعية الثلاثة، هي تلك الاقتراحات النيابية المتعاقبة التي طرحت تحت قبة البرلمان، وهي المطالبة «بإنشاء جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كجهاز إداري داخل وزارة العدل والشئون الاسلامية والأوقاف والمطالبة بتكوين فرق من المرشدين الرجال، على طلاب وطالبات جامعة البحرين، ضمن اقرار قانون الحشمة، والمطالبة بتشكيل «لجنة تحقيق» ضد مهرجانات «ربيع الثقافة» من أجل محاكمة الثقافة والمثقفين، بجانب المطالبة مؤخرا بتشكيل وحدة خاصة بالمنشآت السياحية في وزارة الداخلية».. إن هذه المقترحات والوصايا النيابية الاسلامية هي جميعها ترفل بسدول الظلام والتخلف.. لمناهضتها مظاهر التقدم والتطور والحداثة والتنوير ومفاهيم الديمقراطية والتعددية كافة، بقدر مناصبتها العداء لحرية المرأة وحرية الفكر والتعبير، وحرية الابداع الفني والمسرحي والفكري والحضاري.. وبحسب ما تقتحم هذه (الاقتراحات والوصايا النيابية الإسلامية) شئون الآخرين والتدخل في حرياتهم الشخصية وتهميش مكانتهم واستلاب كرامتهم والمس بسمعتهم.. فان هذه (الاقتراحات والوصايا النيابية).. تمثل عقبة كأداء أمام الاقتصاد الوطني والمشاريع السياحية والاستثمارية والاقتصادية.. بل أمام الديمقراطية والإصلاحات العامة في مملكة البحرين، التي تظل مفاهيمها ومقوماتها في أمس الحاجة إلى نواب حقيقيين مؤهلين ومستنيرين، من أجل توسيع رقعتها ورفع أسقفها.. ومن أجل تحقيق أحلام وطموحات الشعب البحريني الذي ينشد الحرية السياسية والحرية الاجتماعية، وروافد الحياة الحرة الكريمة، مع إطلالة كل فصل تشريعي جديد للبرلمان، الذي هو (بيت الشعب)، فهل سيكون هؤلاء «النواب المؤهلون والمستنيرون» ممن يمتلكون مواصفات ومعايير النائب الحقيقي والمنشود موجودين وحاضرين؟
سؤال ستظل اجابته معلقة في الهواء، ما لم تكشف الفصول التشريعية النيابية مستقبلا بشكل إيجابي ما ينسجم وأهداف الناخبين والمواطنين جميعا.
.