الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٨ - الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢٠ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شيء ولو قليل عن أسواق البحرين الشعبية القديمة
سوق الخارو - سوق الأربعاء - سوق الخميس وسوق الحطب





إن الحديث عن معرفة مواقع تراثية شعبية قديمة مضت عليها سنون طويلة مثل هذه الأسواق أو أحداث مرت على البحرين منذ ماضيها البعيد والبعيد جدا، قد نحتاج معها إلى جهد وبحث وتحر متواصل حتى تصلك بعض المعلومات التي تقودك إلى معرفة ما تسعى وتبحث عنه ولو بشيء قليل من المعلومة، لكن مع الأسف تصطدم وأنت في مسعاك أحيانا ببعض العقبات وخصوصا عندما لم تجد في السجلات أو الكتب القديمة شيئا مفصلا يدلك على تاريخ إنشاء ذلك الموقع أو بعض الأحداث ولا أقول كلها والتي مرت عليها أعوام طويلة من الزمن، عندها تتجه إلى بعض من رجالات البحرين لتسأل عمن عاش وشاهد هذه المواقع أو تلك الأسواق الشعبية القديمة وعرف تاريخ انشائها التقريبي، لكنك تصطدم مرة أخرى عندما لا تجد احدا منهم ما زال باقيا على وجه الأرض، لقد رحلوا وفارقوا الحياة إلى حياة الآخرة، نعم لقد كتب البعض عن سوق الأربعاء أو الخميس ولكن ليس بصورة مفصلة بعضهم مر مرورا سريعا ومع ذلك فإننا لم نيأس فقد التقطنا بعض المعلومات من هنا وهناك لعلها تقربنا الى ما نبحث عنه ولو بجزء يسير.

هذه مجرد مقدمة سريعة سردناها لك - أيها القارئ - لعلها تفي بهذا الحديث القصير.

سوق الخارو

إذن لنبدأ بسوق الخارو الذي هو أقدم الأسواق وكما كان يروي عنه بعض الرواة ممن سمعوا من آبائهم أو أجدادهم، الذين يرجحون وجوده منذ العشرينيات من القرن الماضي إن لم يكن قبل ذلك التاريخ التقريبي.

يقال انه كان يقع في مدينة المحرق وبالتحديد شمالي مسجد الشيخ عيسى بن علي أو بيت المرحوم بإذن الله تعالى راشد فليفل كما كان يقول او يردد بعض الناس، وذلك في منطقة تسمى (استيشن) وقد سميت بهذا الاسم من قبل الأهالي وهي تعني محطة سيارات التاكسي (بوشتري) التي كانت متمركزة في هذه المنطقة، ويقال إن عددها محدود جدا لا يزيد على أربع إلى خمس سيارات، وقد عملت لها مظلات من جريد النخيل. كانت المنطقة التي خصصت (لسوق الخارو) شبه براحة واسعة، ربما حوطت من جميع الجهات بسعف النخيل أو من الطين والجص، وقد سمعت من بعض الأصدقاء الذين علموا بدورهم من آبائهم أو أقربائهم انه كان لهذا السوق باب كبير (دروازة) وكان يغلق ليلا، وهو ما يذكرني بسوق القيصرية الذي كانت له خمسة أبواب تغلق ليلا أيضا.

كانت بضاعة هذا السوق التي تعرض على الناس خليطا من كل المواد والأجناس من غنم وحمير وجمال الى جانب التمر و الدهن و الدبس والحبال، وكذلك بعض من مواد البناء البسيطة مع أنواع مختلفة من حاجيات الناس الغذائية، كذلك كان في هذا السوق الدنجل ومناكير و كراكير السمك و الحصر و السمسم و قدور وأواني الطبخ البسيطة وغيرها من المعروضات الاخرى - أليس هو كما قلت - خليط من معروضات مختلفة إلا انه بمرور السنين والأيام اختفى هذا السوق الشعبي وخصوصا بعد أن ظهرت في المحرق أسواق أخرى تفي بحاجة الناس عن سوق الخارو، أضف إلى ذلك اتساع الرقعة السكانية في المنطقة والتي بدأت تزحف شيئا فشيئا حتى منطقة سوق الخارو وأخذت (تكرم) منه يوما بعد يوم. انه بالفعل (خارو) لأنه لم يستطع مقاومة التوسع العمراني في منطقة (استيشن).

سوق الأربعاء

ربما تاريخ وجوده قريب من سوق الخارو إلا ان هذا السوق بالذات يعتبر أشهر الأسواق الشعبية على الإطلاق فقد تعدت شهرته وصيته خارج حدود البحرين. لقد تميز هذا السوق عن غيره بأنواع كثيرة ومتنوعة من البضائع أو المعروضات الشعبية المتعددة الأجناس والأشكال فبجانب الطيور مثل الحمام وبعض الطيور الاخرى التي كانت تعرض مختلف الألبسة وخصوصا النسائية جنبا الى جنب مع أدوات الزينة النسائية مثل الحناء، الرشوش والدورم و السدر و انواع المشوط (مشط نسائي خشبي)، الكباكيب الخشبية التي تستعمل من قبل النساء في تنقلاتهن اليومية، كما كانت تعرض في سوق الأربعاء أيضا المديد والحصر التي كانت تصنع في سترة وغيرها من البضائع الاخرى التي من الصعب حصرها وتعددها.

يقول احد رجالات المحرق الذي كان يشارك بعرض بضاعته وهي عبارة عن (أفخاخ لصيد الطيور) يقول انه خلال أيام الحرب العالمية الثانية كان يجلب إلى سوق الأربعاء بعض البضائع التالفة او المكسورة منها - مثلا - علب «الجاكليت» والحلويات و«البرميت» وغيرها ، اما مصدرها فكان من البواخر التي تصل موانئ البحرين والتي كانت تتعرض وهي في طريقها وسط البحر إلى غارات الطائرات الألمانية المعادية، مما ينتج عنه إحداث تلفيات كبيرة في بضائعها المحملة، لهذا السبب كانت تعرض للبيع بأسعار زهيدة مثل علبة «الجاكليت» (الكواطي المخفوسة) تباع بآنة واحدة (أربع بيزات) أو أقل، وذلك حسب حجمه (يعني العوض ولا الحريمة) ، ليس هذا كل شيء عن سوق الأربعاء بل ان شرطة البحرين كانوا يأتون بالسجناء (اللصوص) وهم مكبلون بالسلاسل في ارجلهم ثم يبدأون بضربهم بالعصي الغليظة على ظهورهم وأمام حشد كبير من الناس وكان كل سجين له ضربات بالعصي محددة وذلك بحسب جرمه، كان القصد من وراء ذلك هو العبرة والدرس لمن تسول له نفسه.

كان العارضون في هذا السوق او المشاركون يأتون من كل منطقة من مناطق البحرين من مدنها وقراها وليس مختصرا على مدينة معينة، لذلك فقد اكتسب سوق الأربعاء شعبية كبيرة وسمعة طيبة بين الناس.

وقد سبق لي ان تطرقت إلى هذا السوق الشهير، وقبل أن انهي حديثي هذا تذكرت انه كانت توجد ارض خالية من جهة الغرب لسوق الأربعاء، كانت تستعمل مواقف للحمير إلا أن مستشار حكومة البحرين أراد ان يستثمر هذه الارض ويطورها، وذلك بعد أن أمر بتحويطها ببناء جدران من جميع الجهات مع ترك باب او مدخل كبير لدخول الحمير ثم نشر عدد كبير من (مرابط) الحمير نظير آنة واحدة تستوفى من صاحب الحمار الذي يربط حماره من الصبح الى ما بعد العصر وقد أطلق عليه سوق الأربعاء لأنه كان يعرض معروضاته في هذا اليوم فقط من كل أسبوع.

هذا ما لديّ عن سوق الأربعاء الذي تلاشى شيئا فشيئا وأصبح من ذكريات التاريخ الماضي.

سوق الخميس

اعتقد انه لا حاجة إليّ بأن ابحث عن تاريخ إنشاء او وجود هذا السوق في منطقة الخميس لسبب انه يعتبر هو الآخر من الأسواق القديمة جدا ومع ذلك لم أعثر على اي معلومة تشير إلى تحديد تاريخ إنشاء هذا السوق، كل ما سألت عنه قيل لي انه من الأسواق القديمة جدا والذي مر عليه زمن طويل، ومن يدري ربما هناك من الوثائق التاريخية الخاصة بماضي هذا البلد والتي ربما ورد فيها شيء عن سوق الخميس وتاريخ انشائه او سوق الأربعاء أيضا. لقد ورد اسم هذا السوق في عدد من الكتب او المطويات او الكتيبات الصغيرة إلا ان تاريخ وجوده او حتى إنشائه ربما لن يرد في تلك المطويات. لقد تميز هذا السوق بسعة أرضه وخصوصا انه كان مفتوحا من جميع الجهات، أعني (براحة واسعة) وقد اشتهر بتبادل وبيع الحمير الى جانب بعض المعروضات الاخرى الموزعة هنا وهناك مثل التمر، الرطب او بعض الخضراوات او الفواكه المحلية.

هكذا قيل لي من بعض الأصدقاء مثل السيد عبدالله بن احجير من سكنة قرية (بوري).

اذن، اكتفي بهذه المعلومات البسيطة عن احد الأسواق الشعبية وهو سوق الخميس وقد سمي بهذا الاسم لأنه كان يقام مرة كل أسبوع وبالتحديد يوم الخميس.

سوق الحطب

يقال إن هذا السوق كان يقام على مساحة كبيرة من الارض في مدينة المنامة وكان مفتوحا من جميع الجهات.

لقد اختص سوق الحطب ببيع انواع مختلفة من الحطب الكبير منه والصغير، وخصوصا كبير الحجم فهو يستعمل في عدة مهام منها البناء او صنع الصناديق الخشبية، وكذلك للبناء وحتى لصناعة السفن.

الواقع انه لا احد يعرف موقعه او حتى تاريخ وجوده على ارض المنامة بعضهم يقال انه سوق قديم جدا، ويحتمل انه قبل القرن الماضي بكثير حيث عدد سفن الغوص ومبيعات اللؤلؤ التي كانت في أوج ازدهارها في الزمن الماضي من تاريخ البحرين، لم يعرف احد او يتذكر كيف كان يقام هذا السوق أسبوعيا او شهريا، إلا أن الأخ والصديق العزيز عيسى بن مبارك الكبيسي يقول إن أنواع الحطب التي كانت تعرض في هذا السوق للبيع، وكانت تجلب من (الجبيل) وبعض المناطق الاخرى مثل (سلوى) من المملكة العربية السعودية، فبمجرد وصول هذه الأخشاب يقام هذا السوق وقد يستمر أياما وليس يوما واحدا.

هذه قصة أسواق البحرين الشعبية القديمة ذكرناها لكم بحسب ما وصل إلينا من معلومات تاريخية عنها، أما الأسواق الصغيرة التي اختص كل منها ببضاعة معينة فكانت كثيرة ومنتشرة في مدن البحرين مثل سوق الجص وسوق التمر وسوق المكاصيص او سوق الجت.







































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة