الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٩ - الأربعاء ١٤ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


مذبحة غوام ومذبحة قندهار





المذبحتان وقعتا في فترتين متقاربتين هذا العام، وفي ذات المكان، أفغانستان، ولا يختلفان في شيء سوى نوع الضحايا، ضحايا ارتفع ثمنهم في العالم وصارت أرواحهم غالية وضحايا آخرون استرخص الجميع دماءهم وأصبح ذبحهم والفتك بهم أمراً مألوفاً لا يثير حنق أو حفيظة أحد، ولا يستحق الالتفات إليه.

المذبحة الأولى - أو هي حادث – وقعت بتاريخ ٢٠ يناير ٢٠١٢م داخل قاعدة «غوام» في وادي «تقب» بولاية «كابيسا» شمال شرق أفغانستان، نفذها جندي أفغاني قيْد التدريب حيث راح ضحيتها أربعة جنود فرنسيين وإصابة (١٧) آخرين. وعلى الفور، بعد هذه المذبحة مباشرة يخرج الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ويقول: «إن الجيش الفرنسي يقف إلى جانب حلفائه، لكن لا يمكننا أن نقبل أن يُقتل أي من جنودنا أو يجرح من قبل حلفائنا، إنه أمر غير مقبول» ويقرر ساركوزي تعليق كل عمليات التدريب والمساعدة على القتال التي يقوم بها الجيش الفرنسي في أفغانستان احتجاجاً على مقتل أربعة من جنوده. ثم يتوجه إلى أفغانستان فوراً وزير الدفاع الفرنسي «جيرار لونجيه»، ورئيس هيئة أركان الجيوش الأدميرال «إدوار جييو». أما وزير خارجيتهم آلان جوبيه فقد انتقد شروط التجنيد في الجيش الأفغاني، مؤكدا أن فرنسا تطلب من الجيش الأفغاني ضمانات موثوقة حول تجنيد عناصرهم وقال: «إن سلطات كابل يجب أن تقول بشكل واضح أي الإجراءات ستتعهد باتخاذها لتوضيح طرق التجنيد في الجيش الأفغاني وضمان الأمن للقوة الفرنسية».

وفي ردود الأفعال، فقد انهالت التعازي والتصريحات في مقتل هؤلاء الأربعة جنود الفرنسيين بدءاً من الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «آندريه فوج راسموسن» الذي أعلن أن ذلك يوم حزين جداً ويتبعه وزير الخارجية الألمانية «جيدو فسترفيلي» الذي قال إنه «يشعر بالصدمة لمأساة موت الجنود الفرنسيين» وكذلك أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تعاطفها بشدّة مع ما جرى للجنود الفرنسيين. وقالت «لقد كان أمرا بشعا وبالطبع أقدر المشاعر القوية التي يتم التعبير عنها».

وبعد أسبوع من هذه المذبحة «مقتل أربعة جنود فرنسيين» أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن انسحاب القوات الفرنسية المقاتلة المنتشرة في أفغانستان سينجز أواخر ٢٠١٣ بدلا من نهاية ٢٠١٤ كما كان مقررا.

أما المذبحة الثانية، فقد وقعت يوم الأحد الماضي، بالضبط في ١١ مارس ٢٠١٢م حيث خرج جندي أمريكي من قاعدته في أفغانستان، وبدأ إطلاق النار على مدنيين أفغان في ولاية قندهار معقل طالبان في جنوب أفغانستان، الحصيلة الأولية تتحدث عن ستة عشر قتيلاً وعشرات الجرحى. وبحسب مراسل (فرانس برس)، فإنه رأى جثثا ممدة في المنازل، منهم نساء وأطفال. ويقول هذا المراسل عن مشاهد القتل «لقد قتلوا واحترقوا، رأيت طفلين على الأقل في الثانية أو الثالثة من العمر ميتين».

هؤلاء الـ (١٦) أفغانياً الذين قُتلوا بدمٍ بارد لم يحزن لهم أحد من أولئك المحزونين على قتل الفرنسيين الأربعة، ولم يبادر أحد بالاستنكار و(الفزعة) كما حدث للفرنسيين الأربعة، بالطبع مذبحة الـ (١٦) أفغانياً ليست الأولى وليس في الأفق ما قد يجعلها الأخيرة، مأساتها الحقيقية ليست في فظاعتها ووحشيتها، وإنما في حجم الصمت المخزي في أوساط الأنظمة العربية والإسلامية عن مثل هذا القتل الذي يفوق الخيال، وبعض تلك الأنظمة تشارك بقوات لها في أفغانستان، هذا البلد الإسلامي العريق والفقير؛ بعد أن سوّت الصــواريخ والقاذفات والراجمات الأمريكيـــة بيوتها - عفواً خرائبها- بالأرض وحصدت الآلاف من أبنائها بحثاً عن مجرمين لم تثبت إدانتهم ولم تتوافر أدلّة حقيقية على تورطهم في أعمال إرهابية، وليس في الأفق من فترة زمنية محددة للانتهاء من هذا البحث أو الخداع؛ صارت الآن مسرحاً تتجمع فيه قوات التحالف الدولية وتتنادى إليه بعدتها وعتادها وكذلك أصبحت ميداناً للأخطاء - مثلما يسمونها - ولتجربة مختلف الأسلحة الأمريكية الفتاكة! دماء المسلمين رخيصة ومهدورة وليس لها قيمة عند من يدّعي حقوق الإنسان ويكذب علينا ليل نهار، بأن قلوبهم (تعوّرهم) بشأننا بينما أفعالهم تفضحهم ومذابحهم بحقنا تكشف زيف دعاويهم بالضبط كما الفرق بين مذبحة غوام ومذبحة قندهار.



.

نسخة للطباعة

أين حق الأغلبية الصامتة؟

أتواجد هذا الأسبوع في جنيف لحضور دورة للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان. عقد وفدنا لقاءات عدة مع مسئولين كبار. ... [المزيد]

الأعداد السابقة