الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤١٠ - الخميس ١٥ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢٢ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


لمن النجومية في التاسع من مارس؟





قد نتفق أو نختلف مع بعض أو كل منطلقات مسيرة ٩ مارس التي دعت إليها «المعارضة» و«المرجعية» على شارع البديع الجمعة الماضية وضمت حشدا شعبيا كبيرا حظي بالتأييد من قبل الموالين لقادتها والتقليل من قبل المعارضين لهم، إلا أنها مع ذلك تنطوي على دلالات وتبعث برسائل عدة منها:

الرسالة الأولى: رغبة معظم الناس في الإصلاح والتغيير والتطوير والتحديث وتسريع وتيرته بما يواكب تطلعات أبناء الشعب وحاجاتهم، وليس «إسقاط النظام»، وفي ذلك انتصار حقيقي للبحرين «الدولة» أولا وقبل كل شيء، وانتصار للتيار الشعبي الإصلاحي العارم الذي بدا لعام كامل منذ ١٤ فبراير ٢٠١١ كأنه غير موجود وسط تعالي صيحات التسقيط ومحاولات اختطاف إرادة الجماهير بشعارات من قبيل «الشعب يريد إسقاط النظام» وما يجري بالتوازي مع هذا الشعار من عنف وظلم يطولان البلاد والعباد باسم «الثورة».

الرسالة الثانية: إن البطولة الحقيقية هنا اختطفتها الجماهير البحرينية التي حددت نهجها وانخرطت في نشاط سياسي سلمي حظي بتأييد ومباركة قمة هرم السلطة والشخصية الأولى في البحرين ملك البلاد المفدى الذي عد ما حدث «مفخرة لأهل البحرين ويحق لهم أن يفخروا بها كنموذج للممارسة الديمقراطية الصحيحة من دون المساس بالمصالح العامة والخاصة، وبحسب ما ينص عليه قانون التجمعات والمسيرات الذي أقره وارتضاه ممثلو شعب البحرين». وفي الوقت الذي بارك فيه الديوان الملكي هذه الطريقة الحضارية في التعبير عن الرأي، فإنه دعا الجميع إلى «اتخاذ هذا النهج في كل مناسبة لما فيه خير للبلاد وأهلها»، (وتلك رسالة ذكية لها مضامين تستأهل قراءة مستقلة).

الرسالة الثالثة: التعبير السلمي أدعى إلى الإقناع أو على الأقل حفز العقول إلى التفكير في مضامين ما يطرح بالمناقشة والحوار والتقييم، بينما يسد العنف كل الآفاق ويقطع الطرق إلى العقل، ويثير الأحقاد وينحدر بلغة الخطاب ويستدعي المواجهة الأمنية والحسم والضبط لحفظ النظام العام والحفاظ على هيبة الدولة في أي بلد وليس في البحرين وحدها.

الرسالة الرابعة: التعبير السلمي في إطار القانون والعرف الذي لا يتحدى أحدا، ولا يطالب بإسقاط الدولة ولا يسيء إلى قيادتها ولا إلى أي مكون أو رمز في المجتمع ولا يشجع على المنازلة الطائفية، هذا النوع من التعبير يتوغل مثل الهواء النقي إلى أذهان صانعي القرار، بينما يحرج الفاسدين والمتجاوزين والمنتهكين للقانون الذين تغطي المواجهات الأمنية اليوم على ما يقومون به من أعمال تتطلب المساءلة والمحاسبة وتطبيق القانون، كما يحرج هذا الأسلوب صاحب أي طرح طائفي أو عرقي أو مناطقي يميز بين أبناء الشعب من أجل مصالح خاصة أو لأحقاد دفين.

الرسالة الخامسة: إن الأسلوب السلمي في التعبير عن الرأي مقبول من قبل الدولة وأجهزتها وكل المجتمع ومعظم فئاته حتى لو كان ما يطرح من رأي يخالف ما تقول به الدولة كليا أو جزئيا، أو كان ما يطرح يتعارض مع ما يقول به بعض فئات المجتمع أو بعض الفئات السياسية، وقد أثبتت مسيرة ٩ مارس أن الدولة قد تحمي هذه المسيرات المخطر عنها (القانونية) بدل مواجهتها، وهي من دلائل عافية أي نظام سياسي ومؤشر على رقي المجتمع.

الرسالة السادسة: ان لا نجومية لأحد في هذه المسيرة كائنا من كان حزبا أو رمزا أو فئة، وحدها الجماهير التي أيدت فكرة الإصلاح والتغيير إلى الأفضل في ظل القيادة السياسية للبلاد بأسلوب سلمي حضاري بعيدا عن عنف الشعار وعنف الأسلوب والممارسة هي صاحبة النجومية، وقد جرب بعض الأحزاب و«الرموز» الداعية إلى هذه المسيرة أساليب أخرى غير الأسلوب السلمي، ولكنها باءت بالفشل الذريع ولم تحظ بتأييد الجماهير التي حددت أسلوبها في التاسع من مارس.

الرسالة السابعة: إن المسيرة بكل جماهيرها الحاشدة تكشف الحجم الحقيقي لأحزاب «إسقاط النظام» التي تعددت أسماؤها وعلا صوتها وقلت جماهيرها، كما تكشف محدودية تمثيلها في الشارع البحريني وبؤسها وعدم واقعية طرحها رغم ارتفاع أعمدة الدخان وحجم المواجهات الأمنية التي تثيرها مستغلة حماسة صبية أبناء القرى البحرينية وصغر سنهم وقلة خبرتهم واندفاعهم غير عابئة بأرواحهم ولا سلامتهم، ورغم ارتفاع نبرتها في القنوات الفضائية التحريضية التي تناست مشاكل بلدانها واتجهت لمواجهة البحرين البلد الذي يفوق تلك البلدان في مؤشرات التنمية البشرية بمراحل عدة لن تصل إليها هذه البلدان الهاربة من مشاكلها إلا بعد عقود من الزمن وقد لا تصل إليها مطلقا.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة