الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤١١ - الجمعة ١٦ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


مقتدى الصدر إلى (الاتاري) در.. البحرين أرفع منك وأكبر





في التاسع من الشهر الحالي أوعز مقتدى الصدر رئيس ما يسمى بالتيار الصدري الشيعي الطائفي، الى عدد من أتباعه ممن يطلق عليهم في بغداد بـ(البريكيه) وهي مفردة شعبية ساخرة تتهكم على النشالين والمنحرفين والشاذين، بالتظاهر ضد الشعب العربي في البحرين والتنديد بخياراته الوطنية والقومية في رفض تدخلات ايران بشؤونه الداخلية ومحاولاتها المحمومة لزرع الفتنة بين ابناء البلد الواحد ونشر الفرقة بين دول الخليج العربية.

وكانت فضيحة مدوية شهدتها ساحة التحرير في وسط بغداد، لان التظاهرة التي طبل لها مقتدى وزمر، لم تضم غير افراد يمكن عدهم بسهولة لقلة عددهم وأغلبهم كما تبدو هيئاتهم وأشكالهم وسيماء وجوههم وحتى صيحاتهم المبحوحة الى انهم من مخلفات سوق (مريدي) في مدينة الثورة، وهو سوق يعج بكل انواع واشكال الموبقات والرذيلة والسرقات ومكان خرّج عشرات اللصوص والقتلة وصدرهم الى بغداد العباسية يعيثوا فيها فسادا وعدوانا على اهلها الطيبين الآمنين بدعم واسناد الجماعات والمليشيات الشيعية المنحطة اجتماعيا وبيئيا ومذهبيا وهي التي تنشط في الظلام وفي اوكار الرذيلة وحجرات (المتعة) المنتشرة بالقرب من هذا السوق الذي يسميه البغادة الاصلاء بـ(الماخور) وهم على حق.

وقد اثبت مقتدى الصدر خلال تجربته السياسية القصيرة التي بدأها باغتيال صديقه القديم عبدالمجيد الخوئي في العاشر من نيسان ٢٠٠٣ بعد يوم واحد من احتلال بغداد، انه شاب مزاجي تغلب عليه الاهواء الشخصية والبحث عن المال الحرام، وقد سعى عقب الاحتلال الى تسويق نفسه وطنيا من خلال تصريحات ومواقف ومشاركات في الاجتماعات الاولى للمؤتمر التأسيسي الذي أنشأه تحالف سياسي ضم هيئة علماء المسلمين برئاسة الشيخ حارث الضاري والمدرسة الخالصية في الكاظمية بزعامة الشيخ جواد الخالصي والقوميين العرب وكان يقودهم المرحوم صبحي عبدالحميد اضافة الى حشد من الشخصيات والقيادات الوطنية كاطار شعبي لمقاومة الاحتلال الامريكي والتصدي لمشاريعه العدوانية التي استهدفت تدمير العراق وابادة شعبه الابي، غير ان مقتدى سرعان ما كشف عن وجهه الطائفي وطفولته النزقة عندما سحب ممثله وكان وقتها عبدالهادي الدراجي من المؤتمر التأسيسي وبدأ يحاور الامريكان سرا، وقد لعب عراب البيت الشيعي احمد الجلبي دورا في اشاعة الود والتفاهم بين الطرفين كانت من نتائجه مشاركة مقتدى بالعملية السياسية وترشيحه لعدد من مؤيديه بالاشتراك في حكومة ابراهيم الجعفري كان من بينهم سلام المالكي المترجم السابق للقوات البريطانية المحتلة للبصرة وزيرا للنقل التي تعتبر أغنى وزارة في العراق لما يتبعها من دوائرومنشئات ومرافق خدمية.

وكان نواب ووزراء مقتدى وهم يجدون الوجاهة التي يفتقرون اليها والملايين التي يقاتلون من اجلها قد وقعوا على تعهدات التزموا بموجبها تبرعهم بـ(خمس) رواتبهم الشهرية لمقتدى شخصيا إضافة الى نصف ما يحصلون عليه من عقود وصفقات ومقاولات حكومية قدرت في عام ٢٠٠٥ بحوالي ٤٠٠ مليون دولار ذهبت الى رصيد (السيد القائد) في بنوك طهران وقم لان السيد حفظه الله لا يثق بالمصارف العراقية ويخشى من افتضاح اسراره المالية، وقد أنتجت هيمنة مقتدى على المال (الصدري) كما يسميه وارتفاع معدلاته الى تمرد اثنين من مساعديه هما قيس الخزعلي وسلام المالكي وانشقاقهما عنه وتشكيلهما ميليشيا اجرامية تحت عنوان (عصائب أهل الحق) التي يسميها العراقيون عصابة أهل الباطل.

ويعترف الخزعلي وسلام المالكي انهما اضطرا الى انشاء ميليشيا خاصة بهما لحماية نفسيهما من بطش مقتدى الذي يطالبهما بتسديد ما بذمتهما من اموال حصلا عليها باسمه، في حين يؤكد سلام انه زود مقتدى خلال تسعة اشهر من اشغاله وزارة النقل بمبلغ ١٨٠ مليون دولار ما عدا الهبات في المناسبات وتعيين الالاف من العمال والموظفين في دوائر الميناء والسكك والطيران المدني والخطوط الجوية العراقية والنقل البري وغيرها من المنشئات العديدة التابعة للوزارة، وقد استغل رئيس الحكومة ورئيس حزب الدعوة نوري المالكي الخلافات المتفجرة بين الطرفين في ابتزاز مقتدى والتلويح باستقطاب الخزعلي وسلام الى جانبه، وهنا تناسي رئيس مليشيا جيش المهدي تصريحاته النارية ضد نوري ولحس تهديده الشهير الذي أدلى به لقناة (الجزيرة) في حزيران ٢٠١٠ عندما قال ان التيار الصدري يعتبر نوري المالكي خطا أحمر ولن يغلط في التعاون معه او المشاركة في حكومته مرة أخرى، في وقت كان نوري يضحك ملء شدقيه ويقول لحاشيته (خلوه علي انا أعرف اشلون أجيبه) بمعنى اتركوا مقتدى لي اعرف كيف اكسبه، وصدق نوري هذه المرة واضاف مقتدى كذبة جديدة الى اكاذيبه التي لا تعد ولا تحصى عندما تخلى عن دماء العشرات من الصدريين المغرر بهم الذين قتلهم المالكي والقوات الامريكية في البصره عبر عملية عسكرية سميت بـ(صولة الفرسان)، وتخلى ايضا عن اتفاقه مع اياد علاوي في دمشق، لانه مستعد لفعل أي شيء وبيع اشياء في سبيل المال الحرام الذي لا يشبع منه ابدا.

مقتدى يزعم انه يقود تيارا سياسيا سماه على اسم عائلته، غير ان المعطيات والشواهد تؤكد ان التيار الصدري مجرد لافتة وعنوان شيعيين طائفيين فارغين من أي مضمون سياسي ويحار المراقبيون والباحثون السياسيون في كيفية توصيفه وتقويمه سياسيا لانه لا يحمل سمات التيار السياسي الذي عادة تكون له رؤية واضحة وفلسفة معلومة ومنهج عمل مرحلي، وافضل توصيف لهذا التيار أنه عشوائي وفوضوي وغوغائي لا ثوابت سياسية عنده، لان الذين أحاطوا بمقتدى عقب الاحتلال وحفزوه الى الاعلان عن تياره إندفعوا في ذلك لحماية أنفسهم من لوم وتقريع وتخوين الجماعات التابعة لمجلس آل الحكيم وحزب الدعوة التي كانت قياداتها تقيم وتعيش في طهران ولندن ودمشق حافظ وبشار الاسد وهي التي كانت تتهم محمد صادق الصدر والد مقتدى بانه مرجع النظام السابق وتتهجم على انصاره ومريديه وتصفهم بانهم من عناصر الامن والمخابرات والفدائيين الصداميين السابقين ضمن حملة التسقيط السياسي التي قادها الاخوان باقر وعبدالعزيز الحكيم عند عودتهما الى العراق من ايران وتعاونهما الوثيق مع سلطات الاحتلال وتكفير محمد صادق الصدر وجماعته واسرته رغم مرور اكثر من اربع سنوات على وفاته، وصحيح ان النظام السابق شجع على اختيار والد مقتدى عقب وفاة المرجع الشيعي الخوئي وخصص له اموالا شهرية كثيرة ومنحه تسهيلات وحوافز كبيرة في إجراء نفذه العقيد روكان ارزوقي مرافق الرئيس السابق ونصح به لطيف هميم مستشاره للشؤون الدينية وكانت حجتهما ان محمد صادق الصدر رجل ضعيف يسهل قياده وهو يقتقر الى الاعلمية الدينية اضافة الى قرابته لمحمد باقر الصدر الذي سجنه واعدمه النظام السابق في نيسان ١٩٨٠ بتهمة التخابر والاتصال مع الخميني الذي كان قد طلب منه في رسالة أذاعتها اذاعة طهران بالعربية ان يبقى في العراق ويقود الثورة الشيعية فيه على صدام، مثل ثورة الخميني على الشاه في ايران، لكن من غير الصحيح ان تتهم جماعة والد مقتدى التي التفت حوله عقب الاحتلال بان افرادها من الامن والمخابرات، وهذا لا يمنع من وجود تعاون وتنسيق بعضهم مع اجهزة النظام السابق ما دام الرأس محمد صادق الصدر على صلات مع أعلى المستويات الحكومية، وليس صحيحا ايضا ان أجهزة النظام السابق هي التي قتلته لسبب بسيط جدا يتمثل في انها هي التي اختارته ودعمته وكان بمقدورها تغييره في أي لحظة وتعيين آخر وكانوا كثرة في النجف وكربلاء والكاظمية يسيل لعابهم لنيل موقعه ومنهم قريبه حسين الصدر الذي كان مجلسه الاسبوعي في الكاظمية يضم قيادات بعثية وامنية اكثر من طلبة العلم ورجال الدين وكان يحظى باهتمام ورعاية الرئيس صدام نفسه حتى لحظة انهيار النظام وثمة وقائع وحكايات موثقة تؤكد ذلك، غير انه مع سقوط النظام غير مواقفه ١٨٠ درجة وبات يستقبل المسؤولين الامريكيين في منزله ويقيم لهم الولائم الباذخة ومنهم كولين باول وزير الخارجية الاسبق والسفير بول برايمر والجنرال بتراويس، وهو نفسه الذي نشرت مجلة (نيوزويك) صورة بالالوان لوليمة اقامها لباول بعنوان (جبل من الطعام كان في انتظار وزير خارجيتنا في الكاظمية) علما بانه هو من رشح موفق ربيعي الى بريمر ليعينه عضوا في مجلس الحكم الانتقالي رغم اعتراض عبدالعزيز الحكيم وابراهيم الجعفري.

ورغم ان مقتدى الصدر على قناعة كاملة بان من قتل اباه هم من كان يسميهم بعملاء ايران ويقصد بهم جماعة المجلس الاعلى وبيت الحكيم تحديدا، وبرقية الشكر التي رفعها الى الرئيس الراحل صدام حسين وقد نشرت في صحف الثورة والجمهورية والقادسية والعراق ومجلة الف باء تؤكد ما ذهب اليه، وهو ايضا لا يستطيع انكار رعاية صدام شخصيا له ولاسرته بعد مقتل والده حتى ان النجفيين يؤكدون ان الرئيس السابق أهدى اليه مجموعة من أجهزة (الاتاري) كان مغرما بها وما زال، ولكنه مثل قريبه حسين الصدر لجأ الى تغيير مواقفه وتبرأ من النظام السابق وشارك في العملية السياسية وبات له وزراء ونواب ومسؤولين فيها، واذا كان الصدر في الكاظمية يتوخى الحذر في انتقاد النظام السابق لاعتبارات خاصة به فان شلة مقتدى حرضته على تشديد الهجوم على صدام وحزبه ونظامه ليدفع تهمة (العمالة) اللاصقة به وبوالده، وعلمته ايضا بان التطرف الطائفي خير وسيلة للدفاع عن نفسه وعائلته، لذلك لاحظنا كيف انه وجه اتباعه من حثالة البشر بمهاجمة السنة العرب واغتيالهم وتهجيرهم واحتلال مساجدهم في مطلع عام ٢٠٠٦ بمباركة من فوات الاحتلال الامريكي وسفيره زلماي خليل زاد، وصلوات اقطاب الشيعة ابراهيم الجعفري ونوري المالكي واحمد الجلبي والاخير له حديث تلفزيوني مسجل يعترف فيه قائلا:

لولا جيش المهدي لكان السنة في بغداد قد سيطروا عليها ولم يبقوا شيعيا واحدا فيها.

من هنا يجب ان نفهم مواقف مقتدى الصدر العدائية ضد البحرين واسهاله في التصريحات المنددة بقوات درع الجزيرة الخليجية العربية ويسميها (محتلة) بينما كان الاحتلال الامريكي والحكومات التي نصبها وشارك مقتدى بوزراء فيها صديقة من وجهة نظره.

ويا أهل البحرين حذار حذار من أشباه مقتدى ومن هم على شاكلته في بلدكم، فمثل هؤلاء مثل الذي يأكل في صحن طعام قدم اليه عطفا واحسانا، ثم يبصق فيه بعد الفراغ من الاكل.

* كاتب وسياسي عراقي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة