الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤١١ - الجمعة ١٦ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


حول قضايا التأصيل الإسلامي
لمفاهيم حقوق الإنسان





قد تعرف (حقوق الإنسان) بأنها حقوق الافراد كافة، بغض النظر عن الجنس، والعرق، واللغة، واللون، والأصل، والوطن، والعمر، والطبقة الاجتماعية، أو المعتقدات والسياسية، أو الدينية، بالنسبة إلى الحريات الأساسية أو الجوهرية، وتمتاز حقوق الإنسان بأنها عالية، غير قابلة للتجزئة، ومترابطة مع بعضها بعضا.

ويقال إن أول وثيقة مسجلة لإعلان حقوق الإنسان تعود إلى عام ٥٧٠ قبل الميلاد وان واضعها هو (قْورش) في بلاد فارس، وانها تضمنت بعض الحريات العامة حيث يعترف كورش بحرية البشر، والحق في الأمن والحرية والتنقل والملكية والإقامة والدين والعمل، ورفض العبودية (حقوق الإنسان سانام ناراجي وجولين شوميكر).

والحق ان الاهتمام بمسائل حقوق الإنسان ليس وليد الساعة وإنما يعود بجذوره إلى حقب متعاقبة أو بالأحرى لا يمكن رده إلى فترة زمنية بعينها نظير ايديولوجيا منبثقة منها، وإنما الحقوق هي نتاج خبرات وتراكمات أو صراعات وكذا هي إفرازات ونتاج العقائد الدينية المختلفة، التي هي في الغالب تكرم الحالة الإنسانية جمعاء وتبجل الإنسان وتحرم الاعتداء والظلم.

وقد أخذت مسألة حقوق الإنسان الآن، بعدا عالميا كبيرا، نظير الاهتمام الغربي المعاصر، على مستوى التنظير والممارسة، وصولا إلى تقنينه كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (حقوق الإنسان محمد دكير).

ومن خلال القراءات المتعددة للفكر الحقوقي الإسلامي نجد ان الإسلام قد أصل تأصيلا متكاملا لمسألة حقوق الإنسان وهذا ما سيتبين لنا من خلال محور بحثنا هذا.

فالقرآن الكريم كتاب الله الكريم الدستور الإسلامي حوى في كثير من مضامينه حقوق الإنسان، بل هو منظومة كاملة لهذه الحقوق.

يقول الحق سبحانه «ولقد كرمنا بني آدم»، فهذه الآية أسست القاعدة الكبرى والأساسية لحقوق الإنسان العالمية فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن يظلم أو يضطهد، أو تصادر حرياته، أو يعامل معاملة مهينة.

ومن التشريعات الإسلامية الحقوقية حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وهذا ما ارشد إليه الخليفة الراشد أبوبكر الصديق (رضي الله عنه) حينما أوصى جنوده بعدم التعرض لأي امرأة أو طفل أو شيخ ولا أذى الحيوان، ولا أعمال النهب أو الحرق أو التخريب، وهي تعاليم راقية سمحة تؤمن الحياة والكرامة للناس الأبرياء في الحروب والصراعات.

ومع حالة التوسع في الدولة الإسلامية بدأت الحاجة إلى تطوير القضاء، والرفع من قيمته، كأداة للعدل ودفع الظلم، وإقامة الحقوق العادلة، مما دعا الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى إصدار لائحة تنظيمية لسلك القضاء تتناول قواعد القضاء، وأدلة الإثبات، وما يجب على القاضي ان يلتزم به، وهذا سبق بأصول القضاء وتنظيمه.

ومن جوانب التأصيل الإسلامي لحقوق الإنسان، تبرز إلينا (رسالة الحقوق) للإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (عليه السلام) التي تحوي (٥٠) حقا من مسائل الحقوق الفردية والاجتماعية والأسرية والسياسية وحقوق الناس وغيرها.

وتعد هذه الرسالة - حقيقة - مدونة كبرى شاملة لحقوق الافراد في الاسلام، وهي من الوثائق السوابق المهمة في هذا الحقل، وكانت محل عناية ودراسة الباحثين في المجال الفكري والحقوقي.

وتبدو معالم التأصيل الإسلامي، والأصالة الإسلامية لحقوق الإنسان، في وثيقة العهد لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، حينما اسند إلى مالك الاشتر النخعي، وولاه على مصر في عام (٩٣هـ)، وأوصاه بجملة من الوصايا النافعة، التي تعينه على إدارة شؤون الإقليم، وما يتبع ذلك من حقوق الرعي، ووسائل التعامل، وجملة الحقوق والواجبات التي يتعين على مالك الاشتر ان يعيها (تطور وثائق حقوق الإنسان، غانم جواد).

وقد زخر التراث الإسلامي بكثير من المصنفات التي أشارت إلى جانب حقوق الإنسان وهي إشارات ينبغي قراءتها والتأمل فيها والإمعان فيها لنستخلص الكثير من المعاني السامية.

منها (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية) لمؤلفه ابن الطقطقي، و(التبر المسبوك في نصيحة الملوك) تصنيف الإمام ابي حامد الغزالي، و(الخراج) تصنيف ابي يوسف القاضي، الذي أكد فيه جانب الحقوق الاقتصادية وغيرها من المصنفات التي لا يتسع المقام لذكرها مفصلة.

هذا الكم الهائل من المدونات الحقوقية يعكس تماما ما وصل اليه التفكير الحقوقي عند إعلام التراث والحضارة الإسلاميين، من رقي وأصالة بل أنهم قد اسسوا لكثير من النظريات والأنظمة والقوانين المختلفة.

بل إن ما يسمى الآن حريات التعبير وحرية العقيدة وآداب الاختلاف والتسامح الدينيين ونبذ التعصب وحرية الفكر، هي نتاج السلف، فالإمام الشافعي (رحمه الله)، إمام المذهب يقول (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، (المصدر السابق).

والإسلاميون يعتقدون ان هناك جذورا متعمقة أصيلة لحقوق الإنسان في الإسلام كحالة تشريعية خاصة من وحي الشريعة الغراء، ويقولون ان حق الحياة والحرية والمساواة وعدم الإكراه وحق اللجوء ورفض الظلم واحترام العقيدة والمشاعر وحق المشاركة السياسية العامة، والملكية الفردية، والا تنزع تلك الملكية الا لمصلحة عامة، او بتعويض عادل، والحق الا يبعد المواطن عن وطنه الا بنص.. كل هذه الحقوق قد كفلها الإسلام ودعا إليها وعززها.

ومن الحقوق الإسلامية التي تستحق ان نقف عندها الحق في إبراء الساحة حتى اثبات التهمة وهي نظرية إسلامية حقوقية عظيمة والآن قد تبلورت بصيغة قانونية عالمية، ولا يجوز تعذيب المتهم، ومن حقه المثول أمام محكمة مختصة ويحاكم محاكمة عادلة، وله ان يدافع عن نفسه او يوكل غيره وقد ضمنت الشريعة للمحبوس رعاية تصل إلى اجراء راتب له، ومعاملته معاملة إنسانية وانه لا تجريم ولا عقوبة الا بنص والجريمة شخصية فلا يجوز معاقبة شخص بجناية غيره. (الموسوعة العربية العالمية، مادة حقوق الإنسان).

وتتسابق الدول في الالتزام بمعايير حقوق الإنسان العالمية إيمانا منها بأهمية هذه الحقوق وما يجب ان تلتزم به دوليا وتطبقه على ارض الواقع، والتزام الدول بهذه المعايير ليس تكليفا فقط وإنما تشريفا لها، فتعد الدول التي تلتزم بهذه العهود الدول الرائدة في حقوق الإنسان وعلامة بارزة على حكمها الرشيد ومدى تحضرها وتفوقها.

والبحرين من أوائل الدول التي التزمت وتلتزم بهذه المعايير بل هي سباقة ومنذ سنوات عدة إلى إرساء دعائم الحكم الرشيد المتمثل في تعزيز حقوق الإنسان.

وكانت خطوات جادة على ارض الواقع قد تحققت بالفعل من إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وتشكيل منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان وإنشاء وزارة مختصة بحقوق الإنسان، وتوجه وزارة الداخلية الحالي إلى الامتثال لحقوق الإنسان في جميع محاور عملياتها المختلفة مما يتأكد ان ثمة نهضة حيوية في هذا المجال.

وتأكيدا على نهج حقوق الإنسان، كانت إعادة تنظيم وزارة الداخلية، بإعادة الاعتبار للمفتش العام للشرطة والأمن العام في الهيكلية الشرطية بحيث يمكنه من التمتع بالصلاحيات الكافية لأداء عمله.

وان كنا نرى ان تتبعه إدارات متخصصة تعاونه في أداء مهامه، كإدارة للشكاوى وكإدارة مستقلة لحقوق الإنسان وإدارة للتظلمات.

كما ان الأمانة العامة للتظلمات التي قد شكلت مؤخرا سوف تسهم بحد كبير في تعزيز حقوق الإنسان وتبيان الحق ونصرة من تكون له مظلمة.

ويبدو حسنا لو ان تفتتح فروع للتظلمات والشكاوى وحقوق الإنسان، بكل مديرية أمن ومركز شرطة بالمحافظات.

وان إدخال حقوق الإنسان في المنظومة التعليمية كمادة دراسية في ظل الانتعاش السياسي الحقوقي الآن لهو مطلوب، فلابد من الترويج لهذه المفاهيم والقيم بدءا من الأجيال الصاعدة مرورا بالطلبة الجامعيين فنشر الوعي السياسي الحقوقي في منظومات التعليم ما تدرج عليه الدول المتقدمة وتسعى إليه.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة