الثقافة الأمنية
الحريق المفضي إلى الموت
 تاريخ النشر : السبت ١٧ مارس ٢٠١٢
إن إشعال الحريق يعتبر جريمة مادية من جرائم الضرر لأنها حتى إذا حدثت في نطاق ضيق فإنها قابلة للانتشار السريع في المكان والزمان أي أن ضررها قابل للتضاعف والامتداد وكون الضرر مصحوباً بخطر امتداده فإن الجريمة تقع تامة حتى لو تم إطفاء النار. والركن المادي فيها هو سلوك إيجابي مادي بحت يتمثل في إشعال النار بأي وسيلة ويستوي أن يكون إشعال النار في الثابت والمنقول مملوكاً لمشعلها أو لشخص آخر. والركن المعنوي في الجريمة هو القصد الجنائي من إشعال النار عمداً والقصد يعني انصراف الإرادة إلى إشعال النار التي من شأنها تعريض حياة الناس أو أمولهم للخطر في مال ثابت أو منقول ولو كان مملوكاً للجاني فلا عبرة بالباعث أياً كان فقد يكون الباعث هو الحصول على قيمة الأشياء المحترقة المؤمن عليها أو قد يكون الباعث إخفاء معالم جريمة أو أي باعث آخر سواء التخريب أو الإتلاف المهم هو الإشعال الذي من شأنه تعريض حياة الناس أو أمولهم للخطر وسوف نتحدث اليوم عن الحريق الذي ينتج عنه وفاة الذي عاقبت عليه معظم التشريعات العربية والخليجية بعقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة ومنها المشرع البحريني.
ولا شك أن هذه العقوبة تتناسب مع كون هذه الجريمة من الجرائم ذات الخطر العام، فلم يتهاون المشرع في هذه الجريمة حيث نصت على ذلك الفقرة الثالثة من المادة ٢٧٧ من قانون العقوبات البحريني (تكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا أفضى الحريق إلى موت شخص). الجدير بالذكر أن المحرض على الجريمة الحرق المؤدي إلى الوفاة سينال نفس عقوبة الفاعل الأصلي وهي عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة وفق المادتين ٤٤ و٤٥ من قانون العقوبات البحريني. إذا كان التحريض هو السبب المباشر في الوفاة نتيجة الحرق الذي تسبب فيه الجاني بأن أشعل النار إثر التحريض باعتباره شريكاً في الجريمة.
ولا يشترط أن تتجه نية الفاعل الأصلي أو المحرض إلى إزهاق روح إنسان أو قتله طالما توافر لديه التوقع المنطقي للأمور، وهو عنصر العلم بأن من شأن هذا الفعل إحداث الوفاة، فإذا حدثت الوفاة فعلاً كان العقاب الإعدام أو السجن مدى الحياة، وبشكل أبسط للقارئ لا يمنع من تطبيق العقوبة أن يكون الجاني قد تحقق من خلو المكان من الناس أو أنه لم يكن ينوي إزهاق روح كل هذه البواعث لا تعفي الجاني من العقوبة إذا ما أدى إشعال الحريق إلى موت المجني عليه حتى لو لم يقصد إحداث الموت طالما أن إشعال الحريق قد تم عمداً بهدف إشعال الحريق وأن القصد الجنائي هو قصد احتمالي يقتصر على توجه إرادة الفاعل اختياراً إلى وضع النار سواء كان الغرض إحراق المكان ذاته أو غرض آخر نتج عنه موت شخص والقول بغير ذلك أي بضرورة العلم اليقيني من شأنه أن يلغي إمكانية العلم مطلقاً لأن العلم اليقيني درجة يشك في وجودها أصلاً كثير من فقهاء القانون ولا يمكن قياسها إلا بعد وقوع الوفاة فعلاً أما قبل وقوعها، فهو علم قائم على التدليل والتسبيب الشخصي- (قضاء الموضوع)- ولا يلزم العزم والتصميم على إزهاق الروح في هذه الجريمة لأن النية تكون قائمة بدون جدل إذا تم إشعال النار وكان من شأنه تعريض حياة الناس أو أموالهم للخطر، والموت هو النتيجة المحتملة، لذا يعاقب القانون على النتيجة لا الباعث.
ولا شك في أن لهذه الجريمة ركنين ركن مادي وركن معنوي، الركن المادي هو فعل إشعال الحريق، ويلاحظ أن الجاني في هذه الجريمة يسأل أمام القانون عن القتل العمد إذا نشأ عن الحريق موت شخص ويسأل ولو لم يتوقع بالفعل هذه النتيجة فهي نتيجة كما ذكرنا سلفا محتملة وفقاً لما تجري عليه الأمور متى ما كان تعمد إشعال النار ناشئا عن علم وإرادة بكل النتائج الاحتمالية الناشئة عن فعله.
ولا تقوم الجريمة إلا عمدية فإذا نتج الموت بسبب حريق غير معتمد فلا تقوم هذه الجريمة، وإذا جاء شخص بعد اشتعال الحريق وجازف بإطفائه وتوفي نتيجة عدم مراعاته الحيطة والحذر لا تقوم الجريمة لانتفاء صلة السببية بين الحريق والوفاة. ولا شك أن الوفاة التي تنتج عن الحرق قد تطول أو تقصر فلا يمنع من إنزال العقوبة أن المجني عليه المتوفى نتيجة الحرق قد مات في يوم أو شهر أو سنة طالما أن علاقة السببية قائمة بين الفعل والنتيجة الإجرامية وطالما أن الطب الشرعي اثبت أن الوفاة نتيجة الحرق الجنائي.
أما إذا أسفر البحث والتحري عن أن الجريمة قد ارتكبت بغرض إرهابي وأخذت النيابة العامة في تحقيقاته بالاتجاه الإرهابي وأقرت محكمة الموضوع بأن الوفاة الناتجة عن الحريق كانت بسبب إرهابي في جريمة الحرق، فإن المشروع جعل العقوبة الإعدام حينما تكون نتيجة الحرق الإرهابي هي الوفاة، وهو ما يوضح للجميع خطورة هذه الجريمة وجسامة العقوبة المقررة عليها إذا ما نتج عنها وفاة شخص أو أكثر وفقاً لأحكام قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية.
.