العنفُ والتحولاتُ الاجتماعية
 تاريخ النشر : السبت ١٧ مارس ٢٠١٢
عبدالله خليفة
سقوط الرأسماليات الحكومية الضعيفة في تونسَ ومصر واليمن يمكن تفسيره بعلاقاتِ هذه الدول مع الغرب الديمقراطي، وليس بالأجندات التغلغلية له أساساً، فحدث نمو لعلاقات تحديثية خاصة في البلدين الأولين خاصةً ولم تصلْ أجهزةُ القمع إلى مستوى الدول الرأسمالية الحكومية العسكرية كسوريا وإيران وروسيا.
هذه شهدت أشكالاً من الفاشية حيث الحكومات العسكرية متداخلة مع منظماتٍ جماهيرية عنيفةٍ مؤدلجة طائفياً ودينياً وقومياً وفاسدة سياسياً واقتصادياً.
ما ميزَّ النازياتُ الألمانية والإيطالية السابقةُ هو المنظماتُ الجماهيرية المتعصبة العنيفة ويمكن مشاهدتها بوضوح في سوريا وإيران حيث تستباحُ دماءُ العامةِ والخاصة بغيابِ أي شعور إنساني.
الرأسمالياتُ الحكوميةُ المأزومةُ بقومياتِها ونظمها السياسية التي بلعتْ شعوباً وقوميات وطوائفَ عبر القوى العسكرية طوال عقود غدتْ صراعاتُها ضارية.
صحيح أن الفاشيات هنا لم تكتملْ لكون القوى الديمقراطية في العالم واسعة جداً، لكن الأعمالَ الضارية وغياب أي رأفة والإصرار على البرامج السلطوية القامعة الدموية، لا يمكن إلا أن نرجعها لنمطٍ فاشي لم تستطع كلُ ينابيعه الحمراء بالتكشف ماعدا النظام السوري الذي بيّن هذه الفاشية وعلاقاتها مع الأنظمة المساندة إليه.
إن أمامنا انفجارات أكثر ضراوة لو حدث مثل هذا الانفجار في دول أكبر من سوريا وأوسع تناقضات.
جراثيم الفاشية المتكونة في دولة مثل سوريا تتكشفُ مرةً أخرى في نظام (قومي)عن المشابهين له المساندين لفاشيته البغيضة.
علينا أن نرى حتى الإمكانيات الممكنة لدكتاتوريات جديدة في دولِ الثورات والانقلاب على الحريات وتحطيم التسامح ومُثُل الثورة الوطنية الديمقراطية التوحيدية.
فليست الأجهزة العسكرية السياسية الجماهيرية الواسعة العنف ببعيدة عن اليمن وعائلة الرئيس السابق وتشابك علاقاته بالقاعدة والأجهزة السرية، وتداخل الأجهزة السرية والمنظمات الجماهيرية المتعصبة هي العلامة البارزة للفاشية، حيث القتل الواسع المجاني للبشر.
ومن هنا فأي علو للتعصب وترويج أفكار الحلول الدينية العنيفة والاعتماد على تصويت متخلف ناتج من غياب الديمقراطية لقرون بدلاً من إقامة جبهات توحيدية بين القوى السياسية النهضوية، هي علامات لدكتاتوريات تستغل الأديان وقد تنزلقُ لحالاتٍ مماثلة.
لم تنهر الرأسماليات الحكومية العسكرية بنضال شعبي ديمقراطي واسع وعبر تراكم تحولي بل بهباتٍ شعبية شوارعية، ولهذا فإن الجماهير لم تصر ديمقراطيةً وتحديثية بعد ولم تتعمق تجربتُها التحديثيةُ الديمقراطية ويمكن جرها لحكومات عسكرية جديدة وأشكال من القمع الخطير.
ولهذا فإن لجوء معارضات للعنف الواسع وجر الشباب والأطفال لحروبِ النار وبنزعِ مشاعرِهم الوطنية والإنسانية والدينية وتعليمهم سحق البشر بحقدٍ عنيفٍ هي أشكالٌ من الفاشية، تُسوقُ عبر الحقد الطائفي الديني القومي.
إن ما حدث في العراق في النظام السابق استمر عبر أشكالٍ سرية وعلنيةٍ من خلال منظمات جماهيرية طائفية متعصبة في النظام الحالي، وقد أضافتْ الأشكالَ الفاشية السابقة للأشكال الفاشية الحالية وتكونتْ مذابحَ غيرَ مسبوقةٍ وصار القتلُ البشعُ الواسع اليومي يُقصد به التعميم والتجذر واعتباره عادة يومية مقبولة حتى غدا العراقُ المدرسةَ التجريبية لشتى أنواع الدول والمنظمات الفاشية.
ويمكن أخذ ذبح الشباب (الإيميو) الذي يلبس ويحلق بطرق غربية غريبة حالةً أخرى على تغلغلِ الفاشية في أجهزة الشرطة والنظام والمنظمات الدينية في العراق، حيث جرى تسويقها بشكل رسمي.وهذا الانتشار الذي تغذيه تلك الدولُ المشارُ إليها بالإضافة إلى وجود منظمات مثل القاعدة وغيرها يُظهر أحجام الفاشيات المتسارعة النمو خلال هذا الاضطراب مع سقوط بعض أنظمةِ الرأسماليات الحكومية الشمولية
التي غيّبت أي تقاليد ديمقراطية وأي ثقافة إنسانية واحتكرت الثروة لطبقة صغيرة.
كذلك فإن وجود بقايا العسكريين القدامى المعادين للديمقراطية والأنسنة في أجهزة الدول المتحولة للديمقراطية هو رافدٌ آخر للفاشية، حيث جرى القتل الواسع للجماعات في الشوارع والميادين والملاعب الرياضية وتوسع التعذيب مع الفوضى والتحولات. واستغلال الصراعات الدينية بشكل واسع وحتى المنافسات الرياضية للقتل.
سوءُ توزيع الثروات وتضخم الأجهزة العسكرية وتشجيع الإرهاب وعدم معالجة المشكلات الجماهيرية الكبرى ووجود شباب مغيّب الوعي الديمقراطي الإنساني ومُهيّج، وصراعات الدول في المنطقة على النفوذ، كل هذا يوجد أرضية للعنف الواسع الجماهيري.
من الروح الإنسانيةِ الثوريةِ الوطنية العالية إلى التعصبِ القاتل قوسٌ ملتهب دام يعكس تناقضات حادة، ويعبرُ عن كون القوى الشعبية الباسلة التي نزلتْ للشوارع هي ذاتها قوى تقليدية لم تعش تجربة ديمقراطية إنسانية طويلة، وتمكنت القوى الطائفية والرجعية والعسكرية الفاسدة من التغلغل فيها وخلط الأوراق في وعيها البسيط وتوجيهها لغايات مضادة بحيث سببت مذابح وأعمال عنف فظيعة.
كذلك كان حدوث أعمال عنف من قبل الشرطة ومتظاهرين في الأحداث والثورات أدى إلى ردود فعل انتقامية وأدى إلى تصعيد الاهتمام بالقوة والعنف مع محدودية المؤسسات القانونية العادلة وعدم تجذرها في الحياة السياسية.
وكان غياب البنى التحديثية لدى المنظمات الدينية سبباً آخر في غياب الحدود بين الثائرين والمجرمين، وتصعيد البلطجة لدى بعض الأنظمة وتحولها لظاهرة رهيبة، حتى أصبحت المظاهر العنيفة تطغى على نتائج التحولات الايجابية وهو أمر يعكس هذا الحراك البطولي الذي تقوده عاميات بسيطة يمكن استغلالها في العديد من الأحيان لأهداف أخرى مغرضة ومدمرة.
.
مقالات أخرى...
- مشكلات رئيسية في الديمقراطيات العربية - (16 مارس 2012)
- الليبرالية فردية جامحة - (15 مارس 2012)
- الليبراليةُ والماركسية - (14 مارس 2012)
- الليبرالية والصعابُ السياسية - (13 مارس 2012)
- التمثلاتُ الأسطوريةُ في الحياةِ السياسية - (12 مارس 2012)
- الرأسماليات الوطنية الديمقراطية - (11 مارس 2012)
- الثورة السورية ونموذج ليبيا - (10 مارس 2012)
- بوخارين ومصيرُ روسيا (٢) - (9 مارس 2012)
- بوخارين ومصيرُ روسيا (١) - (8 مارس 2012)