الملف السوري وعودة الحرب الباردة
 تاريخ النشر : السبت ١٧ مارس ٢٠١٢
بقلم: د. نبيل العسومي
يبدو أن الاتحاد الروسي بعد استخدامه الفيتو في مجلس الأمن وبغض النظر عن الأسباب والمبررات السياسية والدبلوماسية لم يبق بحوزته إلا الفيتو ليواجه به الاستئساد الأمريكي الغربي في معالجة القضايا بما يؤكد لنوع جديد من الحرب الباردة بين المعسكرين السابقين روسيا والصين من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من ناحية ثانية هذه العودة تمت ترجمتها عمليا في مجلس الأمن خلال الفترة الماضية مما أعطى إشارة الانطلاق إلى حرب باردة جديدة مسرحها الشرق الأوسط والدول العربية تحديدا، وإذا كانت الأزمة السورية بكل كوارثها وجرائمها تستدعي موقفا عالميا عاجلا باعتبار حجم الضحايا اليومي وباعتبار استبداد النظام البعثي في سوريا فإن مسألة الوقوف مع أو ضد النظام السوري خرج عن إطار المنطق السياسي والأخلاقي إلى منطق الصراع الدولي وذلك لاعتبارات عديدة منها أن سوريا في النظام الحالي هي حليف لروسيا وللصين ولإيران ولحزب الله في لبنان وهو خط معارض تماما للهيمنة الأمريكية الأطلسية عامة ولذلك فإن أي تحليل سياسي للوضع المأساوي في سوريا من دون النظر إلى هذا الصراع الدولي سيكون قاصرا ويفتقر إلى الدقة في ظل التغيرات التي تعصف بالخارجة العالمية وفي ظل الرغبة الروسية لاستعادة دورها كقطب رئيسي في إدارة شئون العالم وفي ظل طموح الصين في الحصول على مكانة موازية للمكانة الروسية فلم يكن هناك من مناص إلا اللعب بهذه الأوراق الدولية التي تكون فيها الشعوب العربية هي الضحية ضحية لعبة الأمم التي تعود من جديد إلى الواجهة.
الذين استاؤوا من الموقف الروسي سواء في الغرب أو في الدول العربية قد يغيب عنهم هذا الجانب وهو طموح روسيا المشروع في تشكيل قوة اقتصادية سياسية موازية للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي فالاتحاد الروسي اليوم يستخدم لتحقيق هدفه في استعادة مكانته في العالم أوراقا عديدة منها، ورقة منظمة شنغهاي للتعاون وورقة الصواريخ وتوزيعها في أوروبا الوسطى وإيجاد أجواء لاستعادة دورها الإقليمي المفقود في منطقة الشرق الأوسط وكانت الحالة السورية هي المحك الذي اضطرت فيه مجبرة روسيا إلى الفيتو بعد إن تبين لها أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تلعبان لصالحهما ولصالح إسرائيل بالدرجة الأولى وخاصة في ظل مواقف إدارة الرئيس الأمريكي أوباما من التهديدات التي تقلق روسيا وهي مواقف سلبية مثل مساعدة جورجيا في حربها ضد الروس ومثل نشر الصواريخ في شرق أوروبا وتوسيع حلف الناتو في أوكرانيا والخلاف في يوغسلافيا وكوسوفو تحديدا والعقوبات المسلطة على إيران وأخيرا موضوع سوريا الذي اضطر روسيا إلى استخدام الفيتو، ولذلك نتوقع أن المرحلة القادمة سوف تشهد عودة نوع من الحرب الباردة الجديدة مما قد يدفع أمريكا إلى تعديل خططها للتعامل مع الروس بصورة أكثر إيجابية لتخفيف التوتر مع إدارة الكرملين في القضايا المشار إليها وهذا ربما ما تريده روسيا من استخدامها الفيتو، فإذا كان الخلاف حول سوريا فإن القضايا المستهدفة من إدارة الكرملين تتجاوز سوريا إلى إدارة شئون العالم وتقاسم المصالح والأخذ بعين الاعتبار بمصالح روسيا السياسية والاقتصادية والأمنية.
إن التاريخ سوف يشهد أن عام ٢٠١٢ هو عام عودة الصراع الدولي بين الأقطاب وإعادة تشكيل التكتلات الدولية ولذلك نتوقع أن يشهد العالم العربي المزيد من الضغوط وخاصة بعد فشل الولايات المتحدة الأمريكية منذ انفرادها بإدارة شئون العالم عام ١٩٩١ فشلا ذريعا في تحقيق العدالة وفي اتخاذ مواقف سياسية متوازنة من القضايا والمشكلات الدولية وفي تمادي الولايات المتحدة الأمريكية في تجاوزاتها وجرائمها باحتلال أفغانستان والعراق رغم رفض العالم لها وفي عدم احترام الإرادة الدولية، كما فشلت في إقرار العدالة للقضية الفلسطينية بانحيازها الدائم للدولة الصهيونية، كما تلاعبت بالعرب ومازالت تلعب بهم وخاصة دورها المشبوه فيما يسمى الربيع العربي ومحاولاتها للتدخل في الشئون الداخلية بما فيها الشئون الداخلية للبحرين في اتجاه تحقيق مصالحها القومية.
إننا اليوم أمام حالة جديدة في ضوء تطور الموقف المشروع لروسيا التي أصبحت مواقف أساسية ولا يمكن تجاوزها لأنه لا يمكن تجاهل المصالح الروسية السياسية والاقتصادية والأمنية لأنه خط أحمر بالنسبة إلى الروس وهذا الطرح السياسي هو ما يقوم عليه أصلا برنامج بوتين منذ عام ١٩٩٩، لأن قوة روسيا واقتصاد روسيا هو ما يرغب فيهما الروس وهو أمر عادل ومنصف لا يمكن تجاوزه في تحقيق مصلحتهم الوطنية.
.