تحية إلى عائشة الزين في عيد الأم
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢١ مارس ٢٠١٢
يوما الثامن والحادي والعشرين من شهر مارس هما «يوم المرأة العالمي ويوم عيد الأم» اللذان تحتفل بهما الشعوب والأمم قاطبة وتحتفي بمفاهيمهما وحقائقهما مؤسسات المجتمعات المدنية، من برلمانات شعبية وأحزاب سياسية وجمعيات مهنية ومنظمات أهلية، وعلى رأسها الجمعيات والاتحادات النسائية في كل مكان.. حسبما تظل مكانة هذين اليومين عظيمة بعلامة مضيئة بالنسبة إلى مختلف منظمات حقوق الانسان المحلية والاقليمية والدولية والهيئات الدولية كافة وفي مقدمتها (هيئة الأمم المتحدة).. وذلك انطلاقا من ايمان هذه المنظمات والأحزاب والهيئات، بنضالات (المرأة العاملة والمناضلة والمثقفة) وتضحيات (الأم المثالية بتربية وإعداد وتنشئة الأجيال الواعدة).
لقد أكدت هذه الأم وهذه المرأة، نضالاتها، ضد القهر السياسي والظلم الاجتماعي، وضد الأفكار الرجولية والذكورية والأبوية، ومواجهتها الأفكار المتطرفة الممثلة في وصايا وأجندة خطاب تيار الاسلام السياسي.. ولعل في ذات السياق يمكن القول إنه حسبما ناضلت هذه المرأة العربية وتناضل ضد الاستبداد السياسي والاستبداد الديني.. فان المرأة الفلسطينية قد تميزت بقصب السبق على طول الساحة العربية، لتبوئها المكانة النضالية وتجليها بمسيرة الكفاح المرير الصعب والشائك والطويل.. ومن هذا المنطلق فان واقع النساء الفلسطينيات، قد اكد تلك العلامة المضيئة ما بين صفحات التاريخ.. ولعل (واقع) احداهن يجسد تلك (العلامة المضيئة).. وهي المناضلة الفلسطينية الأسيرة (هناء شلبي) التي تواصل اليوم اضرابها عن الطعام، منذ ١٩ فبراير الماضي ٢٠١٢م في سجن (هشارون الاسرائيلي) احتجاجا على الحكم الاداري بحقها.. فان هذا (الواقع) يقتضي، بل تفرض حقائقه ومفاهيمه، على المناضلين جميعا في كل مكان، تبني موقف نضالي صلب وطني وأممي، دعما للشعب الفلسطيني المناضل.. ومساندة للأسرى والأسيرات الفلسطينيين الذين يصل عددهم الى (٤٥٠٠) معتقل والرازحين في السجون والزنازين والمعسكرات الاسرائيلية، وفي مقدمة هذه المعسكرات الرهيبة (معسكر عوفر) في رام الله و(معسكر مجيدو) في شمال فلسطين، و(معسكر وكيسيعوت) في صحراء النقب.
ليس هذا فحسب بل تجاوبا مع الموقف الشجاع للأسيرة (هناء شلبي).. التي هي حسبما اكدت «استمرارها في اضرابها عن الطعام حتى تحقيق مطالبها وانهاء سياسة الاعتقال الاداري الظالمة»، فإن هذه الأسيرة المناضلة قد أعادت شريط المناضلات الفلسطينيات بمواقفهن النضالية إلى بدايته.. وفي مقدمتهن تلك الأم الفلسطينية الصامدة.. وهي (عائشة الزين) التي ضربت رمزا رائعا ومشرفا للأمهات المناضلات وأعطت أنموذجا وطنيا مشرقا بحق المواطنة المشروعة، بحب الانتماء إلى الأرض، والولاء للهوية، والعشق للوطن.
إن هذه (الأم) الرائعة المناضلة (عائشة الزين) قد فضلت الاستشهاد على الحياة.. لتقهر مظاهر القهر والعسف والبطش الصهيونية كافة.. تضامنا مع ابنها الأسير المناضل (عمار الزين) المحكوم بالسجن المؤبد (٢٧ مرة).
استشهدت هذه (الأم) بعد أن أضربت عن الطعام، فلاقت حتفها برحيلها في يوم ٢٩ أغسطس ٢٠٠٤م.. رحلت الأم الصامدة (عائشة الزين) لكن مواقفها النضالية ظلت حية في وجدان الشعب الفلسطيني، بقدر ما تتجلى مفاهيمها في أغوار ومكنونات الأسيرة (هناء شلبي) وغيرها من الأسرى والأسيرات.. الذين هم جميعا كانوا أبطالا خارج السجن برفع لواء الانتفاضة الفلسطينية.. وظلوا أبطالا داخل السجن بانتصارهم بإرادتهم على جلاديهم ومعذبيهم وسجانيهم، من عصابات ألمافيا الصهيونية.
إن الأسيرة الفلسطينية (هناء شلبي) بحسب ما انتصرت بـ «معركة الأمعاء الخاوية» من أجل الدفاع عن كرامتها والذود عن تراب وطنها.. فإنها قد استنهضت
إرادتها من معين تلك التضحيات المضيئة لقوافل الشهيدات الفلسطينيات، اللاتي صنعن التاريخ الوطني بدمائهن التي امتزجت بتراب أرض فلسطين.. فتنمو شجرة الحرية سامقة بشموخ.
إن هذه الكوكبة المضيئة من المناضلات الشهيدات ضمت (وفاء إدريس وسارة علي وصبيحة أبوديتر وآمنة الأخرس ورباب السلعوس وخديجة شواهمة ورابعة الشلالدة وتغريد البطمة وغنيمة أبوالقيمة وعزيزة عماد وإيمان حجو وإلهام شحبري).. وكذلك الشهيدة (دلال المغربي) التي مازالت عبارتها راسخة في وجدان الشعب الفلسطيني التي دونتها قبيل استشهادها «أنا دلال مستعدة للموت من أجل وطني فلا تبكي يا أمي».. وعبارة الشهيدة (شادية أبوغزالة) التي رددتها مرارا «أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح» مازالت تمثل مصدر إلهام طالبي الحرية في كل مكان.. والشهيدة (لينا النابلسي) التي نظم الشاعر الفلسطيني (محمود درويش) بمناسبة استشهادها قصيدة جميلة، «لينا كانت طفلة تصنع غدها. لينا سقطت لكن دمها ظل يغني».
في ذات السياق ستظل الذاكرة الإنسانية حية دوما، بترديدها عبارة الشهيدة اللبنانية (سناء محيدلي) التي دونتها قبل استشهادها والتي قالت فيها: «قد اخترت الاستشهاد من أجل الوفاء بواجبي وأتمنى لحياتي وحياة الشهداء الذين يتبعونني ألا تذهب هدراً ولتفجر الأرض لتصبح زلزالاً فوق رؤوس العدو».
على الصعيد ذاته وفي نهاية المطاف يبقى القول الملح إن ما يبعث على فخر الشعوب العربية قاطبة.. أن ينحني المناضلون بإكبار وإجلال أمام الشهيدات الفلسطينيات المناضلات في يوم المرأة العالمي، اللاتي رخصن بأرواحهن في سبيل الوطن.. وأمام الأمهات الفلسطينيات الصامدات في يوم الأم اللاتي اتخذن أشجع المواقف البطولية تضامناً مع أبناء الوطن وأبناء الثورة إلى حد الاستشهاد.. وفي مقدمتهن الشهيدة الأم العظيمة (عائشة الزين).. حسبما وجد الأسرى والأسيرات الفلسطينيون في سجون العدو الصهيوني، مكانتهن عظيمة في ضمير الشعب العربي.. وفي مقدمتهن الأسيرة (هناء شلبي) التي انتصرت على جلاديها الصهاينة، في يومي الثامن والحادي والعشرين من شهر مارس.
.