الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤١٦ - الأربعاء ٢١ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢٨ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


رحلت ولن ترحل





«إهداء إلى أمي»

على مقعــدي عند شــباكي المطــل على شـرفات منزلي.. أجلس كل يوم لأرتشـف قهـوتي.. بعيـدا عـن ازدحام الطرقات وصخب المدينة.. (عـالم وحيـاة تسير بمشاوير).. وأنـا هنـا حيـث يســود طريق بيتي السكون.. أجلس في وحدتي التي باتت جزءا كبيرا من اليوم في حياتي أتصفح جريدتي أمامي وبعض المجلات.. لأقرأها لإتمام ساعات الصباح.. وليس في هذه الخلوة سلوى.. سوى ذلك الصوت العذب الملائكي في دنيا غير دنياي.. ومن غيرها «فيروز»؟

ما كان كذا أمسي.. فمنذ عام وبعض العام تغيرت احوالي.. وصباحات عمري لم تكن خاضعة متمردة بالوحدة.. ارتشف قهوتي.. ومن ثم تمتد يدي إلى هاتفي لأكلم فيه أختي.. فمنذ الصغر كنا نتحدث يوميا.. ونضيع في عناق طويل عبر الهاتف قبل أن تنتهي المكالمة.

ما كان أمسي كذا يسحق الحزن أعماقي وبنى جدارا رفعته الأيام.. لتغيبني عن من أحب.. فلم تعد من كانت أقرب من نفسي لذاتي.. ما عادت أختي صديقة وحدتي ودربي قربي.. غطى التراب أوراق عمرها. رحلت عند الوالي إلى العالم الفوقي. وتركتني أتبادل النظرات بالخوف الممرغ من فقدان الصورة من بالي على مرور أيامي.. أعانقها من خلف الزجاج.. أعانقها عبر الذكريات الباقيـة عندي. وأنا في خوف من أن يمحو شتاء عيني صور ذكرياتنا. أبحث عن طمأنينة صوتها.. لتنتشلني إلى أعماق الأبد لكي لا أعيش العمر من دونها.. بين ذكراها.

أريد أن أعانقها بشوق.. واتشبث بها في تلك اللحظات التي تتقاذفني الحنين إلى لقاء بيني وبينها مضى.. تعزز الشوق ألوانها بداخلي يوميا.. حتى أغفو بمقعدي، احنو وأبكي في وحدتي.. على أمل لقاء.

في رحـاب غد يربطني معهـا عبـر حلـم يزورنـي.. كـي أعـانق واحتوي وأرتشف روحها.. أحاكيها وأعاتبها ألا ترحل وتتركني أواجه مر الفراق وحدي.

عالم يكبر خارج بيتي.. وحياة تسير ولا تتوقف.. طرقات تزدحم وأصدقاء تكبر وترحل.. ربيع يطل وعصافير تغني.. وأنا في ضياع تقودني الحياة.. حتى الغربة أصبحت ضائعة في ذاتي.. إلى رؤية صامتة.. إلى صاعق الوحدة.. التي رسمها لي الزمن.. أشتاق إلى أختي كل حين.. أرسمها وكأنها حقيقة.. ألمسها وكأنها حلم.. أتناسى الواقع مرات بأنها لم تعد تكن.. لذا تركت اسمها في هاتفي.. لعلها يوما تعود وتتصل.. رغم نسيان الشاشة رقمها.. أريدها أمامي.. رغم سكون السكة والوحدة.. أتخيلها معي.. ويا ليتها بقيت معي.. ليتها يا رب هنا لأمد لها ذراعي.. اطبقتها للأبد في عيني.. وأحببتها للأزلي.

أختي الحبيبة.. كم شوق أحمله لك.. ليرحمك الإله أينما أنت.

ولا أنكأ الجراحات إنما أقول.. إن في العين دمعة.. وفي القلب حسرة.. ولا نقول إلا إننا على فراقكما يا «فتحية وفريدة» المرحومتين بإذنه تعالى.. لمحزونون.

عثمان بلوش



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة