دول الخليج وضرورة التحول إلى الاقتصاد الأخضر
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
بعد أسابيع قليلة من الآن تستضيف مدينة «ريو دي جانيرو» البرازيلية الدروة الرابعة من مؤتمر قمة الأرض الذي تنظمه الأمم المتحدة تحت شعار «ريو+٢٠» لمناقشة قضية التنمية المستدامة، التي من المتوقع أن تكون القمة بمثابة إعلان من قادة العالم تجديد التزامهم السياسي بتحقيقها.
والواضح أن القمة لن تكون مجرد إعلان تجديد الالتزام بتحقيق التنمية المستدامة فقط، وإنما ستقيم مدى التقدم الذي تم إحرازه تنفيذًا لتوصيات القمم الثلاث السابقة (الأولى باستكهولم ١٩٧٢، والثانية بريو دي جانيرو ١٩٩٢، والثالثة بجوهانسبرج ٢٠٠٢)، وسد الثغرات، والتصدي للتحديات الجديدة الناشئة، والإطار المؤسسي للتنمية المستدامة.
غير أن الأهم من هذا كله هو تكريس هذا المؤتمر لمرحلة تطور جديدة في الاقتصاد العالمي، وهي مرحلة التحول إلى الاقتصاد الأخضر، باعتباره منهاج التنمية المستدامة والقضاء على الفقر.
وقد عرفت الأمم المتحدة الاقتصاد الأخضر بأنه الاقتصاد الذي يقلّ فيه انبعاث الكربون والتلوث، مما ينتج عنه تحسن في رفاهية الإنسان بالإقلال من المخاطر البيئية.. وفي الوقت الحالي يعد قطاع الطاقة هو المسؤول عن ثلثي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ حيث مازال يعتمد في معظمه على الوقود الأحفوري، الذي يعد بمثابة السبب الرئيسي وراء المخاطر التي أخذت تحيق بكوكب الأرض، والكوارث التي أخذت تتواتر في الآونة الأخيرة (قدرت قيمة الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية والبيئية بـ٣٥٠ مليار دولار في ٢٠١١، كما قدرت خسائر البلدان العربية نتيجة هذا التلوث بـ٢٢ مليار دولار في الأربعة الأخيرة) إضافة إلى التغيرات المناخية التي تهدد بذوبان جبال الجليد في المنطقة القطبية، وارتفاع منسوب المياه في المحيطات والبحار ومن ثم الفيضانات وإغراق مساحات كبيرة من الأراضي.
وتنبع أهمية هذا التحول إلى الاقتصاد الأخضر الذي يعتمد على مصادر الطاقة الأنظف، من أنه سينعكس بكل آثاره على دول المنطقة العربية ودول الخليج على وجه الخصوص؛ لأنه يعني بالنسبة لها، وهي التي يعد النفط عماد اقتصادها، استثمارات ضخمة في تطوير المشتقات النفطية كما فعلت مملكة البحرين من خلال إنتاج مشتقات خالية من الكبريت والرصاص، كما يعني استثمارات ضخمة أيضًا في المصادر البديلة، وخاصة تلك التي تحتل فيها المنطقة العربية ميزة تنافسية وعلى رأسها الطاقة الشمسية.
ولعل ما يحدّ كثيرًا من إمكانية استنزاف هذا التحول لثروات المنطقة، أن دول الخليج عبر منظومة مجلس التعاون الخليجي قد أولت اهتمامًا بهذا التحول منذ فترة ليست بالقصيرة، وهو ما تجسد في اعتماد السياسات والمبادئ العامة لحماية البيئة وإقرارها في الدورة السادسة للمجلس الأعلى التي انعقدت بالعاصمة العمانية مسقط عام ١٩٨٥، كما أقر المجلس في دوراته المختلفة العديد من الأنظمة والتشريعات البيئية التي تسهم في المحافظة على جودة الهواء، ومن أهمها: النظام العام للبيئة والنظام الموحد للتقويم البيئي، والنظام الموحد لإدارة النفايات، والنظام الموحد لإدارة الكيماويات الخطرة، والمعايير والمقاييس البيئية في مجال الضوضاء والهواء والمياه العادمة، والنظام الاسترشادي الموحد للتحكم في المواد المستنزفة لطبقة الأوزون، وأيضًا تعددت الفعاليات التي تتناول موضوع البيئة والاقتصاد الأخضر؛ حتى إنه لا يكاد يمر شهر إلا وتوجد فعالية خليجية تتناول هذا الموضوع، فقبل أن ينتهي عام ٢٠١١ كان إعلان قمة (عين على الأرض) بين كل من وزارة البيئة والمياه الإماراتية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وفي الربع الأول لعام ٢٠١٢ كانت احتفالية دول مجلس التعاون الخليجي بالأسبوع البيئي الخامس تحت شعار: جودة الهواء وسلامة البيئة، من ١٧-٢١/٢/٢٠١٢، وبتنظيم من الجمعية السعودية للبيئة عقد المنتدى الخليجي الدولي للبنية التحتية وتأثيرها في البيئة في مدينة جدة في يناير ٢٠١٢ برعاية خادم الحرمين الشريفين، وفي الشهر نفسه عقد الملتقى الخليجي لبحث التعامل مع الكوارث الطبيعية بمدينة جدة أيضًا، وفي فبراير نظمت دائرة السياحة بدبي فعالية تحديات البيئة والاقتصاد الأخضر، وفي مارس ٢٠١٢ كان معرض ومنتدى البحرين الدولي الأول للمنتجات الخضراء، كما نظمت جمعية البيئة السعودية في الشهر نفسه أعمال المنتدى والمعرض الدولي للبيئة والتنمية المستدامة الثالث بعنوان: «الاقتصاد الأخضر: الابتكار الأخضر والمسؤولية الاجتماعية».
ما سبق يشير إلى أن هناك استعدادات خليجية لمواجهة متطلبات هذا التحول إلى الاقتصاد الأخضر، بل نضيف هنا أن دول المنطقة تستطيع أن تجني الكثير من الاستثمارات في ظل هذا الاقتصاد؛ حيث إن هذا الاقتصاد يساعد على إيجاد فرص عمل لائقة ودائمة في الوطن العربي المطلوب منه إيجاد ٦٠ مليون وظيفة جديدة بحلول ٢٠٢٠؛ حيث تفضي الزراعة المستدامة وهي أحد أركان هذا الاقتصاد إلى وفورات تتراوح بين ٥-٦% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة زيادة إنتاجية المياه بما يعادل ١١٤ دولار سنويا، فضلاً عن ملايين الوظائف في المناطق الريفية؛ حيث يعيش ٧٦% من الفقراء في المنطقة العربية، وقد أوضحت الدراسات أن استثمار ١٠٠ مليار دولار سنويا في الطاقة المتجددة يوفر ٦٠٠ ألف وظيفة جديدة، كما أن خفض دعم الطاقة بنسبة ٢٥% يوفر نحو ١٠٠ مليار دولار خلال ٣ سنوات يمكن تحويلها إلى إنتاج الطاقة الخضراء وتوفير ملايين الوظائف.
ولكن على ما يبدو أن الدول العربية ومن ضمنها دول الخليج بحاجة إلى التسريع من وتيرة التحول إلى الاقتصاد الأخضر؛ حيث إن مساهمة البلدان العربية قاطبة في منظومة الاقتصاد الأخضر لا تصل حتى الآن إلى ١%، وهو ما أبرزه التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية المستدامة بمناسبة انعقاد مؤتمره السنوي ببيروت في أكتوبر من العام الماضي، الذي أوضح كذلك أن العالم العربي يحتل المراتب الأخيرة في كفاءة استخدام المياه العذبة ومصادر الطاقة والاستثمار في منظومة الاقتصاد الأخضر وتقنياته وإدارته.
كما أن الاستثمارات في استخدامات الطاقة المتجددة في دول الخليج
لاتزال محدودة ولا تحظى بما يجب من اهتمام، وبينما عقدت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقية لبناء ٤ محطات نووية لتوليد الطاقة مع تحالف من الشركات الكورية، ومع المخاطر التي تحيط باستخدام هذه الطاقة، فضلاً عن حاجتها المستمرة إلى استيراد الوقود النووي من الدول المتقدمة، فإن الخيار الأفضل خليجيا والأقرب إلى التنفيذ هو الطاقة الشمسية، وهذا ما أقره المجلس الأعلى للطاقة في دبي ضمن خطة لاستغلال الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء بالإمارة والوصول بنصيبها إلى ٥% من إجمالي الطاقة المحققة بحلول عام ٢٠٣٠ من خلال مشروع مكون من جزأين: الأول هو إنشاء محطات لتوليد الطاقة بشكل كامل، والثاني هو الاستخدام المباشر للألواح الشمسية في تشغيل بعض المباني والمشروعات التجارية.
وفي هذا السياق، يتعين الانتباه إلى أن قطاع النقل يعد من أبرز المشاكل في الدول الخليجية، لأن السيارات مسؤولة عن التغير المناخي والتلوث والمخاطر الصحية، وبتخضير النقل؛ أي تقليل اعتماده على وقود غير نظيف سيتم الانتقال إلى أوضاع أكثر كفاءة وأقل استهلاكًا للوقود وأقل انبعاثًا حراريٌّا، وأيضًا من خلال تخضير ٥٠% من قطاع النقل في المنطقة العربية ستتولد وفورات تقدر بنحو٢٣ مليار دولار سنويا، كما أن استثمار ١٠٠ مليار دولار في تخضير ٢٠% من المباني القائمة خلال ١٠ سنوات يوفر ٤ ملايين فرصة عمل، وأمام كلفة التدهور البيئي في المنطقة العربية تقدر بنحو ٩٥ مليار دولار سنويا تحتاج هذه المنطقة إلى زيادة الاستثمار في الاقتصاد الأخضر وإعادة الإعمار والتدوير والاسترجاع، وتسخين المياه بالطاقة الشمسية، ووضع استراتيجيات وطنية من أجل تحقيق كفاءة الطاقة والطاقة الأنظف والطاقة المتجددة.
وما قد يساعد على هذا الشأن، ويمكن البناء عليه في قيادة هذا التحول نحو الاقتصاد الأخضر، هو توافر بنية مؤسسية يمكنها أن تقود هذا العمل تتمثل في المركز الإقليمي للحد من مخاطر الكوارث ومقره القاهرة، ويترأسه الأمير «تركي بن ناصر بن عبدالعزيز» الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة في المملكة العربية السعودية، غير أن هذا لا يمنع من إنشاء وزارات في الحكومات العربية تعنى بالبيئة، ووضع البيئة في سياق السياسات الوطنية العربية في إطار من تكامل الأدوار.
وما قد يساعد أيضًا على هذا التحول هو اقتداء دول المنطقة بالعديد من مناطق العالم لجهة فرض ضريبة الكربون وزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة اعتمادًا على متحصلات هذه الضريبة؛ حيث مازالت المنطقة العربية تدعم استخدام منتجات الوقود الأحفوري، ما أدى إلى تخلف الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة فيها رغم غناها بها؛ فدول مجلس التعاون الخليجي التي تزود العالم بربع احتياجاته النفطية ونحو ٢٠% من الغاز الطبيعي وتمتلك نحو٤٠% من احتياطي العالم النفطي ونحو ١٥% من احتياطي العالم من الغاز الطبيعي، بإمكانها أن تكون مزودا عالميا كبيرا أيضا بالطاقة الشمسية التي قطعت تكنولوجيتها شوطًا كبيرًا في مجال استخدامها كبديل لمصادر الطاقة غير المتجددة، ولكن دول الخليج الغنية بالنفط لا تتقدم بوتيرة كافية لاستخدام هذه الطاقة؛ علمًا بأن الشمس تسطع على أراضيها على مدار العام، وباستطاعة هذه الدول إنتاج كل الطاقة التي تحتاج إليها خلال النهار بواسطة الشمس، بينما أصبح استخدام هذه الطاقة للاستخدامات المنزلية إلزاميا في اليونان مثلاً منذ .١٩٧٢
وهكذا، في حين تبدو جدوى التحول إلى الاقتصاد الأخضر عربيا واضحة، وفي وقت أصبح فيه هذا الاقتصاد مطلبا أساسيا وحتميا لمعظم دول العالم لإيقاف التدهور البيئي وما ينطوي عليه من كوارث، وفي وقت أيضًا يمكن التحول عالميا فيه إلى هذا الاقتصاد فقط باستثمار نسبة ٢% من إجمالي الناتج المحلي، فإنه يبدو إلى الآن أن العالم العربي الذي دخل متأخرًا عصر الصناعة سوف يدخل متأخرًا أيضًا مرحلة الاقتصاد الأخضر مع ما يمثله هذا من مخاطر تلحق الصادرات العربية التي يتعين عليها أن تكون متوافقة بيئيا، فلا تكون ملوثة للبيئة أو مضرة بصحة الإنسان أو تم إنتاجها عن طريق استخدام مبيدات وأسمدة كيماوية سامة محظورة أو بالاستخدام الجائر للموارد الطبيعية أو تسبب إنتاجها في الإخلال بالتوازن البيئي.
.