الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢٥ - الجمعة ٣٠ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٧ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


تساؤلات حول أهلية قيادات الحكومة العراقية الحالية





احتدم السجال وتطور إلى اشتباك بجارح الكلام ووصل إلى مستوى شوارعي بين علي الدباغ الناطق الرسمي باسم رئيس الحكومة نوري المالكي، وكبير مستشاريه السياسيين عزة الشابندر، حتى يخيل لمن يتابع الاثنين وهما يخوضان (موقعة) مشعان الجبوري انهما في حلبة ملاكمة يسعى كل واحد منهما إلى هزيمة الآخر بالضربة القاضية وبأقل الخسائر، في حين يبدو أن سيدهما يراقبهما عن كثب في انتظار اعلان من يفوز ومن يخسر في الجولة الاخيرة، ومن يستحق الكأس عن جدارة واقتدار من دون ان يتدخل لصالح هذا ضد ذاك مؤكدا هذه المرة فقط انه رجل حيادي وديمقراطي ونزيه وغير طائفي وأشياء أخر.

والشيء المثير وربما المضّحك في معركة الدباغ والشابندر الجديدة وهما من اقطاب ائتلاف دولة القانون، انهما لا يلتزمان بأي قانون اخلاقي او سياسي في حسم صراعهما، مما يؤشر حالة انحطاطية لهذا الائتلاف الانتخابي او السياسي (لا فرق) الذي خرّج إلى حد الآن مجموعة لا يستهان بكفاءة افرادها في (الردح) وهز الاكتاف والمؤخرات عند اطلاق التصريحات كما في حالة علي الشلاه او إرجاع العمامة إلى خلف الرأس كما في حالات حسين الاسدي، والاخير يعطي انطباعا لمن يشاهده وهو يتحدث وكأنه صورة مصغرة عن هاشمي رفسنجاني ايام شبابه، فالشبه بينهما كبير في الخِلقة بكسر الخاء، والعراقيون يسمونها (الجِهرة) بتضخيم الجيم، والهيئة والابتسامة الصفراء مع الاقرار بأن الاسدي الذي يزعم انه من البصرة والله أعلم، أكثر خفة وأرشق جسدا.

ولأن مشعان الجبوري الذي دارت حوله وبسببه حرب الاخوين في العقيدة والمذهب الدباغ والشابندر، شخصية ليست ملتبسة فحسب وانما مثيرة للجدل والشكوك معا في السابق والحاضر، فإن عراك الاثنين أخذ طابعا جمع بين الدفاع عنه بوقاحة والهجوم عليه بقباحة، بحيث بات مشعان نجما يتردد اسمه في نشرات الاخبار وتعليقات الصحف على مدى اسبوع كامل وما زال، وهو الذي صرف الملايين من الدولارات التي حصل عليها بكده وكفاحه وشاشة (رأيه) وعلى المكشوف من دون ان يحقق شيئا يذكر، فقد جاءته الشهرة العريضة في يوم او يومين وجاءته (البراءة) في ساعات، فهنيئا له وهو ينتقل من موقعه السابق إلى موقعه اللاحق، والخيبة للقاضي النزيه والمستقل مدحت محمود النعل بند الذي أثبت انه كالزوج المخدوع، آخر من يعلم.

ومن يعرف تاريخ وسيرة ومسيرة (الاخوين) الدباغ والشابندر، تأخذه الدهشة وتضربه الحيرة وهو يرى اشتداد المعركة بينهما حول قضية هامشية في حقيقتها ويشهد العراق الان وتحت سلطة حزب الدعوة وحكم المالكي المئات منها كل يوم وخصوصا فيما يتعلق بتوجيه تهم الارهاب وفق المادة الرابعة إلى المواطنين الابرياء وملاحقتهم ومحاكمتهم ومن ثم اطلاق سراح من يدفع عشرة دفاتر دولارية فما فوق، إلى ابو علي البصري او كاطع الركابي او الشاب الانيق وصاحب الطلعة والحظوة أحمد نوري المالكي، ولكن كما يلاحظ في هذه القضية فإن الدباغ لا يريد الخروج من مولد مشعان بلا حمص، لأنه لسان رئيس الحكومة الطويل والمدافع عنه بمناسبة وغير مناسبة، ومن غير الانصاف ان يتمتع ويستمتع زميل له يجاوره في السكن والوظيفة ويشاركه في خدمة (الحجي) وهي المفردة التي يطلقها المقربون والمساعدون والمستشارون على المالكي صدقا أم ادعاءً بخيرات مشعان وحده لا شريك له، فهذا ظلم واجحاف بحقه كما يعتقد ابن الدباغ مع الاعتذار للمرحوم كامل الدباغ العالم والأستاذ صاحب البرنامج الشهير (العلم للجميع) الذي كان يقدمه من تلفزيون بغداد في سنوات الماضي الجميل، فهذا دباغ طارئ ومن نوع آخر.

علي الدباغ جاء من المجهول، سحنته تشي بأنه من (الصُفران) بضم الصاد وهم فصيلة يتوجس أهلنا في العراق من اصحابها ويتخوفون من خبثها ومكرها، وجهه الشمعي يوحي لمن ينظر اليه وكأنه يقطر سما وخصوصا عندما يلوك بفمه تصريحات الرياء وبيانات الافتراء، برز عقب الغزو الامريكي للعراق مباشرة وظهر على بعض الشاشات العربية معلقا وخبيرا في شؤون المرجعية الشيعية وتسجيلاته محفوظة في ارشيف قناتي ابوظبي والعربية، ثم قفز إلى السياسة بلا ماض ولا تراث ولا تاريخ والتحق بالبيت الشيعي وكل كفاءته انه عمل في الكويت ودبي في متجر للسجاد الايراني حيث اتاح له هذا الشغل نسج علاقات وصلات مع الايرانيين سواء مع شلة البازار أو جماعة ولي الفقيه، وقاد وفودا إلى قم وطهران بصفة دليل ومنها وفد فني وسينمائي ضم الباحث السيد الطريحي والمخرج قاسم حول إنتاج فيلم عن (الحسين شهيدا) وهو قد ضرب على صدره بأنه سيحصل لهما على موافقة خامنئي وتسخيري ودعم من مؤسسات الآيات، وكانت المحصلة ان الطريحي وحول للامانة عادا بخفي حنين وصفر اليدين، بينما خرج الدباغ مملوء الجيب، والقصة معروفة وشهودها أحياء يرزقون!

عينه مرجع حزب الفضيلة محمد اليعقوبي في قيادة الحزب بديلا للدكتور نديم الجابري الذي وجد نفسه غريبا في حزب يضم مشعوذين ودجالين وهو الاستاذ الجامعي المعروف، فغادره غير آسف ولا بائس، ولكن حزب الدعوة كان اسرع من حزب الفضيلة فالتقطه وألحقه ضمن واجهاته، ولأنه صاحب لسانٍ ملتوٍ يُحسن النبرة الملائية في التلفيق والخرافات ويتقن (التقية) واخواتها وبنات خالاتها وعماتها، فقد نُصِّب متحدثا باسم الحكومة الشيعية وناطقا بلسان رئيسها الطائفي، وقد تفوق بادعاءاته الزائفة ومزاعمه الباطلة على رفيقه في مسيرة الاكاذيب المفضوحة قاسم عطا المكصوصي الناطق السابق باسم عمليات بغداد العسكرية الذي رفعه المالكي مؤخرا إلى رتبة فريق والحقه بجهاز مخابراته مكافأة له على ما قدمه من إسفاف وتهريج.

واذا كان قاسم عطا معروفا كضابط برتبة صغيرة وبعثي بمرتبة بسيطة ويعمل في مطبعة أكاديمية البكر للدراسات العسكرية التي استولى عليها المدعو حسين الشامي او الموسوي وحولها إلى كلية او جامعة باسم احد ائمة الشيعة وباع اراضيها واستحوذ على مرافقها ومنشئاتها وسرق محتوياتها، فإن علي الدباغ الذي ينسب نفسه إلى الكوت ويجهله ويتجاهله أهل الكوت شخص غير معروف او معرّف وتروى عنه ايام كان يعمل في دبي الامارات حكايات وقصص نترفع عن ذكرها لأن بعضها صادم ويخدش الذوق والحياء، أما بعد ان صار الناطق بلسان المالكي والمتحدث باسم حكومته العتيدة فقد أصبح مشهورا في تمرير الاكاذيب وتبرير اجراءات القمع والترهيب وتشويه الوقائع والحقائق وهو ما أراح المالكي الذي يتطير دائما من أي شخص عنده واحد بالمليون من المصداقية، وهكذا وافق شنٌّ طبقة.

وحرب علي الدباغ مع عزة الشابندر ليست جديدة فقد سبق للاثنين ان تعاركا قبل تشكيل الحكومة الحالية عندما شن الاول على الثاني هجوما ضاريا بعد ان سرت معلومات بأن المالكي بعث الشابندر إلى عمان للتفاوض مع صالح المطلك في حينه، وقال يومها ان الشابندر شخص فشل في الانتخابات ومغمور سياسيا ويبحث عن جاه يفتقر اليه، ولكنه سرعان ما تراجع عن تصريحاته وعزاها إلى سوء فهم الصحافة ووسائل الاعلام عندما نجح ابن الشابندر في مهمته وصار المطلك نائبا لرئيس الوزراء، وهو نفسه دس انفه في الحقل الرياضي واراد ان يكون رئيسا لاتحاد كرة القدم رغم انه لا يعرف كم عدد لاعبي فريق كرة القدم واخفق في مسعاه واتجه ببصره إلى ان يكون سفيرا في احدى الدول الأوروبية وحجته انه (بلبل) في اللغة الإنجليزية رغم انه لا يعرف منها غير كلمات (ييس ونو وأوكي) وهو من النوع اللزج بشكل لا يصدق واسألوا عنه باقر صولاغي وزير المالية السابق وعلي بابان وزير التخطيط السابق عندما التحق بهما في العاصمة الاردنية وهما يفاوضان شركات (الموبايل) والترخيص لها بالعمل في العراق وكيف حصل على حصته المليونية من الصفقة المليارية.

اما رفيقه في ائتلاف دولة القانون عزة الشابندر فإنه من طراز آخر لا يستطيع علي الدباغ ان يجاريه في ألاعيبه السياسية وتقلباته الموسمية، فهو من كوادر حزب الدعوة وكان مسؤولا عن بعض القياديين الحاليين مثل حيدر العبادي عضو المكتب السياسي للحزب ووزير الاتصالات في حكومة بول برايمر، وله تسجيل تلفزيوني طريف متداول في مواقع الانترنيت يصف فيه العبادي بالفاشل والغبي ويشنع على همام حمودي القيادي في المجلس الاعلى ويكشف عن اسمه الحقيقي (باقر) وليس هماما كما يدعي، ولكن شخصية الشابندر الطموحة في جانب منها والشرهة في جانب آخر لا يمكن ان يستوعبها حزب مثل الدعوة الذي يضم اشخاصا بلداء ومتخلفين ومعتوهين واصحاب عاهات واكبر رأس فيهم لا يستطيع تجميع جملة مفيدة مقنعة ومفهومة واسمعوا خطابات ابراهيم الجعفري ونوري المالكي ومهدي آصفي وعلي كوراني وكاظم حائري وعلي يزدي الاديب وحسن السنيد ففيها من اللغو والحشو الشيء الكثير، فانشق الشابندر عن الدعوة وشكل مع صديق له يدعى سامي البدري نسبة إلى بلدة بدرة الحدودية مع إيران وليس من بدرية سامراء كما يزعم، وشكلا حركة سياسية اطلقا عليها اسم (حركة جند الإمام) كان الشابندر يسوقها لدى الايرانيين بانها تعني جند الإمام الخميني بينما يدعي أمام البسطاء الشيعة واللاجئين في حي السيدة زينب بأنها حركة الإمام الحسين او الكاظم او الرضا بحسب الظروف ونوعية الجمهور، وبالمناسبة فقد أظهرت قناة (الشرقية) في شهر محرم الماضي سامي البدري وعلى رأسه عمامة بيضاء بحجم الطبق وبلحية تتدلى على صدره وكتبت تحت صورته (آية الله) وهو المعروف في حي الكرادة الشرقية ببغداد قبل هروبه إلى إيران مطلع الثمانينيات بأنه خريج مدرسة ابتدائية في المنطقة.

ولأن عزة الشابندر يتطلع دوما إلى تمييز نفسه عن أقرانه الشيعة الحزبيين ويطمح إلى أن يكون دائما في دائرة الضوء ورأى بأم عينيه كيف تسلق من كانوا تحت إمرته ومسؤوليته المناصب والوزارات والسفارات عقب الاحتلال، فالتحق بالدكتور اياد علاوي وهو يرأس الحكومة المؤقتة نكاية بهم فهو مثله (متعلم) ولا علاقة له بالحوزات والحسينيات ومن اسرة شيعية وصارا من قادة حركة الوفاق، واعتمد اياد عليه كثيرا ورشحه على قائمته الانتخابية في ٢٠٠٦ واسند اليه العديد من المهمات ولكن الشابندر الذي لديه حاسة الشم من بعيد، أدرك ان احضان علاوي لم تعد دافئة وعليه مغادرته إلى حضن اكثر دفئا وكان نوري المالكي في هذه الفترة يستجمع قواه ويلملم صفوفه لمواجهة التيار الصدري والمجلس الاعلى، وابراهيم الجعفري على استعداد لضم الشابندر كمستشار له وهذا ما حصل بالفعل.

والشابندر يختلف عن الدباغ في انه لا يكذب ويتحدث بملء فمه ولكنه أقدر من الدباغ على النصب والايقاع بالآخرين فهو في هذا الجانب لا يوازيه ألف دباغ ودباغ ولكن السؤال الذي يبقى معلقا بلا جواب شاف، أي رئيس حكومة هذا؟ الناطق بلسانه كذاب ومستشاره السياسي نصاب؟* كاتب وسياسي عراقي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة