معارضة الشوارع تعيش
خارج العقل والتاريخ
 تاريخ النشر : السبت ٣١ مارس ٢٠١٢
بقلم: د. نبيل العسومي
بيّن بيان المعارضة الأخير المتعلق بالحوار أن هذه «المعارضة» مازالت تعيش حلم ١٤ فبراير وانها خارج الواقع والتاريخ كأنه لم يحدث شيء منذ ذلك الوقت، وكأن العاصفة التي مرت بها البحرين بسبب المؤامرة الدنيء الكبرى التي حاكتها المعارضة بالتعاون والتنسيق مع قوى خارجية مازالت متواصلة، بالرغم من أن القيادة في البحرين وشعب البحرين المخلص قد نجحا والحمد لله في إحباط هذه المؤامرة التي أصبحت خيوطها وصورها معلنة وواضحة وصريحة.
كنا في البداية نقول إن ثلث الشعارات والمطالب التي ترفعها المعارضة معقولة وهي المتعلقة بتحسين الوضع المعيشي وتعزيز الديمقراطية وزيادة سلطات البرلمان وزيادة مساحة الحرية ومحاربة الفساد، وكانت السلطة نفسها تتبنى مثل هذه الشعارات وتعتبر أن المشروع الإصلاحي نفسه جاء لتحقيق مثل هذه الأهداف التي لا يختلف عليها اثنان، كما كنا نقول إن الثلث الثاني من المطالب يجب أن يجرى حوله نقاش وحوار وطنيان موسعان بين مختلف مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية لأنها مطالب جدلية وحولها أخذ ورد ولا يمكن تمريرها إلا بالتوافق الوطني وليس على أساس الغلبة والمغلوب أو الأغلبية والأقلية ضمانا لاستقرار المجتمع وتحقيق ديمقراطية توافقية حقيقية لا يمكن للبحرين أن تعيش من دونها،كما كنا نقول إن الثلث الثالث للمطالب لا يمكن القبول به من قبل أكثر من نصف المجتمع إن لم يكن أكثر لأنها مطالبات غريبة وبعضها سخيف مليء بالمغالطات المضحكة، ولذلك لا أمل في أن يقبل به شعب البحرين كله أو نصفه أو أغلبيته، لأنها مطالبات خبيثة وسطحية، وعليه كما هو معروف في العالم الديمقراطي فإن أي حوار سياسي عقلاني وحكيم يجب أن يكون على مبدأين أساسيين:
الأول: القبول بمبدأ التوافق الوطني، أي انه لا يمكن تمرير أي موضوع أو اتفاق إلا على أساس التوافق لأن تمرير أي مبدأ أو فكر أو إجراء يرفضه جزء مهم من المجتمع حتى إن لم يكن بالأغلبية الساحقة سيجعل هذا الذي تم تمريره مرفوضا، وسوف تنطلق موجة من الاحتجاجات المعاكسة في حالة إقرار مثل هذا الأمر فنكون كمن خرج من حفرة إلى حفر ومن أزمة إلى أزمة أخرى، وهكذا نبقى ندور في حلقة مفرغة من الفوضى والاضطرابات والاحتجاجات هنا وهناك.
الثاني: المرحلية حيث لا يمكن أبدا تحقيق كل شيء دفعة واحدة حتى في الثورات وبعد الثورات، هكذا يقول لنا التاريخ والعقل فلابد من التدرج والقبول بالحلول المرحلية فلا يمكن تمرير الحلول دفعة واحدة فننطلق من الممكن إلى الممكن.
إن هذين المبدأين يعززان الثقة بين مختلف الأطراف من ناحية ويفككان الأزمة السياسية من ناحية ثانية، هكذا هي الأمور لو كان الذي يحكم العقل والحكمة والفكر السياسي الواعي، ولكن ماذا نقول إزاء معارضة لا تمتلك قرارها ولا يحكمها العقل وإنما يحكمها توجه ديني طائفي ورجل مقدس أمره مطاع لا يخالف ولا يناقش وأمره مطاع كن فيكون؟ ومثلما بدأنا في المقدمة فإن بيان المعارضة يؤكد أمرين واضحين:
الأول: ان هذه «المعارضة» لم تستوعب الدرس ومازالت تعيش في أوهام فبراير وفي عقلية الانقلاب وليس لها استعداد للحل الحقيقي الذي يقوم على المبدأين المذكورين.
الثاني: ان هذه «المعارضة» قبلت أن تواصل هذه اللعبة العبثية والعبث بأمن الناس وتفجير الأسطوانات وإلقاء زجاجات المولوتوف على المدارس وتشويه جدران بيوت الناس بالشعارات وإرهاق كاهل المواطنين بسبب إعادة صباغة بيوتهم على حسابهم، وسكب الزيوت في الشوارع وحرق الإطارات وملء الشوارع بالصراخ والمخالفات، وتمني سقوط قتلى وجرحى لتتاجر فيهم على الفضائيات الطائفية الإيرانية والعراقية واللبنانية حتى جعلت الناس لا تستحب يوم الجمعة أصلا رغم انه في الأصل يوم مقدس ويوم مبارك للراحة والسكينة.
لقد ابتلينا بهذه «المعارضة» التي لا قيمة لها من الناحية السياسية وكل قوتها انها جزء من الجماهير التي تتبعها استنادا إلى الفتوى الدينية فقط من دون أي فكرة سياسية ذات قيمة مفيدة، وهكذا تستمر هذه «المعارضة» في إضاعة الفرص تلو الفرص على حساب شعب البحرين واستقراره وتقدمه.
.