الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢٩ - الثلاثاء ٣ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


كتكوت لكل مواطن





قبل أشهر، كنت أتابع احد البرامج الحوارية المملة على إحدى القنوات التليفزيونية المصرية الخاصة. كان مقدم البرنامج يستضيف شخصا غير معروف. أثناء البرنامج، أعلن المذيع انه يعتزم الترشح في انتخابات الرئاسة القادمة. والضيف اعلن بدوره انه سيترشح. اثنان على الأقل من الذين اتصلوا هاتفيا بالبرنامج أعلنوا نفس الرغبة.

وما ان فُتح الباب قبل فترة وجيزة لسحب استمارات الترشح لرئاسة مصر، حتى تدافع مئات المواطنين المصريين (نحو ألف مواطن أو أكثر) لسحب استمارات الترشح وإعلان رغبتهم الجادة في الترشح للرئاسة. وهم جميعهم تقريبا مواطنون بسطاء.

الكثيرون انتقدوا هذه الظاهرة، واعتبروا انها تعتبر مسألة عبثية، وتعبر عن استخفاف واستهتار بمنصب الرئاسة ومقامه واهانة له.

والأمر ليس على هذا النحو بالتأكيد.

بداية، من المعيب ان يقال ان تطلع مواطن بسيط، أيا كانت مهنته أو موقعه الاجتماعي، إلى الترشح للرئاسة، يعتبر اهانة لمنصب الرئيس. بالعكس ، هذا تكريم للمنصب.

وظاهرة هذا العدد الكبير من الذين يفكرون ولو مجرد تفكير في الترشح للرئاسة، هي ظاهرة ايجابية من نواح شتى.

هذه هي المرة الأولى في تاريخ مصر الحديث والمعاصر التي يشعر فيها المصريون ان من حق أي مواطن فعليا، لا نظريا فقط ان يترشح للرئاسة، ويشعر فيها المصريون ان مصر يمكن ان تشهد انتخابات رئاسية مفتوحة وحرة فعلا.

وهذا العدد الكبير من الذين فكروا في الترشح للمنصب، هو بالتأكيد علامة من علامات التفاؤل العام بالمستقبل، وهو مؤشر على رغبة عامة في الإسهام في بناء البلد.

الأمر العجيب هنا، انني في الفترة الماضية تابعت تصريحات ووعود المرشحين الخمسة أو الستة الرئيسيين المعروفين للرئاسة والذين ينحصر السباق بينهم حتى الآن. وتابعت في نفس الوقت ما قاله عدد كبير من هؤلاء المواطنين البسطاء جدا عن برامجهم أو خططهم والأسباب التي دفعتهم إلى التفكير في الترشح. ولم أجد فرقا كبيرا بين هؤلاء المرشحين المشاهير وهؤلاء المواطنين البسطاء. بل ان بعض هؤلاء البسطاء لديهم أفكار أكثر تحديدا ووضوحا بكثير مما يطرحه كبار المترشحين هؤلاء. وسأوضح كيف.

حتى اليوم، لا نعرف لأي من المرشحين «الكبار» للرئاسة برنامجا محددا واضح المعالم.

حتى اليوم، لم نسمع من هؤلاء إلا شعارات عامة جدا، حين نتأملها سنجد انها بلا أي معنى على الاطلاق. واليكم بعض الأمثلة.

احد المرشحين قال انه سوف يعيد الأمن الى مصر في خلال ١٠٠ يوم.

وتسمع احد المرشحين مثلا يقول انه سوف ينهي الأزمة الاقتصادية في مصر فورا.

واحدهم يقول انه سوف يعيد إلى مصر دورها القيادي في العالم في أسرع وقت ويجعلها قوة عظمى في فترة وجيزة.

وآخر يقول ان برنامجه هو كرامة الشعب المصري

ومرشح آخر يقول ان برنامجه هو تطبيق شرع الله.

وقس على هذا.

هي كما نرى شعارات ليس لها أي معنى أو مضمون في حد ذاتها. من المستحيل بالنسبة إلي مثلا ان انتخب أيا منهم بناء على هذه الشعارات.

بل أحيانا، وصل الأمر إلى حد السخف والعبثية المطلقة. احد الشخصيات العامة مثلا قال عن احد المرشحين ان لديه فرصة كبيرة جدا للفوز.. لماذا ؟.. لأنه «إنسان طيب ولديه ابتسامة لطيفة».

هذا هو حال المرشحين المشهورين المعروفين وشعاراتهم.

بالمقابل كما قلت، فإن هؤلاء المواطنين البسطاء الذين استنكر الكثيرون مجرد تفكيرهم في الترشح، لديهم أفكار أكثر تحديدا ووضوحا.

واليكم بعض الأمثلة.

احد الذين سحبوا استمارة الترشح، ومهنته كهربائي، قال ان برنامجه يتلخص في نقطتين: استعادة أموال مصر المنهوبة من الخارج، ووقف الاقتراض من الخارج نهائيا. هذه فكرة محددة واضحة.

مواطن آخر سحب الاستمارة، ومهنته حلواني، قال انه في حال انتخابه فان لديه خطة دقيقة لشن حرب على إسرائيل بعد عامين.

سيدة منقبة سحبت الاستمارة، وقالت ان برنامجها للرئاسة يتلخص في نقطة وحيدة، هي اعادة جميع نساء مصر إلى المنازل واجبارهن على التفرغ لبيوتهن.

مواطن آخر، وهو لص سابق تاب الله عليه، قال بعد سحب الاستمارة انه الاجدر برئاسة مصر على الاطلاق. ولديه في هذا منطق. يقول انه في ظل رئاسته للجمهورية، لن يستطيع أي احد على الاطلاق ان يسرق وينهب أموال البلد. يقصد انه بحكم خبرته الطويلة السابقة في عالم السرقة، فانه على دراية تامة بكل أساليب السرقة والنهب والتحايل على القانون. فكرة معقولة ومحددة كما نرى.

مواطنة مصرية أخرى، ربة منزل، قالت إنها تعتزم خوض انتخابات الرئاسة تحت شعار «كتكوت لكل مواطن». وفلسفتها هنا انها تريد تشجيع الإنتاج والاعتماد على الذات. وهي فكرة جميلة كما نرى. وقد اكدت ان دولا عربية مستعدة لتمويل حملتها الانتخابية، وتوفير الكتاكيت طبعا ( حوالي ٩٠ مليون كتكوت).

كما نرى، هؤلاء المواطنين البسطاء لديهم أفكار للرئاسة هي أوضح واكثر تحديدا من أولئك المرشحين الذين يتصارعون فعلا على المقعد.

وشخصيا، لو ان «سيدة الكتاكيت»هذه اتيح لها المجال للترشح فعلا للرئاسة في مواجهة مرشح الأخوان المسلمين، فسوف انتخبها فورا بلا تفكير ولا تردد.

سوف انتخبها، ليس طمعا في الكتكوت، وإنما اتقاء لشرور لا يعلمها إلا الله سوف تحل بمصر إذا لا قدر الله فاز مرشح الاخوان.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة