الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٠ - الأربعاء ٤ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


حول منتدى التعاون الاستراتيجي الخليجي الأمريكي





قبل أيام، عقد في الرياض الاجتماع الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجي الخليجي الأمريكي، والذي ضم وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي.

بداية، يعتبر تنظيم هذا المنتدى بشكل دوري في تقديرنا خطوة مهمة بالنسبة إلى دول مجلس التعاون وأمريكا على حد سواء.

أسباب ذلك كثيرة.

العلاقات بين أمريكا ودول مجلس التعاون هي بشكل عام علاقات تاريخية ممتدة ومتشعبة المجالات. وهي علاقات لها بالتأكيد أهمية استراتيجية للطرفين لأسباب كثيرة معروفة.

هذه العلاقات مرت عبر السنوات الطويلة الماضية بمراحل كثيرة وشهدت تحولات شتى.

كانت هناك دوما أوجه اتفاق وتعاون في مختلف المجالات بين أمريكا ودول مجلس التعاون. وكانت هناك دوما أيضا أوجه خلاف في الرؤى حول كثير من القضايا والتطورات.

غير انه في الفترة الماضية، وخصوصا منذ ان بدأت التحولات العاصفة في الدول العربية قبل أكثر من عام ، ظهرت خلافات حادة بين دول المجلس وأمريكا حول التطورات التي تشهدها المنطقة والموقف الأمريكي منها.

هذه الخلافات وصلت كما هو معروف الى حد التشكيك علنا في حقيقة التزام أمريكا بأمن واستقرار المنطقة، ووصلت الى حد اعتبار أوساط رسمية خليجية ان الولايات المتحدة أصبحت تمثل في حقيقة الأمر تهديدا لأمن واستقرار دول المنطقة.

على ضوء هذا، من المهم مناقشة العلاقات بين الطرفين مناقشة صريحة من منظور استراتيجي، ومناقشة كيف يجب ان يكون مستقبل هذه العلاقات.

من جانب آخر، يعتبر عقد هذا المنتدى بمثابة تحول مهم في التعامل الأمريكي مع دول مجلس التعاون الخليجي.

هذه هي المرة الأولى التي تناقش فيها أمريكا قضايا الأمن في المنطقة، وقضايا التعاون الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون مجتمعة، وليس فرادى.

قبل ذلك، كانت أمريكا تصر دوما على رفض هذا تماما. كانت تصر على ان تكون علاقاتها واتفاقاتها مع كل دولة من دول المجلس على حدة. ولم تكن تقبل ان توقع أي اتفاقية مع دول المجلس بشكل جماعي، أي كمنظومة واحدة.

أمريكا كانت تصر دوما على اتباع هذا النهج لأنها لم تكن في أي يوم من الأيام متحمسة لأي توحيد للموقف الخليجي العربي، وكانت تعتبر ان التعامل مع دول مجلس التعاون كجبهة واحدة يضعف الموقف الأمريكي ويضيق هامش المناورة أمامها. ولهذا كانت تصر على التعامل مع كل دولة على حدة.

ولا بد ان نشير هنا الى ان دول مجلس التعاون هي التي أجبرت أمريكا على ان تغير نهجها هذا وان تجلس على طاولة واحدة مع كل دول المجلس لتناقش قضايا الأمن والعلاقات بين الطرفين.

المواقف التي اتخذتها دول مجلس التعاون في الفترة الماضية هي التي أجبرت أمريكا على ذلك.

ونشير هنا بصفة خاصة الى المواقف والتطورات التالية:

١– أظهرت دول مجلس التعاون عزمها على الدفاع عن امن واستقرار دول المجلس بشكل حازم، وبغض النظر عن أي مواقف أمريكية أو غير أمريكية.

وقد تجلى ذلك بوضوح تام في موقف دول المجلس من الأحداث الطائفية التي شهدتها البحرين، وإصرارها على الوقوف بحزم في مواجهة ما تتعرض له البحرين من مؤامرات داخلية وخارجية.

مجلس التعاون بهذا الموقف اظهر لأمريكا والعالم ان امن البحرين واستقرارها، وكذلك باقي دول المجلس، هو خط احمر، وليس مجالا لعبث أي دولة أو قوة أيا كانت.

٢ – لم يتردد مسئولون كبار في مجلس التعاون في الفترة الماضية في توجيه الانتقادات الصريحة الحادة الى المواقف الأمريكية من التطورات التي تشهدها المنطقة.

وقد وصل الأمر كما ذكرنا إلى ان الكثيرين أصبحوا يعتبرون علنا ان أمريكا أصبحت تشكل تهديدا لدول المجلس، وطالبوا بإعادة نظر شاملة في العلاقات بين الطرفين.

٣ – وكان التطور الأهم والأكبر هو القرار الذي اتخذته دول المجلس بالتحول من مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد، والشروع في الترتيبات العملية لإقامة الاتحاد.

إزاء هذا التطورات مجتمعة، أدركت أمريكا من جانب ان العلاقات مع مجلس التعاون هي في مفترق طرق، وأدركت من جانب آخر انه لم يعد أمامها من مجال الآن ومستقبلا سوى التعامل مع دول مجلس التعاون كجبهة واحدة.

على أية حال، وان كان عقد منتدى التعاون الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وأمريكا يمثل خطوة مهمة في إطار ما ذكرناه، فان السؤال الجوهري المطروح على دول المجلس هو: أي نوع من العلاقات تريد مع أمريكا بالضبط مستقبلا؟.. وفي القلب من الإجابة عن هذا السؤال، سؤال آخر: هل أمريكا تحمي امن الخليج فعلا أم تمثل تهديدا له؟

للحديث بقية بإذن الله.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة