رسالة إلى إخوتي في البحرين
 تاريخ النشر : السبت ٧ أبريل ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن يوسف
كتبت مقالة بعنوان «يحدث في البحرين»، ونشرت في جريدة «اليوم السابع» بعمودي «بيت القصيد» يومَ الأحد الماضي الموافق ١٨/٣/٢٠١٢، وفي اليوم التالي تكرمت هيئة الإعلام بمملكة البحرين بالرد على المقالة، ونشر الرد أيضا في موقع جريدة «اليوم السابع».
جاء رد هيئة الإعلام محبطا جدا بالنسبة إليّ، وسبب الإحباط أنه لم يخرج قيد أنملة عما توقعته، وعما تعوده المواطن العربي الذي ملَّ من بيانات الحكومات العربية.
خلاصة رد الهيئة الموقرة أن الكاتب جاهل لا يعلم شيئا عن حقيقة الأوضاع، وأن الأمور في البحرين على ما يرام، خلاصة البيان «كله تمام»!
دائما تقول بيانات الحكومات العربية إن كل شيء على ما يرام، ودائما تكون ركيكة الصياغة، ولا تخلو من أخطاء لغوية، ولكنها تخلو من منطق سليم يحترم العقل.
ما فائدة أن تستشهد بنصوص دستورية تنص على المساواة بين المواطنين وجميعنا يعرف أن أعتى الديكتاتوريات تنص دساتيرها على ذلك؟
هل تظن هيئة الاستعلامات البحرينية أن نصوص حرية الرأي في الدستور لم تكن موجودة في مصر؟ وليست موجودة في سوريا؟ ولم تك موجودة في تونس وليبيا؟
هل نفى وجود القمع والقتل سيجعلنا نصدق هيئة الاستعلامات «الموقرة» ونكذب أعيننا التي رأت ذلك عبر عشرات الفيديوهات؟
هل الاستشهاد بالسيد «شريف بسيوني» وأنه قال «إنه لا يوجد داع لقيام ثورة شعبية في البحرين» هل سيغني ذلك عن رد مظالم فئة من المجتمع؟ هل زَعَمَ الكاتبُ أن ما يحدث في البحرين ثورة؟ أم وصفها بحراك سلمي وسببه ظلمٌ وُجِّهَ لفئة من المجتمع؟
هل الخلاف هو تسمية ما يحدث ثورة أو غير ثورة؟ أم الخلاف حول مظالم وقعت على مواطنين كل ذنبهم أنهم ينتمون إلى طائفة ما واستمرت المظالم سنوات وسنوات؟
هل نفي موضوع التجنيس بأرقام مصدرها حكومي سيقنع أي عاقل؟ ألم يكن حسني مبارك وصدام حسين وحافظ الأسد وغيرهم يزورون الانتخابات ثم يصفونها بالنزاهة مع سيل من الأرقام؟
ألم تقم كل الأنظمة المستبدة في العالم كله بالاستشهاد بأرقام هي مصدرها؟
فيك الخصام وأنت الخصم والحَكَمُ؟
ألا يوجد أي ابتكار لدى الحكومات العربية يجعلها تتمكن من صياغة بيانات أذكى من ذلك قليلا؟
بعد كل ذلك حاول البيان أن يؤكد التدخل الإيراني في شؤون البحرين، وعلى أن ما يحدث في البحرين حراك طائفي، وكأني لم أقل في مقالي إن من يتحركون شيعة!
كان الأولى أن يتساءل البيان لماذا تلجأ طائفة من أهل البلد إلى الخارجمن الذي أقصى بعض أبناء الوطن ليكونوا فريسة لمن يطمع من القوى الخارجية؟
إن ما يحدث في البحرين اليوم نتاج ظلم قديم، وإزالته هي الطريق الوحيد لعلاجه، أما التحصن خلف نصوص الدستور من دون تغيير على الأرض فهو أمر أشبه بدفن الرأس في الرمال بدلا من مواجهة الواقع، في بلد كريم، أهله «شيعة وسنة» كرماء، ولكنك حين تمشي في شوارعه تستطيع أن تشم رائحة مشكلة طائفية في الهواء.
لقد كان بيان هيئة الإعلام متواضعا في ذكائه، ولم تأت كلمة واحدة منه خارج توقعاتي، حتى الاستشهاد بكلام مولانا وأستاذنا الشيخ القرضاوي، كانت لفتة متوقعة - بقدر ما كانت رخيصة- وكأن الاستشهاد بكلام الشيخ سيحرج الكاتب لأنه ابنه.
سبب رخص الاستشهاد أن كاتب البيان لا يعرف أقدار الرجال، فهو يقول بالنص: «فإن هيئة شؤون الإعلام تدعو الكاتب إلى أمرين الأول: هو الرجوع إلى الداعية الإسلامي «يوسف القرضاوي» والذي انتقد في خطاباته الحركة المعارضة في البحرين»، وأنا أقول للسادة في هيئة الإعلام البحرينية إن الشيخ القرضاوي ليس مجرد داعية إسلامي كما وصفه البيان الركيك، بل هو إمام أهل السنة، وأعلم أهل الأرض، ومن العيب أن تستشهدوا بكلام رجل لا تعرفون قدره.
أما عن رأيي في هذا الأمر فلا يسعني سوى أن أقول إننا أسرة علم، تعرف كيف تتفق، وتعرف كيف تختلف، ويبدو أن كاتب البيان لا يفرق بين الأسر العالمة والأسر الحاكمة!
نحن أسرة من المثقفين، لا تنتج سلالة من النسخ الكربونية المشوهة، بل لكل عقله وتوجهه، ولكل شخصيته المتميزة، لذلك نتفق دون تقديس لرأي، ونختلف دون عداء، وكم اتفقنا، وكم اختلفنا، في حب واحترام لا يعكرهما شيء، وهذا ما ربانا عليه الإمام القرضاوي الذي تستشهدون بكلامه وأنتم تصفونه بأنه مجرد «داعية».
يهمني في هذا المقال إن أوجه رسالة إلى أحبتي في البحرين، أكثر مما يهمني الرد على بيان هيئة الإعلام، وإذا كان لي من رسالة لأهلي وأحبتي وإخوتي في البحرين، فإنها تتلخص في التالي:
رسالتي لإخوتي المعارضين للنظام، إياكم - وتحت أي ظرف - أن تلجأوا للخارج، لأن في ذلك خيانة للعروبة، ولأن ذلك عمل غير وطني، وإذا فعلتم ذلك فلن تُرفع مظالمكم، ولن تُحل مشاكلكم، وسيظل شبح الاستقواء بالخارج يخرب كل مساعيكم.
وإياكم كذلك واللجوء للعنف، لأن في ذلك هلاككم، وهلاك البلد كله.
ورسالتي لإخوتي المؤيدين للنظام في البحرين، ألخصها في التالي:
لا توغروا صدور إخوانكم في الوطن، واضغطوا على النظام ليرد المظالم لأهلها، واضغطوا على النظام لكي لا يستخدم العنف، لأن القمع سيدفع الطرف الآخر لعنف مضاد، وذلكم أمرٌ كم دمر بلدانا وأهلك أوطانا، وتأكدوا أن الدنيا تغيرت، وما كان مقبولا في عهود مضت لم يعد مقبولا اليوم، وهذا أمر يستطيع أن يراه كل منصف، فبالله عليكم غيروا واقع البحرين بإرادتكم قبل أن يتغير بالرغم عنكم إلى ما لا تحبون، وحلوا مشكلاتكم القديمة مع إخوانكم، وتأكدوا أن كل المشاكل من الممكن أن تحل إذا صدقت النوايا، هل حل مشكلة البحرين أصعب من حل مشكلة جنوب إفريقيا؟ أما إذا سألني سائل: كيف تحل مشكلة البحرين؟
فإجابة السؤال عند أهل البحرين، ولكن تأكد أن المشكلة لن يحلها صدور بيان آخر، حتى إذا كان أشد سذاجة من الأول، ولن يحلها كذلك «تكليف» بعض الكتاب «إياهم» بالرد على الكاتب.
على العموم إذا صدر بيان آخر أتمنى أن يكون أكثر ذكاء، وأن تكون أخطاؤه اللغوية أقل!
وسلامتكم.
.