الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٧ - الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


العملياتُ الديمقراطيةُ الصعبة





انتقال دول المشرق العربي والخليج للديمقراطية يجري في مخاضاتٍ صعبة تعانيها هذه الدول وفي تحولات ضخمة في العالم، مع تبدل بُنى هذه الدول الاجتماعية وضخامة الهجرات السكانية إليها.

في عقود القرن العشرين السابقة حافظت على هياكلها السياسية الاجتماعية المحافظة مع تراكمات اقتصادية وتضخم للثروات لدى القوى الاجتماعية العليا وحدوث تحولات حادة للبوادي والأرياف، واستغلال موارد ضخمة للإثراء وتحسن طفيف في معيشة سكان الخليج أكثر من غيرهم.

تعثرت الرأسماليات الحكومية عن اللحاق بالعولمة والثورة التقنية التي اخترقت حدودَ الدول وثقافاتها ترافق مع عجزها عن تقديم البدائل الديمقراطية وتناقضت هذه الرأسماليات المناطقية تناقضاً شديداً حسب تطوراتها الداخلية وأشكال السلطات فيها.

غياب الطبقات الوسطى والثقافات الديمقراطية وقوى النهضة الواسعة، والارتكاز على الشموليات من قبل أغلب المثقفين وإنتاجهم ثقافات ذاتية نفعية وبقاء الثقافات التقليدية المذهبية القديمة الراسخة لقرون من دون إعادة صقل وتطوير وتحولها لمادة سياسية مؤثرة، كل هذا جعل مهمات التطور السياسية عسِرة، مضطربة.

وقد جاء الربيعُ العربي على هذه القواعد، لكن بلدين مثل تونس والمغرب أسسا تحولات نهضوية ليبرالية منذ عقود، استطاعا أن يخففا من تفجر التناقضات الداخلية وانهمار الرسملة الحادة المُسماة عولمة.

بقية البلدان لم تقم على هذا التدرج الليبرالي الطويل، ولهذا جاءت تحولاتها صعبة، منقوصة، متضادة في كثير من الأحيان. الأسس الوطنية والليبرالية والثقافة الجماهيرية التنويرية العقلانية هي القواعد السياسية والفكرية التي كان من الممكن عبرها تشكيل تحولات سياسية متدرجة.

لكن متضاداتها هي التي تحركت، في الهجوم الغربي كان العراق يعود لتكويناته القبلية والطائفية والقومية الضيقة، وهذا نموذج نُشر بقوة، وحدث الاستعجال والطبخ الفوقي والتضادات القومية بين ضفتي الخليج.

غدتْ الديمقراطياتُ مناورات وتجريباً وأدى السقف الغربي المستورد إلى التركيز في عزل التشدد الديني بشكل خاص، أو القيام بانفتاح وسط تخلف اجتماعي ثقافي مريع في بعض الدول، وتوجهت العملياتُ الفكرية الثقافية لليبرالية شعارية جزئية محدودة، وهو ما أدى إلى شعور الثقافات المذهبية المحافظة بالخطر على ذواتها، ومصالحها، حيث لم تظهر أي فترة تنويرية مسبقة طويلة توضح عدم وجود تناقضات بين الإسلام والحداثة، كذلك فإن عدم فهم الكثيرين من الليبراليين للثقافات العريقة في المنطقة واستيراداتهم السطحية للمواد من الخارج، وهو إرثٌ شاركوا به من سبقهم من تيارات سياسية شمولية لم تستطع هي الأخرى أن تجذر الوعي الديمقراطي داخل صفوفها.

فكانت العمليات السياسية شديدة التناقض، وأبرز مظاهرها دخول القوى المناوئة للديمقراطية باستغلالها لتعطيل أو القفز عليها لجوانب مضادة لها، فالديمقراطية الاجتماعية لم تتكون وخاصة في أبرز مظاهرها وهي هيمنة الأجهزة البيروقراطية على العمليات السياسية، وضمور حضور الحريات النسائية وغياب انتشار الثقافات العقلانية بين الجماهير، وهذا أدى إلى استغلال البوادر الديمقراطية والعناصر الانفتاحية الهشة لضرب التقدم وخلق التضادات بين الدول والأمم والشعوب والطوائف والطبقات.

قام التصديرُ الغربي للديمقراطية على الأشكال، وتغييب المضامين، فكان هذا التصدير يريد إزالة القطاعات العامة واختراق الأسواق والاستحواذ على النفط، وبهذا فقد أوقف العمليات الديمقراطية عند المظاهر الخارجية. فكان هناك دفع فوقي للديمقراطية وتصعيد منظمات وقوى تقليدية معادية للديمقراطية.

أدت العمليات غير المنسجمة المتضادة إلى بروز الطوائف وصراعاتها، وتفكك الأقاليم والمناطق، وزيادة وتيرة العنف لدرجة غير مسبوقة، وتنامي الاتجاهات الطائفية العنيفة.

كان إدخال العامة في عمليات سياسية من دون إعداد كاف قد أدى إلى جرها لمستوى وسقف مرتفع في الأداء الشكلي، مع صعوبات جمة تواجهها البرلمانات الوليدة عن إيجاد إصلاحات حقيقية وتغيير مستوى حياة الناس المعيشية والثقافية والانتقال للرأسماليات الحرة الموجهه عبر برلمانات ديمقراطية.

فجرى استغلال جماعات من العامة لعرقلة التطور الديمقراطي الذي ينفعها في حياتها ومستقبلها، تعبيراً عن التضادات الكبيرة التي جرت وعدم كلية الديمقراطية في جوانب الأنظمة كافة

التناقض الأبرز الذي يجب حله هو ضخامة الطموحات الجماهيرية في تحسين مستويات المعيشة ومحدودية فعل البرلمانات والسلطات في تحقق هذا.

وهو تناقض لا يحل سوى بتكون ديمقراطية تحديثية وتحول البرلمانات لأجهزة فعل حقيقية وليس كأشكال خارجية.

لهذا نرى إن آمال الإصلاح تخبو هنا وهناك، ومشاعر التفاؤل بتحقيق تقدم كبير أُحبطت، ودخلت المجتمعات في تفكك وصراعات جانبية، وعادت قوى الماضي حتى في الثورات العربية، وذلك كله لعدم تعاون القوى الديمقراطية الحديثة المختلفة وتفككها وإختراقها وعودة بعضها للوراء وللمغامرات.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة