الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٩ - الجمعة ١٣ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


عناصر التفكك





لم تستطع السعودية وإيران من إنتاج طبقة متوسطة تحديثية، ولعبت القوى التقليدية دورها في صناعة المجتمعين، ولهذا كان التوحيد من قبل المركز في كل من المجتمعين يتم من خلال الثقافة التقليدية ومن خلال جهة سياسية جغرافية واحدة.

وقد تأثرت البحرين بما نتج من تطور سياسي مذهبي تقليدي في كل من المجتمعين، لكن حسب تطورها الداخلي الخاص بها.

ففي البداية أمكن لها كمجتمعٍ صغير قادر على النمو المتسارع وفي ظل وجود فئة تجارية نشطة تحديثية منذ القرن التاسع عشر أن تشكل عملية توحيدية ديمقراطية توجت في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين.

تمكنتْ هذه الثقافة الوطنية التحديثية عبر الأندية الأدبية والفكرية والجماعات الأدبية والصحف من تشكيل حركة شعبية وطنية لعبت في الخمسينيات كقوة مواجهة حادة لم تؤسس نفسها بصورة بطيئة متصاعدة.

بذور الأفكار القومية والشعارات الصارخة وجر الجمهور العامي المحدود الرؤى للمواجهات، لم تسمح بتجذر ثقافة الفئة الوسطى التجارية، وغدا مشروع الحداثة والطبقة الوسطى مؤجلاً، حيث تفككتْ القيادة بأشكال شتى، وصعد مشروعُ رأسمالية الدولة الذي لا يسمح بتكوين مجتمع ديمقراطي يفترض أن يقوم على طبقة وسطى حرة ذات تأثير معيشي أساساً في العمال وقادرة على نشر ثقافة وطنية ديمقراطية.

ولهذا ظل المجتمع البحرين مرواحاً في تكوين الطبقة الوسطى والثقافة الوطنية الديمقراطية، وبدأت الفروقُ الكبيرةُ بين مستوياتِ المعيشة تتصاعد في السبعينيات والثمانينيات، وظهرت تجمعاتُ الخاص في الخدمات كافة: تعليم خاص، طب خاص، وإسكان خاص. وهو ما يشير إلى تراجع الخدمات العامة.

في هذا الوقت كان مشروعا الطبقة الوسطى التحديثية في كل من إيران والسعودية يفشلان في ظل تصاعد رأسمالية الدولة في كل من المجتمعين، وهذا يعني ضعف الثقافة التحديثية الوطنية الديمقراطية لصالح المذهبية السياسية المعبرة عن القوى العليا في المجتمع والطوائف وفي المراكز السياسية وعدم تعاون الأقاليم في هيكل تنصهر فيه بشكل ديمقراطي.

المذهبية السياسية هي تعبير عن فشل النمو الديمقراطي التحديثي وعن تغييب الفئات الوسطى لتتحول لطبقة وسطى، ذات حظوظ كبيرة في الصناعة والتقنية والثقافة الجماهيرية: صحف وتلفزيون وفضائيات، وهي عودةٌ للوراء التاريخي، وهذا يُلاحظ من خلال بروز المحافظة الدينية الشيعية في إيران والمحافظة السنية في السعودية، وكان لهما تناميهما في مجتمعات الخليج، التي فيها جذور ومواقع لهما كذلك.

حين لم تتشكل خلال عقود النصف الثاني من القرن العشرين في البحرين ثقافة توحيدية حرة، أي تقوم بإنشائها طبقة وسطى، وحدثت مشكلات رأسمالية الدولة بدأتْ عناصرُ تصدعِ القشرة الوطنية التي تكونت من خلال جهود القوى السياسية الوطنية عبر العقود السابقة، ولم يكن هذا بعيداً عن تنامي مشكلات رأسمالية الدولة في إيران التي تحولت لشمولية حادة، قامت بتصدير نزعات التدخل وتطييف القوى السياسية الموالية لها.

في السعودية صعدت الثقافة المحافظة وكادت أن تعصف بالمجتمع عبر شكل القاعدة، فكان لابد من العودة عن الوعي الديني التقليدي والقبول بنمو ليبرالي لايزال جنينياً.

هذا التباين والتأثير والتغلغل أوجد لإيران المجال الحيوي الغائر في صناعة التاريخ السابق، فتوجه قسمٌ لتأييد ذلك، مع تعبيره كذلك عن مشكلات محلية، لكن لم يستطع أن يفصل بين الهم الداخلي والتأثير الإيديولوجي السياسي الخارجي.

إن البحرين مرتبطة بالجزيرة العربية وتاريخها القومي، وهذا ينطبق على مناطق شرقية في السعودية ذاتها.

المنظومات كلها تعيش لحظات من تطور رأسمالية الدول النفطية وتصاعدت العمليات الاقتصادية من دون وجود برلمانات قوية، وأدى ذلك إلى تمركز الأنشطة الاقتصادية الكبرى في بعض المدن والأقاليم فيما تعيشُ الأقسامُ الأخرى في عالم آخر، وهذا العالم يسكنه بشكل خاص المزارعون والقبائل البدوية، فجاءَ الشكلان المعارضان الأساسيان منهما، من دون أن يمتلكا ذلك التأسيس الديمقراطي للفئات الوسطى، وقامت ردود أفعالهما بين النشاط السياسي الطائفي المنفصل عن حركة المجتمع، أو عبر الإرهاب كما فعلت القاعدة. أو عبر امتزاج الشكلين.

الدول الثلاث تتطلب عمليات التطور الديمقراطية فيها إعادة النظر في مسارات الاقتصاد والحياة الاجتماعية التي تمت عبر الأسس السابقة، وعمليات التطور السلمية والديمقراطية والحضارية بينها تغدو متداخلة، لأن كل منها يؤثر في الآخر في تشابك المنظومة الخليجية والمنظومة الإسلامية.

المشكلة تتمحور في القفزة الإيرانية نحو رأسمالية الدولة العسكرية بما تمثله من تجييش وفاشية وتدخلات في مجال(حيوي) طائفي هذه المرة، وهو ما يجعل التحولات الليبرالية الديمقراطية الوطنية صعبة على الأطراف كافة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة