الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٦ - الجمعة ٢٠ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢٨ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


حزب الدعوة فائض عن الحاجة وعمليات تجميله لا تجدي نفعا في العراق





يعيش حزب الدعوة الشيعي الطائفي في المرحلة الراهنة ازمات تنظيمية وفكرية وسياسية باتت تشكل هاجسا مقلقا لقادة الحزب وخصوصا رئيسه الحالي نوري المالكي الذي وجد نفسه في حالة فقدان توازن انعكست سلبا على تصرفاته وعلاقاته حتى وصل به الامر الى استخدام عبارات سوقية وممارسات غير مسبوقة في تعاطيه مع مساعديه ومستشاريه وقياديي تحالفه (الوطني) من جهة ومع خصومه السياسيين او ممن يسميهم في وسائل الاعلام بـ(شركائه) في العملية السياسية، وآخر المعلومات عنه انه بدأ يفكر بتحويل الحزب الى جبهة او ائتلاف سياسي جديد وفي اعتقاده ان هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على مستقبله السياسي ومساعدته لخوض الانتخابات المقبلة في آذار (مارس) ٢٠١٤ والاستمرار في رئاسة الحكومة لولاية ثالثة.

فمنذ انتهاء الجلسة اليتيمة لمؤتمر القمة العربية والمالكي يمر في وضع مضطرب وهو الذي كان يمني نفسه بان يكون قامة في القمة دون ان يدرك انه لا يصلح اصلا ان يكون في مقدمة الصفوف لانه نتاج حزب ظلامي وطائفي لا يملك رؤية في كيفية ادارة بلد مثل العراق متنوع الثقافات وثر الحضارات، ومن المستحيل على حزب الدعوة ان ينجح في قيادة المجتمع العراقي الى بر الامان والاستقرار والنهوض، لذلك فانه سيواجه الفشل وهو يسعى الى تحويل «الدعوة» من حزب منغلق ومغلوق الى جبهة سياسية او ائتلاف سياسي منفتح ومفتوح كما تفيد تحركاته في الاسابيع القليلة الماضية، وهو يتوهم اذا اعتقد ان اغراءاته المالية وتلويحاته الناعمة لبعض من فاتحهم بالتعاون معه في ائتلافه الجديد قد تنجح في الاسراع بتشكيل كيانه السياسي الموعود وانتشاره، دون ان يدرك ان الكيانات السياسية الحقيقية تبدأ من القاعدة صعودا ال القمة وليس العكس.

ان مشكلة حزب الدعوة منذ بدايات تشكيله على صورة وهيئة حزب في مطلع السبعينات ان بناته الاول ليسوا عراقيين، ولا تصدقوا الادعاءات والمزاعم التي يروجها بعض الدعويين بان حزبهم قد تأسس في نهاية الخمسينات بدليل ان اول نشرة حملت اسم حزب الدعوة صدرت في تشرين الاول- أكتوبر من عام ١٩٧١ وفيها فقرة تشير الى من اسمتهم بشهداء الحركة الاسلامية في العراق والمفارقة انها أوردت اسمين فقط هما الشيخ عبدالعزيز البدري والعميد محمود فرج، والاثنان سنيان عربيان اولهما محسوب على حزب التحرير الاسلامي والثاني معروف بانه من القيادات العسكرية لجماعة الاخوان المسلمين كان النظام السابق قد حكم عليهما بالاعدام، وسبق لباحثين ومؤرخين سياسين ان وقعوا في حيرة عندما حاولوا الكتابة عن نشأة حزب الدعوة وتطوره السياسي لانهم لم يجدوا شيئا من الادبيات الحزبية يشير الى تاريخه ومساره وكل ما قيل عن زعامة محمد باقر الصدر له هو مجرد التباس حصل له مع مجموعة صغيرة حملت اسماء متحركة ليس من بينها اسم الدعوة، ومن يقرأ كتب ومؤلفات صلاح الخرسان وعادل رؤوف وجودة القزويني والاخير هو صهر ابراهيم الجعفري زعيم حزب الدعوة السابق لا يجد تاريخا محددا لولادة الحزب ونشأته رغم ان الثلاثة سواء اتفقنا معهم او اختلفنا هم افضل من أرخ للحركة الشيعية السياسية في العراق.

ولان حزب الدعوة هش التكوين وضعيف التشكيل فانه تعرض الى سلسلة انشقاقات عندما اتخذ اسم الدعوة وراح يصدر البيانات والبلاغات في النصف الاول من ثمانينات القرن الماضي وفي ايران تحديدا حيث انتقل اليها الحزب بكامله نظرا لكون اكثر قادته يومذاك من الايرانيين ومنهم مهدي آصفي ومرتضى العسكري وكاظم الحائري وعلى كوراني وشخص خامس اسمه صادق قاموسي في الوقت الذي كان ابرز قادته من العراقيين المهندس هادي السبيتي يواجه الزجر وتفرض عليه العزلة وفي آخر زيارة له الى طهران في عام ١٩٨١ لم يجد ذلك الحزب الذي ساهم بفعالية في انشائه وعاد حزينا يضرب كفا بكف قبل ان يلقى مصرعه في ظروف ما زالت غامضة بعد ان تعددت الروايات بشأن ذلك غير ان قادة الحزب الحاليين اتهموا برزان التكريتي رئيس جهاز المخابرات (١٩٧٩ـ ١٩٨٣) بخطفه من الاردن حيث كان يعمل مديرا لمحطة الكهرباء الحرارية، وبسبب هذه التهمة أصر نوري المالكي وتوسل بالامريكان ان يسمحوا له باعدام برزان بطريقة بشعة ثأرا منه كما إدعى لمقتل السبيتي بينما عائلة الاخير لا تجد العيش اللائق بها في ظل سلطة حزب الدعوة.

وواضح ان المالكي وهو يعرف انه من الجيل الثالث في مسلسل قادة حزب الدعوة ويسبقه اخرون امثال علي الاديب وحسين الشامي وباقر الناصري وحسن السنيد، فانه بات يخشى الانقلاب عليه وهو بعد ان تخلص من ابراهيم الجعفري وارضى الاربعة بالمال والقصور والسيارات والامتيازات وحتى الشهادات الدراسية الجامعية لاحظ ان من يطلق عليهم بـ(الدعاة القدامى) باتوا يشاغبون عليه وانسجم معهم علي الاديب وبدأوا يشكلون محورا في الحزب ليس بمقدور المالكي اختراقه وقد تطور هذا المحور منذ شهور قليلة وتحول الى مركز قوي في داخل الحزب يغرد خارج توجيهات المكتب السياسي للحزب ورئيسه المالكي.

ولان المالكي بطبيعته يخاف المواجهات المكشوفة ويفتقر الى الشجاعة في المجابهات العلنية فانه لجأ الى اللعب مع الاديب والدعاة القدامى من تحت الطاولة ومن خلف الستار بقصد تفريقهم واحداث شروخ وتناقضات في ما بينهم غير انه اخفق في مسعاه نظرا لصلابة علي الاديب في وجهه واستخفافه به وهو ما دعاه الى التفكير جديا في أحد خيارين: اما مغادرة حزب الدعوة نهائيا وتأسيس حزب جديد برئاسته، او تحويل الدعوة الى ائتلاف سياسي واسع يضم من يتفق معه من قادته وكوادره الحاليين ويضيف اليهم آخرين كان قد تحالف معهم سابقا او جاء بهم الى اطار ائتلاف دولة القانون وابرزهم حسين شهرستاني وخالد العطية وعزة الشابندر وعلي الشلاه وسعد المطلبي وغيرهم، وقد تجنب الخيار الاول بعد تجربة ابراهيم الجعفري الذي اخطأ في ترك حزب الدعوة للمالكي وتشكيل حزب آخر ما زال يحبو رغم مرور خمس سنوات على تأليفه واعتمد الخيار الثاني وفي ذهنه انه الافضل له في هذه المرحلة وهو رئيس للوزراء وله القدرة على جر الحزب او اغلبية كوادره واعضائه وراءه.

وقد استجاب المالكي لنصيحة عزة الشابندر الذي سيكون له شأن كبير في الائتلاف السياسي الجديد ومفادها ان نقل حزب الدعوة الشيعي النزعة والتوجه والاهداف الى ائتلاف سياسي واسع وعريض يتطلب ان يكون الائتلاف الجديد (وطنيا عراقيا) بمعنى ان يضم خليطا من الشيعة والسنة العرب والاكراد والتركمان واذا امكن من المسيحيين والاقليات الاخرى، وقد صار معروفا ووفق ما نسب الى الشابندر ان الامانة العامة للائتلاف الجديد ستتألف من واحد وعشرين قياديا يرأسهم أمين عام هو المالكي بالطبع وله خمسة امناء عامين مساعدين عرف منهم حسين شهرستاني وعبدالحليم الزهيري والتركماني الشيعي عباس بياتي ويجري البحث عن رابع يعتقد انه من الاكراد الفيلية وهم شيعة ايضا، في الوقت الذي يجري البحث عن (سني عربي) يقبل ان يلتحق بهم، وثمة انباء مؤكدة من مصادر حسنة الاطلاع تفيد ان الشابندر وعبدالحليم الزهيري فاتحا علنا ستة من المحسوبين على السنة العرب لضم اربعة منهم الى قيادة الائتلاف الجديد من ضمنهم الامين العام المساعد، والستة حسب تلك المصادرهم: لطيف هميم الذي اعتذر ورشح بدلا عنه طلال القيسي ومحمود المشهداني وسلام الزوبعي والنائب المنشق عن حركة الوفاق قتيبة الجبوري ووزير الصناعة والمعادن الحالي احمد الكربولي وهو شقيق رئيس حركة (الحل) المنضوية ضمن القائمة العراقية جمال الكربولي الذي يتردد عنه انه عازم على الانشقاق عن القائمة وتشكيل تجمع سياسي جديد يساند المالكي وائتلافه الجديد.

ولعل ابرز ما يخشاه المالكي وهو ينقل حزب الدعوة الى الائتلاف الذي يسعى الى تأسيه هو استحواذ مناوئيه في الحزب وعلى رأسهم علي الاديب على اسم (الدعوة) ليشكلوا منه جبهة مناهضة للمالكي وائتلافه الجديد، وهو امر يخاف منه المالكي جدا لانه يعتبر حزب الدعوة باسمه وتشكيلاته وكأنه ملك مسجل باسمه، وقد حاول منع كتل انتخابية ارادت خوض الانتخابات الاخيرة في مارس - آذار ٢٠١٠ باسماء قريبة من مفردة (الدعوة) مثل تجمع الدعاة الجدد ودعوة ابن مكية ولكنه لم يقدر على عبدالكريم عنزي الذي شارك في الانتخابات باسم حزب الدعوة / تنظيم الداخل في اطار التحالف مع عمار الحكيم بينما تمكن من سحب جماعة خضير الخزاعي التي تسمي نفسها بالاسم ذاته الى ائتلاف دولة القانون.

ان حزب الدعوة بطبيعته ومساراته ونوعية قياداته وكوادره واعضائه السابقين والحاليين، يفتقر الى مواصفات الحزب السياسي الذي يعبر عن نبض الشارع والقرب من الناس، وفي التقييم السياسي لحزب الدعوة بكل المعايير يتضح انه شلة يتنافس افرادها على المكاسب والمغانم واغلبهم جاء الى السياسة بدوافع انتفاعية بحثا عن جاه يفتقدونه في بيئاتهم ومجتمعاتهم لذلك نرى الكثيرين منهم يعمدون الى اضفاء القاب وصفات ليست لهم على اسمائهم في محاولة يائسة لتسويق انفسهم وسط الناس، فنوري المالكي في حقيقته ليس من قبيلة بني مالك ومشيختها في مدينة (القرنة) التابعة للبصرة وابراهيم الجعفري ليس من عشيرة الجعافرة ولا من اسرة آل جعفر وانما من بيت صغير في كربلاء يسمى بـ(الاشيقر) نسبة الى قرية في شمال السعودية كان سكانها يأتون الى كربلاء في الاربعينات والخمسينات لشراء التمر واستخدموا والد ابراهيم وكيلا لهم فتسمى باسمهم، وعباس البياتي معروف عنه انه لا عباس ولا بياتي وهكذا اكثرية قيادات الحزب المعروفة.

ان الهروب الى تشكيل جبهة او ائتلاف سياسي على انقاض حزب الدعوة كما يسعى المالكي حاليا مسألة عبثية لن يكتب لها النجاح في المحصلة، فالاحزاب والائتلافات السياسية لها مقومات واساليب ووسائل ومفاهيم واهداف تتجاوز العمل السياسي المؤقت ولا تتوافق مع طبيعة نوري المالكي الانتهازية التي لا تطيق مبدأ الجماعية أو الشراكة الجمعية وانما الانفراد والفردية كما اثبت سلوكه خلال السنوات الست المنصرمة.

* كاتب وسياسي عراقي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة