الثقافة السياسية
التكنوقراط.. من هم؟ وما أدوارهم؟
 تاريخ النشر : الأحد ٢٢ أبريل ٢٠١٢
غالباً ما يثار مفهوم التكنوقراط خلال فترات الانتخابات البرلمانية في مختلف الدول، وسبب ذلك أن الناخبين تكون أمامهم العديد من الخيارات التي يجب أن يحسموا قراراتهم السياسية تجاهها في الاستحقاق الانتخابي. وأصبح مفهوم التكنوقراط لا يسمع إلا خلال فترات الانتخابات لأنها صفة يعتقد جانب من كبير الناخبين أنها جيدة، وأنها تعكس الكفاءة لدى المترشحين أنفسهم.
فالتكنوقراط كمفهوم سياسي يجب فهمه جيداً لأنه أكبر من أن يشاع استخدامه فترة الانتخابات فقط أو أن يستخدم لوصف بعض الأشخاص بأنهم خبراء أو أصحاب كفاءات.
ظهر هذا المفهوم في الفكر السياسي الغربي وجاء من كلمة التكنوقراطية ذات الأصل اليوناني، ويقصد بها سلطة الفنيين أو أصحاب الخبرات الاحترافية والعلماء أيضاً.
عندما ظهر هذا المصطلح كان الهدف منه هو كيفية تطوير أداء الحكومات في الدول لتكون أكثر كفاءة وفاعلية، وأكثر إنتاجاً وقدرة على إدارة شؤون الدولة وتطوير مختلف قطاعاتها، فكانت هناك حاجة في ذلك الوقت لظهور العديد من النظريات والأفكار السياسية التي يمكن أن تساعد الحكومات والتجارب السياسية على تحقيق مثل هذا الهدف. فظهرت فكرة التكنوقراطية التي تعتمد بشكل رئيس على إدخال مجموعة من النخب المثقفة وأصحاب الخبرات المتخصصة والعلماء في الحكومات لإدارة شئون الدولة.
أيضاً من الناحية التاريخية فإن التاريخ السياسي يشير إلى استخدام هذا المصطلح في الممارسات السياسية منذ عام ١٩٣٢ وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظهرت العديد من الدعوات التي كانت تطالب بتفعيل دور المتخصصين وتمكينهم سياسياً، وسبب ذلك التقدم التكنولوجي الذي أخذ بالنمو آنذاك في الولايات المتحدة. وكانت الفكرة الرئيسة من ظهور حركة التكنوقراطية في أمريكا أن هناك قناعة بعدم جدوى الساسة في إدارة بعض الشئون المتخصصة للدولة، فعلى سبيل المثال لا يمكن أن تدار الشئون الاقتصادية للدولة من خلال سياسيين، بل يجب أن تدار من خلال رجال الاقتصاد ورجال الأعمال. وكذلك الحال بالنسبة إلى قطاعات مثل الصناعة التي يجب أن تدار من قبل المهندسين.. الخ.
تطور هذا المصطلح بشكل كبير خلال القرن العشرين، وتحديداً في النصف الثاني منه حتى تحوّل إلى صفة سياسية تستخدم لوصف تركيبة الحكومات والبرلمانات في العالم. وصار يقصد به على وجه الخصوص الفئات الآتية: العلماء، والمهندسين، وأصحاب التخصصات التقنية الأخرى مثل الكمبيوتر والطب وغيرهم.
الاستخدام الحالي لمفهوم التكنوقراط يقصد به جميع أصحاب الخبرات المتخصصة عندما يتولون مناصب سياسية سواءً في السلطة التنفيذية (الحكومة) أو السلطة التشريعية (البرلمان)، وأيضاً المجالس البلدية.
وقد أصبح مفهوم التكنوقراط منتشراً عالمياً، وأصبحت الدول تراقب بعضها بعضاً لتتعرف على نسبة التكنوقراط في تشكيلات الحكومات الجديدة، وكذلك الحال خلال فترات الانتخابات التشريعية.
من الأهمية هنا الحديث عن الجدل الواسع الذي يظهر عادة عندما يتم الحديث عن التكنوقراط، لأن هناك ثلاث مدارس في هذا الصدد:
ـ المدرسة الأولى: ترى ضرورة أن تعتمد الدول في حكوماتها وسلطاتها التشريعية (البرلمانات) على التكنوقراط. وتبرر وجهة نظرها بأنهم الأكثر كفاءة، والأكثر قدرة على إدارة شئون الدولة من السياسيين الذين يتميزون عادة بالانشغال بالسياسة على حساب شؤون الدولة الأساسية، فضلاً عن اهتمامهم بالصراع السياسي مع خصومهم السياسيين دائماً حول النفوذ وتحقيق الأجندة والمكاسب.
ـ المدرسة الثانية: ترى ضرورة إبعاد التكنوقراط عن السياسة، وبالتالي لابد من الحد من إشراكهم في الحكومات والبرلمانات. وجهة النظر هذه تفسيرها أن دخول التكنوقراط في السياسة سيؤدي إلى انشغالهم بأمور أخرى غير تلك التي تخصصوا في إدارتها وتطويرها مثل البحث والتطوير.
فعلى سبيل المثال إذا تم تعيين أحد الأطباء البارعين في منصب وزير، فإنه من المتوقع أن يترك مهنته كطبيب ويتفرغ لإدارة المهمة السياسية الموكلة إليه، وبالتالي فإن الدولة ستخسر خبراته كممارس لهذه المهنة التي سيبتعد عنها ولن يكون له دور في تطويرها نتيجة انشغاله بالسياسة.
ـ المدرسة الثالثة: تعتمد على الواقعية السياسية، لأنها ترى أهمية كل من الساسة والتكنوقراط في أي دولة باعتبار كل طرف منهما يكمل الآخر، ويعزز من جهود التكامل السياسي. ووفقاً لهذه المدرسة يجب إشراك الساسة والتكنوقراط معاً في أي تشكيل للحكومة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية. الفكرة هنا من المزاوجة بين الطرفين، لأن إدارة شئون الدولة بحاجة إلى السياسي الذي يفهم طبيعة العملية السياسية والصراعات وإدارة العلاقات الداخلية والخارجية التي قد يجهلها التكنوقراط أنفسهم. بالمقابل فإن إدارة شئون الدولة أيضاً بحاجة إلى جهود وخبرات التكنوقراط التي يجب الاستفادة منها في إدارة وتطوير بعض القطاعات التي تحتاج إلى كفاءات متخصصة في مجالات معينة.
وعلى المستوى المحلي يلاحظ أن إدارة شئون الدولة في مملكة البحرين اعتمدت منذ بداية المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى على فكرة المدرسة الثالثة التي ترى ضرورة المزاوجة بين السياسيين والتكنوقراط في إدارة شئون الدولة، ولذلك يلاحظ تعاقب الكثير من الخبرات المتخصصة على التشكيلة الحكومية التي تغيّرت عدة مرات وفقاً لما ينص عليه الدستور منذ عام ٢٠٠٢ لتضم السياسيين وفي الوقت نفسه العديد من الخبرات المتخصصة في قطاعات متنوعة يمكن الاستفادة منها في إدارة شئون الدولة.
معهد البحرين للتنمية السياسية
للتواصل hb.vog.dbib@ofni
.