الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٩ - الاثنين ٢٣ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


حزبُ الشعبِ الإيراني (توده) بين التحللِ والجمود (٣-٣)





إن الموقفَ المتذبذبَ لحزبِ الشعب الإيراني (توده) من مسائل التحول التاريخية للشعب الإيراني تعودُ لنسخهِ الماركسية- اللينينية، ألا وهي أيديولوجيةُ البرجوازيةِ الصغيرة المكرسة لرأسماليةِ الدولة البيروقراطية على النمط الروسي، التي اَتخذتْ في إيران في بدايات القرن العشرين طابع الانتفاضات المُقلِدة لذلك النمط، ولكن في بلد إقطاعي ، فكان ثمارُ هذه السياسة رهيباً على الشعب، وتطور الدولة، وأدت إلى تفاقم دكتاتورية الشاه الأب والابن.

إن إحدى فئات البرجوازية الصغيرة (اليسارية) التي تعبئُ نفسَها فيما سُمي الأحزاب الشيوعية قد تمثلتْ في حزبِ توده وسياساته، المتذبذبة التي قفزتْ من العداء الكلي لليبراليةِ وبداياتِ الرأسمالية في إيران إلى الوقوع في حضن الإقطاع الديني.

إن القفزَ للقيام بثوراتٍ اشتراكية لابد أن يؤدي إلى مواقف سلبيةٍ تجاه النضال الواقعي الممكن، الذي تمثل وخاصة في حركة مصدق وتأميم النفط وشق الطريق للحداثة والديمقراطية، فكان هذا مظهراً لتلك الاشتراكية الزائفة مما جعل الخطوات الليبرالية والرأسمالية الوطنية الديمقراطية تتدمر، وغابت السياسةُ العقلانيةُ لتصعيد القوى الليبرالية والديمقراطية الشريكة المهمة لقوى العمال في التطور الديمقراطي، وتصدعت أكثر بالصراع الضاري مع نظام الشاه، وعدم دعم الجوانب الايجابية التحديثية المحدودة في ذلك النظام، وخاصة فيما تعلق بالثورة البيضاء ومحاولة تحقيق إصلاح زراعي وحصول الفلاحين على الأرض، وبنقد تلاعب البيروقراطية الحكومية في هذا الإصلاح المحدود وثرائها على حساب الريف.

إن جهود حزب الشعب الإيراني خلال هذه العقود تعود لهذا التذبذب الحاد بين الإيمان باشتراكيةٍ غيرِ ممكنة في ذلك الواقع المتخلف الزراعي، والعداء لرأسمالية وطنيةٍ مغلوبةٍ من نظامٍ بوجهيه الإقطاعي السياسي والإقطاعي الديني.

هذا أفضى إلى انتصار الشكلين الثنائيين للإقطاع: الإقطاع السياسي الحاكم، والإقطاع الديني المعارض، ليصيرا في زمن ولاية الفقيه واحداً ضارياً على الشعب. فيضربا الامكانات الفكريةَ والسياسية الديمقراطية، ويمنعا تطورَ المذاهب والأديان باتجاه العقلانية والوحدة الوطنية والإنسانية.

إن أي تنظيم ماركسي لا يُسندُ ليبراليةً مغلوبةً على أمرها يخربُ الماركسيةَ نفسها، وتقودُهُ الظروفُ للوقوع في براثن الشموليات المختلفة التي تتكونُ في كلِ بلدٍ حسب ظروفه.

ونجد أن لغة الصراع نفسها ضد الرأسمالية مع مصطلحات متضادة لم يعجنها وعي تقدمي دقيق حتى بعد أن بينت الأحداث خطورة تأييد الدينيين، فيقول بيانٌ للجماعة:

(إن السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام لا تمت بصله إلى عملية النضال ضد الامبريالية الرأسمالية حيث تشير جميع المعطيات إلى أن حكومة الجمهورية الإسلامية تتبع بصلابة وتنفذ وبشكل واسع خطة اقتصادية بإملاء وتوجيه من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومن وجهة نظر القوى العاملة، فإن القوى التي تقود مجتمعنا ترتبط بكبار التجار(البازار) والرأسمالية البرجوازية الأرستقراطية حيث يغيب التخطيط العلمي للموارد وتسيير الاقتصاد الوطني على الأسس التي تخدم مصلحة الشعب الإيراني)، (ولقد جرت عملية واسعة لخصخصة القطاعات الانتاجية والصناعية العائدة للدولة وبتوجيهات مباشرة من الولي الفقيه وباتجاه إلغاء المادة(٤٤) من الدستور الذي يعرفُ الاقتصاد الإيراني بتكونه من القطاعات الثلاثة (الحكومي والتعاوني والخاص) الذي كان منجزاً من منجزات الثورة الشعبية الإيرانية عام ١٩٧٩). من بيان للجنة المركزية للحزب سنة .٢٠٠٩

لايزال الحزب في صراعه ضد النظام لا يحدد طبيعته، ويعتبر المعركة ضد الرأسمالية (البرجوازية الارستقراطية!) معيداً بهذا مشروع الاشتراكية، الذي لم يكلمهُ (الإقطاعُ الديني) للأسف الشديد! وكان يجب على هذا الاقطاع أن يمضي نحو الاشتراكية عبر تصعيد المُلكيات الثلاث!

تتخفى هنا شعبويةُ الحزبِ البرجوازية الصغيرة (اليسارية) المدعية، دون أن تحددَ طبيعةَ النظام الديني، وتعتبر نفسها مناضلة ضد الاصلاحات في الاقتصاد التي خربت طبيعة النظام، لكنها لا تريد أن تناضل داخل مجتمع حديث رأسمالي ديمقراطي حر، ولاتزال تبعية هذه (اليسارية) للإقطاع متغلغلة في جذورها، في حين أن النظام يدمج بين جذوره الإقطاعية الدينية الريفية وسيطرته على المدن عبر رأسمالية دولة عسكرية دموية، ولايزال الحزبُ يطالبُ النظامَ بالابتعاد عن الرأسمالية والغرب، فيما هو مبتعدٌ تماماً ومعادٍ لطريق الحداثة، جامعً بين نظام عتيق والأدوات العسكرية الخطِرة والاقتصادية المستغلة للناس والقاهرة لهم.

أي أن بؤرة الصراع المطلوبة هنا هي هزيمة رأسمالية الدولة العسكرية بأخطارها على حياة ومصير الشعب الإيراني، وشعوب المنطقة عامة، وإعادة فوائضها إلى الحياة الاقتصادية السلمية وحاجات الناس وإنعاش الاقتصاد الرأسمالي الحر غير المرتبط بالفساد الحكومي.

من الضروري هنا رؤية القوى الرأسمالية والعمالية والشعبية عامة المتضررة من دكتاتورية النظام وتشكيل جبهة واسعة منها لهزيمة رأسمالية الدولة العسكرية الفاشية ولإعادةِ إيران للحداثة والديمقراطية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة