الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٠ - السبت ١٤ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢٢ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


من تاريخِ الفرق





لا توجد حكوماتٌ مذهبيةٌ لجمهور المذاهب الشعبي في العالم الإسلامي بل توجد حكومات تمثل كبار الملاك وغيرهم من الطبقات العليا، وليست المذاهب سوى أشكال خارجية وتبيانات صغيرة في العبادات لهذه السيطرات المتفقة مضموناً المختلفة شكلاً.

خلافاتُهم خلافاتٌ شكلية، أي عبادية صغيرة، ولكن اتفاقهم في توجيه الناس والتحكم في الموارد الاقتصادية بطرائق متماثلة هو الجوهر.

عندما كانت المذاهبُ في الزمن القديم تتكاثرُ وتتصارع يتم ذلك من خلالِ اختلاف على القيادة للتنظيم وكيفية السيطرة على النفوذ السياسي والحكم، ويجرى التركيز في الاختلاف في العبادات، كمسائلِ الوضوء والصلاة والأذان، ولكن لا توجد برامج متفق عليها تضمن حقوق الأغلبيات الشعبية من المسلمين ومن غيرهم من (المواطنين)، فهذان التنحية للجوهري والتركيز في الظاهري هما طرائق في فصلِ عامة المسلمين عن بعضهم بعضا لكي يتمكن الكبارُ المختلفون كل من موقعهِ المتميز من التحكم فيهم.

ومن هنا تحويلهم للثورة الإسلامية المؤسِّسة إلى اختلافاتٍ شخصيةٍ وعائلية وليس إلى برامج تتعلق بكيفية توزيع الثروة وتشكيل الإنتاج.

كل تنظيم يختلفُ النائبُ فيه عن قائدهِ يقومُ بالانقلابِ عليه وتكوين تنظيم ثان لكي يستولي على السلطة أو على الجماعة ويقول إنه ثائر على انحرافٍ في العقيدة لدى القائد السابق، وانه المصحح وهو لا يثورُ على مسائل مبدئيةٍ بقدرِ ما يعمل للهيمنة السياسية.

لقد جرت صراعاتُ العائلات الكبرى في الحجاز بعد الثورة الإسلامية المؤسِّسة، وكل عائلةٍ كبرى كانت تريدُ السلطةَ لنفسها، فثمة عائلةٌ نجحت في السيطرة على السلطة نظراً إلى تاريخها في الدهاء السياسي وتكوين الأتباع والاعتماد على المال ورشوة شيوخ القبائل واستمالة البسطاء بتغيير أحوالهم المعيشية وتوسيع الغزوات على الأمم الأخرى.

فيما عائلات أخرى لا تمتلك مثل هذه الوسائل والموارد، واعتمدت على مُثُل أخلاقية ودعوات مثالية لا تمتلك قوى فكرية سياسية وبرامجية عميقة ودقيقة لتلك المرحلة المعقدة تصعد تعاون الطبقات الشعبية وتوحدها.

كان غياب المؤسسات الديمقراطية الشعبية التي تجعل السلطة في يد أغلبية السكان وتحويل جماعة الحل والعقد إلى مجلس تشريعي مُنتخب له قوى عسكرية وبرنامج يرتكز على برنامج قرآني لتوزيع الثروة، قد أتاح للقوى المغامرة أن تقفز إلى السلطة وتستفيد من التناقضات بين القوى الشعبية.

وما هي الفروق بين منجنيقات كل هذه الفرق وهي تدكُ المدن؟ وماذا فعلت الدول (الإسلامية) المتتالية من تغيير لأحوال الشعوب والأمم؟

وما هي الفروق بين الأعمال الدامية وما هي نتائجها في التقدم؟

فصار بعد ذلك تاريخ المسلمين السياسي هو تاريخ القوى الاستغلالية وأصحاب الثراء سواء عبر التحكم في الأجهزة الحكومية أو عبر استغلال الإسلام وتكوين ثروات من خلال المتاجرة به أو عبر المعارضات التي تندمج في أنظمة جديدة وتعيد إنتاج جوهر الأنظمة السابقة.

ثار عبدالله بن الزبير وأخوه مصعب وثار الخوارج وغيرهم وكل منهم يسعى إلى السلطة، ودكت الأماكن المقدسة بالمنجنيق وقُتل الكثيرون، في صراعات السلطة بين الكبار.

حين توجه الإمام أبوحنيفة النعمان إلى الفلسفة وتحليل الدين بأشكال موضوعية ورفض نقود الخليفة أبي جعفر المنصور أخذوه للحبس والتعذيب، فيما لم يواصل تلاميذه نضاله وراح يُنظرون للسلطات وأحكامها.

الاستقلال الفكري الاجتهادي لم يكن مقبولاً من قبل الدول الشمولية التي هيمنت على شيوخ الدين وحولتْ أحكامَهم لمصالحها من كل الفرق.

حين قال الإمام محمد عبده نريد المستبد العادل رفض المغامرات العسكرية (الثورية) التي جلبت الاحتلال البريطاني لمصر، وحاول عبر أفكاره أن يشكل الاعتدال، لكن الاعتدال يكون خارج المؤسسات السياسية الاستبدادية ومع القوى الحرة وتطوير النظام الملكي المصري وقتذاك نحو ديمقراطية عصرية.

توجهت الفرقُ الدينيةُ لتبرير وجود الانقسامات بين المسلمين والمؤمنين والقوى العصرية، ولم تشكل فقه التوحيد، لم تدرس الفلسفات الحديثة تقتبس منها، وتطور أدواتها ومرجعياتها التقليدية.

لم تحدد انتماءاتها الاجتماعية وهي مع من وماذا تريد من أنظمة؟ ظلت في سحاب فكري فقهي غامض، ومع هذا دخلت السياسات المتعددة المضطربة، وخاصة السياسات العالمية الخطرة في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، فظهر الإرهابيون بكثرة، ومدمنو الثورات الذين لا يعرفون ألف باء السياسة، وحول بعضهم بيوتاتهم الدينية لأحزاب موسعاً استثماراته وركب آخرون الدول الكبيرة يمتطونها لمصالح طبقتهم الاجتماعية.

هذه بعض إضاءات من التاريخ نرجو الاستفادة منها وتجاوزها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة