إبراهيم نقد ودوره في الحياة السياسية السودانية
 تاريخ النشر : الخميس ٢٦ أبريل ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن أحمد عثمان
ان رحيل المناضل والمفكر الماركسي الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني (محمد ابراهيم نقد).. يعد خسارة فادحة للأحزاب الشيوعية والعَلمانية والتقدمية على الصعيدين (العربي والعالمي).. وحسبما ترك هذا المناضل التاريخي فراغا سياسيا وحزبيا للمعارضة الوطنية التقدمية السودانية.. فإن غيابه قد أعاد الشريط النضالي والبطولي منذ بدايته إلى هذا الزعيم الماركسي الذي يمثل بنضالاته وتضحياته ونهجه أحد الكوكبة المضيئة من المناضلين الشيوعيين التاريخيين التي ضمت (أبوبكر النور عثمان وهاشم العطاء وعبدالخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، والنقابي العربي العالمي الشفيع أحمد الشيخ) الذين هم جميعاً صنعوا أنصع التاريخ الوطني، ونسجوا أعظم الملاحم النضالية والبطولية.. منذ بداية تأسيس الحزب الشيوعي السوداني في اليوم الأول من شهر مارس عام ١٩٤٦م ولغاية وقفتهم التاريخية بتحديهم النظام السوداني العسكري الاستبدادي ورئيسه جعفر نميري الذي نصب أعواد المشانق لإعدامهم في اليوم التاسع عشر من شهر يوليو عام ١٩٧١م.. لكنهم واجهوا بطش وعسف هذا النظام بشجاعة مواقفهم الوطنية والمبدئية.. مستنهضين إرادتهم الحرة من معين شجاعة مواقف المناضل الأممي والتاريخي يوسف سلمان يوسف (فهد) مؤسس وأمين عام الحزب الشيوعي العراقي، المتمثلة في مقولته التاريخية التي أطلقها في يوم إعدامه ١٤ فبراير عام ١٩٤٧م هاتفاً «الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق».
رحل المناضل الشيوعي التاريخي (ابراهيم نقد) فسيولوجيا، لكنه لم يرحل مبدئيا.. لطالما كتاباته ومؤلفاته تمثل المرجعية الفكرية والايديولوجية للحزب الشيوعي السوداني.. وهي (قضايا الديمقراطية في السودان وعلاقات الأرض في السودان وهوامش على وثائق تمليك الأرض وعلاقات الرق في المجتمع السوداني وحوار حول الدولة المدنية).. وعلى رأس هذه المؤلفات «حوار النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية» الذي حمل هذا المؤلف في جوهره ومغازيه طابع التجانس والاتساق مع ماهية ودلالات مجلدات «النزعات المادية في الفكر العربي الإسلامي» لمؤلفها المفكر والفيلسوف (حسين مروة) الذي تطرق من خلالها إلى دراسة وتحليل وجود العالمين النقيضين (المادي والمثالي) على أسس وأصول الفلسفة الماركسية.
ولكون أمين عام الحزب الشيوعي السوداني (محمد إبراهيم نقد).. هو مناضل مبدئي لم يساوم على مبادئه ولم يتزحزح عن مواقفه.. ليواجه الملاحقات الأمنية و«البوليسية» في أتعس الظروف القاسية وأحلك الأوقات المفصلية.. متخفياً بنضالاته.. متوارياً عن أنظار السلطة والرقابة الأمنيتين يؤدي مهمات العمل السياسي والتنظيمي، كان ذلك ابتداء من ١٧ نوفمبر ١٩٦٨م مروراً بعام ١٩٧١م الذي أصبح فيه أمينا عاما للحزب الشيوعي السوداني.. يدير الحزب وكوادره بمقومات «الشخصية الكاريزمية القيادية».. إذ استمرت عملية اختفائه الى عام ١٩٨٥م.. عام الإطاحة بنظام الدكتاتور جعفر نميري.
وفي ضوء ذلك برز في العمل السياسي العلني نائباً ممثلاً للشعب عام ١٩٨٦م إلى عام ١٩٨٩م.. ولكن ما لبث ان أودع المعتقل مدة عامين ثم رهن الإقامة الجبرية.. الأمر الذي دفع بـ(إبراهيم نقد) إلى الاختفاء ثانية.. ولكن بالرغم من ذلك كله انتصر الحزب الشيوعي السوداني في نهاية المطاف.. هو حينما فرضت نضالات الحزب وإرادته الحرة على النظام السوداني في أن يبرز بفعالياته وحراكه وآلياته ونشاطاته على السطح المجتمعي السوداني.. ويعود أمينه العام إلى العمل العلني، وذلك من خلال انعقاد المؤتمر العام الخامس للحزب الشيوعي السوداني في شهر يناير عام ٢٠٠٩م.. وتألق (محمد إبراهيم نقد) بقيادة الحزب بعد ان تم انتخابه ثانية أمينا عاما للحزب الشيوعي السوداني.. بعدما ظل الحزب يعمل في الظل والخفاء فترة امتدت إلى اثنين وأربعين عاماً.. ليؤكد الحزب وجوده وهويته وكينونته، ويرسخ نهجه وأفكاره ومبادئه ومن ثم تمسكه بأصول الفلسفة الماركسية.
وحسبما حافظ الحزب على اسمه وعنوانه وهما (الحزب الشيوعي السوداني).. فإن أمينه العام (محمد ابراهيم نقد) قد تبوأ النضالات المريرة والرائعة، وتجلى بالتضحيات الجسيمة والمفصلية.. من أجل الحريات العامة وتحقيق الديمقراطية والمشاركة الشعبية والعدالة الاجتماعية لمقومات الدولة المدنية والعقلانية.. مستمدة مفاهيمها ومؤسساتها من شعار الحزب «وطن حر وشعب سعيد» والمتجسدة مغازيه ومعانيه تجسيدا جدليا وديالكتيكيا، بمفاهيم الواقعية السياسية والحفاظ على الثوابت المبدئية في سلم الأولويات.. وبعدم الخلط ما بين (ما هو سياسي وما هو مبدئي) بنهج ماركسي جدلي واضح الرؤى راسخ الآفاق لمختلف الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطبقية والانتاجية والتربوية والفلسفية على حد سواء.
.