الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٢ - الخميس ٢٦ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٥ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


العبث والدماء لا يصنعان ديمقراطية ولا إصلاحا





انتحروا وحدكم، كونوا ما شئتم، افعلوا ما تريدون، قولوا ما تقولون، ارتبطوا بأي دولة أو منظمة أو جمعية في الشرق أو الغرب أو لا ترتبطوا، تقاسموا أدوار البطولة في كل مسرحية جادة أو هازلة، ودعوا الأدوار الهامشية للآخرين أو لا تعطوهم أي دور البتة، هذا شأنكم، لكن ليكن كل ذلك بعيدا عن العبث بحقوق الإنسان التي تنتهك اليوم تحت ذات العنوان «حقوق الإنسان»، ولتكن لعبتكم السياسية بعيدا عن التلاعب بأرواح الناس وسلامتهم وحريتهم وأمنهم، فتلك مقدسات في الدين الإسلامي وفي كل الأديان السماوية، وكذلك في شرعة حقوق الإنسان التي يتغنى بها الجميع و«هي لا تقر لهم بوصل».

وحين نقول ذلك فلسنا ضد حرية رأي من ينادي بمطالب سياسية من حيث المبدأ حتى لو كنا نختلف معه جزئيا أو كليا في تلك المطالب وفي أسلوب المطالبة؛ فله كامل الحق والحرية في اعتناق أي مذهب سياسي أو فكري والدعوة إليه، لا نستكثر عليه ذلك (وإن ناقشناه فيه)، كما لا يحق له أن يستكثر علينا أي حق من حقوقنا، لكننا بالتأكيد ضد التعدي على حقوق الإنسان أيا كان مصدر ذلك التعدي، وضد أسلوب «اللجوء إلى الشارع» للضغط على الحكومة أو للضغط على أي فئة سياسية في المجتمع، وضد الدفع بالأطفال والصبية والشباب والنساء حتى الكبار للمواجهة مع رجال الأمن أو للمواجهة مع فئات وجماعات سياسية أخرى في المجتمع؛ فكل ذلك يعرض أهم حق من حقوق الإنسان للخطر «الحق في الحياة»؛ فماراثون تسجيل النقاط الواحدة تلو الأخرى ضد الحكومة أو ضد الجماعات السياسية الأخرى لا يستأهل كل هذه الأرواح المحترمة التي تزهق بالمجان في معركة اللاجدوى، وكل الأهداف التي قد تتحقق أو يتحقق جزء منها أو لا تتحقق أبدا لا تستحق قطرة دم واحدة تراق على هذه الأرض ولا تستحق صرخة أم ثكلى فقدت وليدها في معركة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها معركة الجنون والعبث التي لا تعرف غير الناس والبلد وقودا لها.

ولا أظنني مخطئا ولا مبالغا حين أطالب الجميع ولاسيما الأحزاب والجمعيات السياسية وقوى المجتمع كافة بتجنب كل ما من شأنه تعريض حياة الناس وأمنهم للخطر، ولست أفهم دعوات بعض «القادة» إلى «الاستشهاد» وهم وادعون آمنون بين زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم وأهليهم وأحبتهم، كما لا أفهم أن يقول حقوقي «نحن نمتلك أكثر من ثمانين شهيدا»، يقول: «نمتلك» باعتبار ذلك رصيدا، بينما يقول حقوقي آخر يوصف بأنه مرموق: «إذا سقط الشهيد فنحن بخير»، والترويج اليومي المحموم لفكرة أن «الإصلاح والمطالب السياسية العادلة لا تتحقق إلا بالدماء وكثرة الضحايا فما بالك بإسقاط النظام؟ إنه يحتاج إلى مئات بل آلاف القتلى، ألا ترون ليبيا وسوريا وغيرهما؟»، ويصل الأمر إلى درجة تسيير مظاهرات واعتصامات تحت شعار «الدماء تصنع الحل»، ورأيي هو: ان الدماء لا تصنع الحل، بل تعقده وتؤخره، وحقن تلك الدماء هو الذي يمهد للحل، وإذا سقطت أي ضحية فنحن بسوء، بل بألف سوء لا بخير، فالدم لا يأتي إلا بالمزيد من الدم، والأموات لا يعودون إلا في بضاعة المروجين للوهم ودكاكين الدجالين، إنما يبقون في قلوب أهليهم وذويهم ووطنهم حسرة ولوعة وجمرة لا تنطفئ مدى الحياة ولا ينبئك بذلك غير خبير.

وليت شعري، فكل الذين يدعون اليوم إلى المواجهة باسم الله ويظهرون شجاعتهم «الكلامية» من وراء وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي ويحثون الناس على الخروج تحت راية الدين مرة، ويأمرونهم بالصمود باسم المذهب أخرى، والمنازلة تحت لافتة الحقوق السياسية ثالثة، ومن أجل الدولة الليبرالية رابعة، وللديمقراطية وللدولة المدنية خامسة، ومن أجل كل المتناقضات في الدنيا، هؤلاء من دون غيرهم يخرجون من كل أزمة ومن كل مصيبة تحل بالبلد وأهله سالمين غانمين تزفهم الجماهير وترفعهم فوق الأكتاف مثل كل أبطال أفلام هوليوود ونجوم بوليوود، ووحدهم الناس البسطاء يدفعون ثمن نزوات هؤلاء الساسة والحزبيين ورغباتهم المرضية في الظهور والشهرة والزعامة، يدفعونها من أرواحهم وأولادهم وأقواتهم وأمنهم وسلامتهم، وهم جميعا أرقام، تظهر قيمتهم الحقيقية حين يتجمعون للمواجهة أو للمنافسة والمنازلة الطائفية، وتتم المباهاة بأعدادهم وبعدد الكيلومترات التي احتلوها في مسيرتهم (من... إلى...) في الشوارع والساحات والميادين العامة، وتزداد تلك القيمة عندما يسقطون قتلى.

أعلم أن هذه الكتابة لا تروق للكثيرين الذين سينبرون لـ «نصيحتي» ككل مرة أعلن فيها رأيي بصراحة، لكنهم لا يجرؤون على نصيحة الذين يتاجرون في أرواح الناس ليل نهار، فعذرا لن أكف عن بيان مظلومية أهلي وبلدي حتى لو كان ذلك آخر ما أقوله في حياتي قبل الشهادتين.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة