الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٥ - الأحد ٢٩ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٨ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


عزة الدوري في خطابه الأخير يُرعب نوري المالكي





في خطابه الاخير الذي ظهر فيه وهو يتوعد حزب الدعوة ورئيسه نوري المالكي بمصير اسود، أشعل عزة الدوري نارا في جسد النظام الشيعي الصفوي الذي يقود الحكومة العراقية الحالية وارعب رئيسها الذي هرع إلى طهران يستنجد بنجاد وخامنئي وفيلق قدس واطلاعات وحرس خميني للوقوف معه ويستجدي مقتدى الصدر المقيم في قم للدراسة والتجارة واشياء اخر ان ينصره بعد ان عاش اياما عصيبة لا نهاره نهار ولا ليله ليل ومازال يئن من وطأة تلك الكلمات التي قالها نائب صدام حسين المطارد والملاحق والمختفي الذي دوخ الامريكان والايرانيين طوال السنوات التسع الماضية من دون ان يجدوا أثرا له.

ولان نوري المالكي عنده (فزّة) من عزة الدوري وكم تمنى على اسياده الامريكان وخصوصا الرئيس السابق جورج دبليو بوش ان يخلصوه من (البلوة) كما يصفه في جلساته ولقاءاته، وهم لم يقصروا في بحثهم عنه واستخدموا احدث تقنياتهم بما فيها طائرات الرصد والاستطلاع واقمار التجسس ومعدات الاستشعار عن بعد في تعقبه ومتابعته ولكنهم اخفقوا في مهمتهم واثبت (الحجي) كما يحلو للبعثيين تسميته، انه رجل شجاع سواء اتفقنا معه او اختلفنا، فقد نجح في البقاء حيا يتنقل بين منطقة ومنطقة وبين محافظة واخرى بلا خوف رغم انه مريض ونصحه الاطباء قبل اكثر من عشر سنوات بالراحة وعدم الاجهاد، ولكن كما ظهر مؤخرا تبدو هيئته وكأنه يستعد لمعركة باتت قريبة، وهذه الهيئة برصانتها وصوته الهادر وحديثه القوي ووقفة التحدي اجتمعت وأدخلت الفزع في نفس المالكي الخائفة أصلا والقلقة دوما وجعلته يشد الرحال إلى أعمامه الايرانيين يناشدهم حمايته ويحرضهم في الوقت نفسه على دول الخليج العربي وتركيا التي يتوهم انها تدعم البعثيين وتساعدهم على القيام بانقلاب يطيح بسلطته المنخورة بالفساد واللصوصية من قمتها إلى ذيولها، وحسنا فعل الدوري وقد اختار التوقيت المناسب ليوجه لكمة من العيار الثقيل يرج بها راس المالكي المثقل بالوساوس والاوهام، وخطابه في مجمله رسالة وجهها إلى اكثر من طرف وجهة ولعل ابرز ما فيها ان حزب البعث لم يمت رغم الضربات الموجعة التي وجهت اليه وان البعثيين واقفون على أرجلهم ولم يستسلموا أو ينبطحوا على بطونهم كما فعلها اصحاب الصوت العالي والعمل الواطي وعلى رأسهم (ابن طويريج) وحلفاؤه وقيادات حزبه وشيعته.

وقصة صمود وثبات عزة الدوري باتت أشبه بالاسطورة، فهذا الرجل الذي عرف بالبساطة والتدين والتواضع أثار ومازال الكثير من الاهتمام والاحترام معا، وكان اقرب الناس اليه يتوقع ان يسقط في قبضة الامريكيين في الايام الاولى من الاحتلال نظرا لضعف بنيته وكثرة امراضه، وحدثني السيد محمد يونس الاحمد رفيقه السابق وغريمه الحالي في صيف عام ٢٠٠٨ وهو يعرض علاقاته الوثيقة وصلاته الحميمة معه قبل ان يختلفا، انه التقاه عقب شهرين من الاحتلال حاملا اليه رسالة من الرئيس صدام حسين المختفي يومها ودُهش الاحمد عندما وجد (ابو احمد) كما يسميه في موضع لا يمكن ان يثير انتباه احد على الاطلاق، ولما ألححت عليه وسألته كيف وصلت اليه في تلك الظروف القاسية واجتمعت به؟ قال ليس المهم كيف وصلت وما عانيت حتى التقيته ولكن المهم المكان الذي كان فيه والهيئة التي كان عليها، وأحجم عن ذكر المكان ولكنه قال انه كان بهيئة فلاح يسكن كوخا وبالقرب منه مضخة ماء حتى يخيل لمن يمر به او يشاهده لا يخطر على باله ان هذا الفلاح او حارس المضخة هو عزة الدوري بلحمه وشحمه، وبكيت ـ قالها الاحمد ـ من شدة فرحي بلقائه وفخري بصبره، وهذا الحديث الذي جرى امام قياديين بعثيين مازالوا أحياء، جاء خلال اجتماع مع الاحمد في إطار مبادرة قام بها عدد من السياسيين من غير البعثيين كنت واحدا منهم لحل الخلافات بين الدوري وبينه واعادة اللحمة إلى جناحي الحزب.

ولان عزة الدوري انسان مؤمن وملتزم فانه يتحرك بثقة وينشط من دون خوف ونقل عن أحد مرافقيه السابقين ان ابا أحمد طلب منه بمودة ان يترك مرافقته ويغادر العراق إلى دولة مجاورة بعد ان لاحظ عليه الهلع خلال جولة حزبية رافقه فيها إلى إحدى المحافظات حيث اوقفت دورية من الجيش الامريكي وقوات امنية وحكومية مشتركة السيارة (البيكاب) التي كان يستقلها، ويقول المرافق لقد بدا السيد النائب وكأنه في نزهة او رحلة سياحية من دون ان يرف له جفن خوفا من مطارديه، كل الذي فعله وهو ينتظر دوره للتفتيش انه كان يتلو آيات من القرآن الكريم وأدعية يتضرع بها إلى رب العرش سبحانه ان يعمي بصر وبصيرة المحتلين وعملائهم ومر بسيارته المتهالكة بسلام.

وهو رغم انه مطلوب إلى الامريكان والايرانيين والاحزاب والمليشيات الشيعية وفرق الموت الطائفية ويفترض به ان يكون حذرا في تنقلاته وتحركاته، فانه في كثير من الحالات والاحيان يظهر فجأة وسط الناس، ففي عام ٢٠٠٩ شوهد وهو يدلف إلى خيمة عزاء في منطقة تقع في اطراف قضاء الخالص بمحافظة ديالى ويجلس ويقرأ سورة الفاتحة على روح الفقيد وهو شيخ عشيرة عرف بمقاومته للاحتلال، ويشرب قدحا من الماء وفنجان قهوة ويغادر المكان بهدوء، وشاع الخبر بسرعة واقبلت طائرات الهيليكوبتر الامريكية والمدرعات الحكومية ومشطت المنطقة بكاملها وسدت شوارع وطرقات واقامت حواجز وموانع ولكن عزة الدوري (فص ملح وذاب) حتى قيل ان قائمقام الخالص المدعو عدي خدران وهو جاسوس ايراني معروف وقاتل مأجور لم ينم في بيته في تلك الليلة وغادر القضاء مع حمايته ومرافقيه إلى مقر لحزب ابراهيم الجعفري في مدينة الشعب ببغداد وهو يرتجف من الخوف ولم يعد إلى مقر عمله الا في اليوم التالي.

وشبح عزة الدوري يقض مضاجع نوري المالكي بدليل انه ارسل وفدا من حزبه برئاسة عضو المكتب السياسي حسن السنيد الملقب (ابو عروجة) لعوق في ساقيه إلى اربيل قبل شهور واللقاء مع مسعود بارزاني والاستفسار منه عن كيفية وصول برقية تعزية من الدوري اليه لمناسبة وفاة والدته يرحمها الله، وكان ابو عروجة يلح في اذا ما كان الدوري قد حضر مجلس الفاتحة شخصيا او بعث بمندوب حمل البرقية، ويقال إن مسعود رغم حزنه على رحيل امه لم يتمالك نفسه وضحك من شدة خوف اعضاء وفد المالكي وقال لهم: والله لا اعرف ان جاء عزة او ارسل ممثلا عنه لان الالاف حضروا الفاتحة ولكني لم اشاهده شخصيا ولم اتسلم برقية مكتوبة منه.

ان رعب نوري المالكي وفرقه الباطنية من عزة الدوري وصل في المرحلة الراهنة وخصوصا بعد خطابه الاخيرالى درجة لم يعد فيها قادرا على ضبط أعصابه وبات يستشعر الخطر من الجميع لا فرق عنده بين من يعمل معه في مكتبه او ضمن حلفائه او شركائه ولا نريد ان نخوض في بعض تفاصيل تعامله مع موظفيه ومستشاريه في الفترة الاخيرة ولكن ننقل مقطعا من مكالمة هاتفية أجراها مع رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي على خلفية رفض الاخير ربط البنك المركزي العراقي برئاسة مجلس الوزراء وهي مكالمة دامت سبع دقائق بالتمام استهلها المالكي وهو في فورة غضب قائلا: انت يا اسامة تتآمر علي! فرد عليه اسامة وهو يلوك اللقمة في فمه فقد كان يتناول طعام الغداء عندما تلقى المكالمة بغضب أشد: (انت صدك ما تستحي.. إدخل بالموضوع إشبيك خايف) وهنا هدأ نوري بعض الشيء بعد ان زجره النجيفي الذي استمر في تناول طعامه دون اكتراث بـ (دولته) فعاد ليقول: يا اخي ابو سيف قضية ربط البنك المركزي بمجلس الوزراء فيها مصلحة عامة ولا اعرف لماذا ترفض؟ ثم لماذا تعلن رفضك بالاعلام تصريحات وبيانات هذه مسائل نحلها بالتفاهم، فاجابه النجيفي بلهجته الموصلية التي يشوبها بعض الحدة شوف ابو اسراء لا تقل لي مصلحة عامة فانت اثبتت دائما انك ضد المصلحة العامة ولا تهمك غير مصلحتك الخاصة والشخصية فقط هذه حقيقة خبرتها عنك وانت تريد (تحوّش) على كل شيء، وتحوش المشددة مفردة شعبية عراقية تعني تستحوذ او تسيطر، وفي موضوع البنك المركزي ليكن لديك معلوم فانني لن اتراجع، وثار المالكي وتهدج صوته عبر الهاتف حتى ان عددا من النواب ممن كان يشارك النجيفي على مائدة الغداء سمع نوري وهو يقول في كلمات متقطعة: كلكم تت آمرون علي وتعملون ضدي ولكن سترون ماذا سافعل بكم انتظروني؟ فرد عليه النجيفي بعبارة من الوزن الثقيل يستخدمها العراقيون عادة في معرض التحدي واغلق الهاتف بوجهه وعاد إلى طعامه.

حادثة اخرى جرت قبل سفره إلى طهران تدلل ايضا على اختلال توازنه والفزع الذي يعيشه هذا الكائن الخرافي، فقد سرب احد نواب الكتلة الصدرية أمير الكناني خبرا إلى قناة تلفزيونية محلية جاء فيه ان التيار الصدري لا يمانع اذا تمت عملية سحب الثقة من حكومة نوري المالكي في مجلس النواب شرط الاتفاق والتفاهم على البديل مسّبقا، وهو ما عده ابن طوريج مساسا بمقامه وتطاولا على معاليه فاتصل شخصيا بنائب رئيس مجلس النواب قصي السهيل وهو من الكتلة الصدرية وقال له بالنص: (هاي شنو مولانا.. الصدريين طابكين مع البعثيين وعزة الدوري)، وطابكين في اللهجة العراقية الشعبية تعني متفقين او متطابقين!؟ فابدى قصي دهشته من هذا الكلام الذي باغته على حين غرة فتساءل وهو في حيرة: شنو الموضوع؟ فقرأ نوري على مسامعه تصريح الكناني ومضى قائلا: عرس أمير الكناني إجه (جاء) مع عرس عزة الدوري علي! وبقية الحديث عند السهيل.

ويا عزة الدوري زد في خطاباتك وإكثر من تهديداتك لنوري المالكي وعصابته شرط ان تظل مرتديا (الخاكي) ورتبة المهيب على كتفيك رغم علمنا بانها رتبة فخرية او رمزية ولكنها تفعل فعلها في قلب المالكي الذي ما زال يخفق من الخوف ولم تنفعه المهدئات ولا (الترياق) الايراني الذي يبدو انه قد أدمن عليه، وبارك الله فيك وفي جهدك ومثابرتك واقتدارك وايضا بصوتك الذي يلعلع ويهّد (حيل) المالكي الذي فقد ظله وكذلك عقله بخطاب واحد منك.

* كاتب وسياسي عراقي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة