أوباما بين النجاح الانتخابي والسقوط الأخلاقي
 تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ أبريل ٢٠١٢
بقلم: معن بشور*
إنها لمفارقة تاريخية لافتة ألا يتذكر الرئيس الأمريكي أوباما وهو في متحف المحرقة اليهودية، المحرقة الصهيونية في قطاع غزّة الفلسطيني، علماً أن المحرقة هنا كانت وصفا إسرائيليا لما يفعلونه في غزّة، وهي المحرقة التي بدأت بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، واستمرت أياماً بعد توليه الرئاسة.
وإنها لمفارقة تاريخية أيضاً الا يتذكّر الرئيس الأمريكي تاريخ المحارق الأمريكية المتعاقبة بدءاً من محارق أسلافه بحق الهنود الحمر، السكان الأصليين لما سمي فيما بعد أمريكا، ومحارقهم النووية في اليابان وحكومتها على وشك الاستسلام في الحرب العالمية الثانية، ومحارقهم الشهيرة في فيتنام التي بدأت بكذبة أطلقها البنتاجون الأمريكي ليعود فيكذبها بعد أن قتل الملايين من الفيتناميين والأمريكيين، وصولاً إلى محارقهم المعروفة في العراق: محارق الحصار والعدوان والاحتلال التي ذهب ضحيتها مليونا عراقي بين طفل وشيخ، وامرأة ورجل... ناهيك عن محارق الأطلسي في ليبيا، والمحارق العديدة التي نفذها وكلاء واشنطن في العالم من إندونيسيا في أقصى الشرق إلى تشيلي في أقصى الغرب.
لقد انتقى الرئيس أوباما من كل هذه المحارق المأساة السورية التي سقط في أتونها الآلاف من مدنيين وعسكريين، موالين ومعارضين، والتي استغل فيها أوباما وحلفاؤه من حكومات الغرب وأنظمة المنطقة، مطالب مشروعة للشعب السوري لخدمة أجندات مشبوهة، واحتجاجات سلمية لخدمة مخططات الفتنة والترويع، وأججوا نار الصراع الأهلي في ظلّ وعود لم تتحقق بل سالت على جنباتها دماء كثيرة.
ربما كان وراء انتقائية أوباما هو شعور بالذنب وبالفشل معاً، شعور بالذنب تجاه بعض الأبرياء الذين وعدهم بالتدخل لإنقاذهم فلم يفعل، والشعور بالفشل لأنه اكتشف عجزا بنيويا في قدراته، وتطورا ملحوظا في ميزان القوى الدولي، لغير صالح واشنطن وحلفائها.
ولكن وراء هذه الانتقائية بالتأكيد أزمة أخلاقية عميقة تخترق السياسة الأمريكية التي باتت عبارة عن مهرجان انتخابي متواصل يراعي فيه المرشحون قوى النفوذ الصهيوني المتحكمة في مراكز القرار والتأثير ويتجاهلون أبسط المبادئ والقيم التي طالما تغنت بها الإدارة الأمريكية على مدى أكثر من قرنين.
إن النجاح الانتخابي المقرون بالسقوط الأخلاقي لن يؤدي إلا إلى التدهور المتزايد في سمعة واشنطن، كما نفوذها، كما إلى التأثير السلبي في مصالحها التي لا تحميها البتة القوة العسكرية، بل التجاوب مع حقوق الشعوب وإراداتها.
لقد بدأت أوساط أكاديمية وإعلامية (الإعلام الجديد) حتى عسكرية رحلة التحرر من سطوة النفوذ الصهيوني، وباتت تتحدث بصراحة عن العبء الذي بات الكيان الصهيوني يشكّله على المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وهو تطوّر يمكن أن يصبح حاسماً في ظلّ تحقق أمرين بالغي الأهمية:
١ـ حضور عربي، رسمي وشعبي، أكثر فعالية في الحياة الأمريكية، اقتصاداً وإعلاماً وسياسة وثقافة، يحوّل الأمة إلى لاعب في السياسة الدولية بدلاً من أن تبقى ملعبا، وأحيانا دمويا، كما هو حالنا اليوم.
٢ـ مبادرات ذات بعد عالمي تحاصر الارهاب الصهيوني وتكشفه أمام الرأي العام الدولي، كقوافل المتضامنين الأجانب برا وجوا وبحرا لكسر الحصار والجدار، وكقافلة العودة التي يقودها جورج جالاوي من برادفورد باتجاه غزة في ذكرى النكبة، وكملتقى مناهضة الأبارتايد الصهيوني الذي سيقام في جنوب إفريقيا في إطار اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في نهاية نوفمبر.
إن تحقيق هذين الأمرين لن يكون كفيلاً بإسقاط النفوذ الصهيوني في العالم فحسب، بل بمحاصرة داعمي الإرهاب الصهيوني على المستوى الدولي عن طريق محاصرة الكيان الغاصب ذاته بما يحرر الأمة بأسرها من هذه الغدّة السراطانية المتفشية في جسد الأمة والهادفة إلى تفتيت مجتمعاتها وتدمير كياناتها.
وإذا كانت انتقائية أوباما في متحف المحرقة اليهودية تعبيراً عن نفاق سياسي وأخلاقي قلّ نظيره، فإن انتقائية النظام الرسمي العربي في التعامل مع قضايا المنطقة هي وصمة جديدة في جبين نظام يتباهى بتمويل وتسليح صراعات أهلية، ويمتنع تماماً عن دعم المقاومة العربية ضد الاحتلال صهيونيا كان هذا الاحتلال أم أمريكيا أم غيرهما.
* الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي.
.