المستشار ثروت طه.. في ذمة الله
 تاريخ النشر : السبت ٥ مايو ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
عرفته في المسجد وخاصة في صلاتي الفجر والعشاء، وكنا بعد الصلاة نخرج سوياً نتحدث طوال الطريق في أمور شتى، وتوثقت هذه العلاقة المباركة حتى اتفقنا على يوم في الأسبوع نلتقي فيه حين شعرنا بأن هذه الدقائق المعدودة لا تشبع نهمنا للحديث والمناقشة، فجعلنا مساء يوم الخميس من كل أسبوع موعداً لنا نجتمع فيه، وداومنا على هذا اللقاء الأسبوعي حتى اختار أن يغادر مملكة البحرين لحاجة زوجه إلى الرعاية الصحية، وحاجته هو إلى أن يكون وسط أبنائه وأهله.
كان معنا في هذا اللقاء الأسبوعي الدكتور محمد حسن فتح الباب، مدير المعهد الديني في مملكة البحرين، وكنا لا نشعر بالوقت وهو يتسرب من بين يدينا لانشغالنا بالحديث في هموم الأمة وشجونها، وكان الوقت يمضي سريعاً، وداومنا على ذلك حتى أبدى لنا المستشار ثروت رغبته في مغادرة البلاد للأسباب التي ذكرتها آنفاً، واحترمنا رغبته رغم شعورنا بالأسف لهذا القرار المفاجئ الذي لم تتهيأ نفوسنا له، ولكن قدر الله تعالى، وما شاء فعل.
أقول رغم أن هذا القرار كان صعباً للدكتور محمد ولي فإننا وجدنا أن عذره كان مقبولاً، وأن حاجة أهله إليه، وحاجته هو إليهم تفوق رغبتنا في بقائه، وهذه هي الدنيا لقاء وفراق، ومجيء وذهاب، ولابد أن يعود المسافر إلى وطنه، وترجع الأطيار إلى آعشاشها.
وهكذا غادر المستشار ثروت وطنه الثاني البحرين إلى وطنه الأول مصر وترك لنا قيماً لا يمكن أن تنسى، فحسن شمائله، وإخلاص محبته، ولين جانبه، وعظيم تواضعه جعلنا نتعلق بإخوّته، ونأنس بالحديث معه، وكنا حين يتعذر علينا اللقاء لانشغاله هو، أو لانشغالنا نحن نشعر بالفراغ الكبير، وبالندم على ضياع ذلك اليوم من دون أن نلتقي، ولكن كنا نعزي أنفسنا بأننا سوف نلتقي في صلاتي الفجر والعشاء.
تداعت إلى وعيي ووجداني هذه الذكريات وأنا أتلقى نبأ وفاة أخينا المستشار ثروت طه من أخٍ عزيز عليّ هو الدكتور محمد حسن فتح الباب الضلع الثاني في اللقاء الأسبوعي المكون من المستشار ثروت طه، والدكتور محمد حسن، ومني.
ومعلوم أن (كل نفسٍ ذائقة الموت) كما قال الله تعالى.
وأن الموت ليس عدماً مطلقا وأن هناك حياة أخرى سوف يلتقي فيها الإخوان والأحباب ليستأنفوا ما بدؤوه في الدنيا من أخوّة إيمانية اجتمعوا
على الله وتفرقوا عليه.
ونرجو أن نكون ممن ذكرهم رسول الله (صلى اله عليه وسلم) الذين يحشرهم الله تعالى مع مَن أحبوا، ونشهد الله تعالى على أننا قد أحببنا أخانا المستشار ثروت طه، وتمنينا أن يدوم بقاؤه بيننا، ولكن أمر الله تعالى ولا رادّ له، ولا معقب عليه.
غاب عنا المستشار ثروت بجسده عن الأبصار، ولكنه بأخلاقه، وحسن سجاياه لن يغيب عن البصائر، فهو في سويداء القلوب، وسوف يظل صفحات جميلة في سجلات حياتنا، نذكر له تواضعه، وحسن أخلاقه، وحرصه على الحق فيما يأخذ ويدع من أمور وخاصة في مجال عمله المحفوف بالمكاره، وأذكر له موقفاً يدل على رقة قلبه ورحمته بالحيوان، وهذا الموقف لن أنساه له أبداً حين عدنا في يوم من الأيام من صلاة العشاء، ورأيته يتجه إلى أحد المطاعم القريب من منزله، فظننت نه يريد تناول وجبة العشَاء في هذا المطعم، فإذا به يشتري بعض الطعام، فسألته عن ذلك؟ فقال: هذا لقطة صغيرة تتمسح بي كلما مررت بها، وأظنها تفعل ذلك لأنها جائعة، وفعلاً رأيتها تجري إليه وتتمسح به، فوضع لها الطعام فأخذت تأكل بشراهة وكأنها لم تذق شيئاً من الطعام من قبل.
وقفت أتأمل هذا المنظر الذي يقطر رحمة وحناناً، وأكبرت له هذا الصنيع، وتذكرت ذلك الرجل الذي سقى كلباً كان يأكل الثرى من العطش (فشكر الله له، فغفر له) قالوا يا رسول الله: وإن لنا من هذه البهائم لأجراً؟ فقال: (في كل كبد رطب أجر) رواه مسلم.
وشعرت بأن هذا الرجل يحمل في قلبه صدقاً وإيماناً وإحساساً يجعله يسارع إلى نجدة الحيوان الأعجم، ويشعر بحاجة هذا الحيوان إلى الرفق والرحمة.
ذلكم هو المستشار ثروت طه الذي عشنا معه، وعاش معنا، ونعمنا بصحبته، وسعدنا بما يحمله بين جوانحه من حب وحسن خلق، ورغبة في العطاء والبذل.
رحم الله تعالى فقيدنا الغالي، وجعل كل ما قدم في موازين حسناته يوم القيامة، وألهم أهله ومحبيه وإخوانه الصبر على غيابه، والتأسي بأخلاقه، وحسن تعامله مع الآخرين.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
.