هل تكون الكيمياء الخضراء بديلا عن النفط؟
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٨ مايو ٢٠١٢
يشح النفط على نحو متزايد، وبالتالي يجب على أصحاب القرار في مجال الصناعات الكيميائية إعادة النظر فيما يتعلق بالمواد الخام التي يتم استخدامها، ويمكن مثلاً في المستقبل استخدام المواد الحيوية في تصنيع البلاستيك ومواد الدهان.
لم تعد سمعة الصناعات الكيميائية عند أصدقاء البيئة في ألمانيا سيئة كما كانت قبل ٢٠ عاما، وعلى سبيل المثال نذكر أن الكتلة البرلمانية لحزب الخضر في (البوندستاغ) الألماني أكدت في عام ٢٠٠٩ أنه ليس هناك تصور لوجود الإنسانية بعيداً عن الصناعات الكيميائية وأن هذه الصناعات تعتبر المحرك للاقتصاد في ألمانيا. ما أراد حزب الخضر بهذا الاعتراف التملق، ولكنه أراد من أصحاب القرار في الصناعات الكيميائية أن يمضوا قدما في جهود حماية البيئة، وأن يصنعوا على سبيل المثال كميات كبيرة من المواد البلاستيكية التي تتحلل مع مضي الوقت.
الصناعات الكيميائية والبيئة
«من دون التعاون مع قطاع الصناعات الكيميائية لا يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتوصل إلى هدفه بحلول عام ٢٠٥٠ بأن يخفض من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى نسبة ٨٠% من معدله الحالي»، هذا ما أدلى به البروفيسور (أوفه لال)، الذي أمضى مدة ثماني سنوات في عمله في وزارة البيئة مفوضا لسياسة البيئة ومن الداعين للمضي قدماً فيما يسمى «سياسة الكيمياء الخضراء».
في دراسة له بعنوان «البيئة والكيمياء الخضراء» أنجزها لمؤسسة هاينريش بول، وضع أوفه لال حجر البناء فيما يتعلق بالصناعات الكيميائية المستدامة وكيف تتم بشكل مختلف عن ذي قبل. ويطالب أوفه لال بإدخال إلزامية صناعة اللدائن التي تتحلل بشكل طبيعي بعد مرور بعض الوقت على استخدامها. ويضيف قائلاً «نحن نتساءل ببساطة لماذا يجب أن تبقى العبوات الصناعية قابلة للاستعمال أكثر من ١٠٠ سنة؟». لذلك يجب على الساسة أن يحددوا للصناعات مسبقاً عمر العبوات، علاوة على ذلك يجب أن تكون هناك إمكانية تفتيت البلاستيك وإعادة تصنيعه، ويقول مطالبا: «يجب أن يكون من الممكن تفتيت المكونات الأساسية للمواد البلاستيكية المستخدمة ومن ثم إعادة تصنيعها مرة أخرى من دون فقدان النوعية الجيدة للبلاستيك». ويضيف: «إذا كلل هذا العمل بالنجاح، فسوف تكون هذه المواد البلاستيكية من أكثر المواد مبيعاً في العالم».
مواد كيميائية من مصادر خام متجددة
الهدف الأول عند أوفه لال هو تخفيض استهلاك الطاقة والمواد الخام في قطاع الصناعات الكيميائية، لذلك ينبغي للشركات الكيميائية أن تعتمد في إنتاجها على محفزات أكثر فعالية وأكثر كفاءة، وأن تستخدم الطاقة الشمسية وتعول على المواد الطبيعية بشكل أكبر، وأن تنتج المواد الكيميائية الأساسية المستخدمة في المنتجات الصناعية من جذوع الذرة وبقايا الخشب، عدا ذلك ينبغي تفعيل استعمال البكتيريا والخمائر التي يتم إنتاجها في مصافٍ بيولوجية مناسبة بها.
وأوفه لال يعتقد أنه بحلول عام ٢٠٥٠ يمكن أن يكون أكثر من ٨٠% من جميع المواد الكيميائية مستخرجة من موارد خام متجددة، حيث وصلت إلى الآن نسبة المواد الأولية المستخدمة في الشركات الكيميائية في ألمانيا والمستخلصة من النباتات والأشجار إلى ١٠%، وهي تُعد خصيصاً لاستخدامها بشكل كبير في صناعة المواد اللاصقة والمنظفات.
شكوك أصحاب القرار
ويعتبر اتحاد الصناعات الكيميائية رؤية أوفه لال مثالية، وبهذا الخصوص صرح أوتز تيلمان رئيس الاتحاد بأنه «بالإمكان إنتاج المواد الكيميائية الأساسية مثل زيت الأثير من السكر أو السيليلوز في المختبرات، ولكن هذا سوف يكون مكلفا جدا»، ويضيف أن «المواد الطبيعية لا يمكن أن تبدل الكمية المستخدمة من البترول». ويوضح بمثال قائلا: «بعض المصانع الكيميائية الحديثة تستخلص من البترول ٨٠٠ ألف طن من زيت الأثير، ولكن لاستخلاص هذه الكمية من هذا الزيت من قصب السكر البرازيلي نحتاج إلى مساحة ٢٢٠٠ كيلومتر مربع لزراعة هذه النبتة، وهي مساحة تعادل مساحة لوكسمبورغ. ولإنتاج مثل هذه الكمية من زيت الأثير من الخشب سوف نحتاج إلى مساحة زراعية أكبر بكثير».
أراض صالحة للزراعة من أجل الصناعات الكيميائية
يعارض البروفيسور أوفه لال هذه الحجج، فوفقاً لحساباته «تكون مساحة مليوني كيلومتر مربع، كمساحة المكسيك مثلاً، كافية لتوفير المواد الخام المتجددة للشركات الكيميائية في جميع البلدان»، ومع هذا كله يرى الخبير الكيميائي أنه «ليس هناك أي تضارب مع الصناعات الغذائية».
حاليا يستخدم المزارعون حوالي ١٥ مليون كيلومتر مربع لإنتاج محاصيل الأغذية والأعلاف، ولكنهم تخلوا في السنوات الأخيرة بسبب انعدام الدخل أو بسبب الإدارة غير الصحيحة عن حوالي ٤ ملايين كيلومتر مربع من هذه المساحة الإجمالية. وبعبارة أخرى يقول أوفه لال: «إذا كان هناك سياسة سليمة ومعقولة في استخدام الأراضي الزراعية فسوف تكون هناك مساحات كافية لذلك».
الصناعات الكيميائية واعادة
النظر في سياساتها
وبالنسبة إلى الخبير الكيميائي «أوفه لال»، فإن الأمر واضح بأن تحويل موارد المواد الخام للصناعات الكيميائية يستغرق وقتاً طويلاً، حيث تحتاج مختبرات الجامعات والشركات إلى الكثير من البحث والتطوير في هذا المجال، ولكنه ينتظر إشارة من أصحاب القرارات السياسية. و«يجب عليهم أن يدفعوا باستخدام المواد الحيوية في الصناعات الكيميائية إلى الأمام، وينبغي استخدام المواد الحيوية يس لمرة واحدة بل إعادة استخدامها إلى أن يتم توظيفها في مجال الطاقة قبل نهاية دورة حياتها».
يريد أوفه لال أن يعطي الأولوية للصناعات الكيميائية في استخدام وتوظيف المواد الحيوية قبل توظيفها في مجال الطاقة، فعنصر الكربون الكيميائي لا غنى عنه في تصنيع منتجات مثل البلاستيك والمواد الصيدلانية والمبيدات الحشرية والمنظفات. من ناحية أخرى هناك إمكانية توليد الطاقة عن طريق الرياح والشمس والماء وأيضاً عن طريق الحرارة الأرضية الباطنية. وبما أنه تستخدم حاليا جذوع الذرة والمخلفات الخشبية في توليد الطاقة، يدعو أوفه لال إلى إعادة النظر بذلك، ويحث أصحاب القرار السياسي على اتخاذ التدابير والقرارات لتفعيل استخدام المواد الحيوية في الصناعات الكيميائية بشكل تصاعدي.
.