نعم مع الحرية وضد «التمترس» الطائفي
 تاريخ النشر : الخميس ١٠ مايو ٢٠١٢
بقلم: د. نبيل العسومي
لا شيء يدعو إلى السخرية والحزن في ذات الوقت مثل رؤية تلك الصورة الجماعية البنفسجية بمناسبة اليوم العالمي للصحافة لمجموعة من الزملاء والإعلاميين الذين وقفوا تعبيرا عن الاحتجاج وعن المطالبة بالديمقراطية والحرية، ويا للغرابة والقول: انه ( لا ديمقراطية في التعبير ولا حرية في الإعلام والصحافة)، وكذلك المطالبة بإرجاع الصحفيين والإعلاميين الذين فصلوا على خلفية الأحداث التي شهدتها البحرين.
وجه الحزن في هذا الموضوع هو هذه اللغة الخشبية المشتقة من خطاب المعارضة العمياء التي لا ترى حرية ولا ديمقراطية ولا إصلاحا، إنها ترى السواد والظلام والعسف والظلم والاضطهاد إلى آخر ذلك المسلسل من الكلام الذي اصبح من دون معنى.
ومصدر الحزن أيضا هو الاستمرار في الكذب وراء الكذب وراء الكذب فمساحة الحرية في البحرين لا سقف لها سواء في الإعلام المكتوب أو الإعلام الإلكتروني، فجميع الأفكار تجد طريقها إلى النشر ولم نسمع بأحد فصل من عمله لأنه أبدى رأيا مخالفا للرأي الرسمي، ولم نسمع بأحد منعت مقالاته وأفكاره من النشر، أما الذين فصلوا من العمل لأسباب مهنية أو لأنهم خانوا الأمانة أو لأنهم أخلوا بشروط العقد مع المؤسسة الإعلامية فذلك أمر لا علاقة له بحرية الصحافة وإنما له علاقة بقوانين العمل وشروط العقود والعقد شريعة المتعاقدين، حتى الصحفيون الذين فروا من البلاد بعد الأزمة فذلك مرتبط بتكتيكات وخطط المعارضة المعروفة ليقيموا معززين مكرمين في بيروت ولندن، فتلك قضية أخرى يعلم القاصي والداني فصول حكايتها والمنظومة التي تقف وراءها، فقد خرجوا من مطار البحرين الدولي ولم يوقفهم أحد ولم يصدر في حقهم مذكرة جلب ولم يتم تحريك أي قضية ضدهم وإنما كل ما في القضية انهم خرجوا بعد فشل محاولة الانقلاب في إطار توزيع للأدوار وتلك قضية معروفة أيضا ومعلومة ومكشوفة، فمن يدفع الملايين من الدولارات والجنيهات لمثل هؤلاء ليستقروا في الدول الأوروبية معززين مكرمين يرفلون في ثياب البهجة والمتعة ويتخصصون في شتم البحرين وحكومتها في مختلف وسائل الإعلام؟
مصدر السخرية في هذه العملية المضحكة أن الذين وقفوا ابان الأحداث ضد الشرعية وضد القانون والدستور ولم يحاكموا أصلا هاهم يلبسون الشارات البنفسجية مبتسمين في صور جماعية بالرغم من أن ما اقدموا عليه من أفعال وفقا للقانون كانت مجرمة، وتخيلوا لو أن مثل هؤلاء قد فعلوا مثلما فعلوا في طهران فكيف سيكون مصيرهم حتى إن كانوا يؤمنون بولاية الفقيه؟
مصدر استغرابي هنا أن الذين اخطأوا في حق الوطن وأنفسهم وساروا وراء مطالب وهمية وأسهموا في خلخلة الأمن الاجتماعي وتخريب صورة وطنهم يحاولون اليوم إظهار أنفسهم بأنهم مظلومون ومضطهدون في حين انهم الظالمون المضطهدون لغيرهم بتجسيد أقلامهم وجهودهم لمحاربة الشرعية وتخريب صورة بلدهم في الخارج والداخل.
نعم، نحن بكل تأكيد مع حرية الصحافة وحرية التعبير وضد أي تعسف يمارس ضد الصحفيين بل مع حرية الإبداع إلى أبعد الحدود حيث لا يحاسب صحفي واحد على رأيه فقد قالها عاهل البلاد المفدى في أكثر من مناسبة وبكل وضوح إنه يرفض أن يتم حبس صحفي واحد بسبب ما يكتبه أو ما يراه من رأي.
نعم، نحن مع حقوق الصحفيين كاملة وضد فصل الصحفي لأسباب تتعلق برأيه، ولكننا لا يمكن أن نكون ضد فصله عندما يتعلق الأمر بمخالفات مهنية أو بالإخلال برسالته الإعلامية، فهذا أمر لا يمكن الاتكال عليه للحديث عن الاضطهاد والظلم، فالذين تركوا مواقع العمل ابان الأزمة محاولين إفشال المؤسسات الإعلامية يتحملون مسئوليتهم المهنية والقانونية لأن بينهم وبين المؤسسات الإعلامية عقود تتضمن شروطا ومبادئ ومن أخل بها لا يدعي بأنه مظلوم أو مضطهد.
نعم، نحن مع الحرية الكاملة: حرية الكلمة والتعبير والإبداع وضد فصل الصحفي بسبب أفكاره وآرائه ولكننا مع ذلك لا يمكن أن نقبل بمثل هذا النوع من الكذب والتهريج الذي تمارسه قلة فقدت بوصلتها في زحمة الأزمة، ونتمنى لها أن تستعيد وعيها الغائب لتعود إلى ممارسة عملها وفقا للمهنية ووفقا للمصلحة الوطنية وبعيدا عن «التمترسين» الطائفي والفئوي.ئ
.