الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٦٦ - الخميس ١٠ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


خطاب التفرقة بين فعاليته وفائدته





منذ بداية الحياة والنداء بالخطاب الجامع الذي يوحد صفوف البشر ويدعو إلى التجمع والتوحد والتسالم والتسامح والتعايش بلا استثناء حتى دب الخلاف البشري ليصعد بخطابه إلى التنافر والتناحر والتشاجر، ما كان للخطاب الموحد أن يفرق صفوف البشر وجاء الخطاب المختلف ليعصف بصور التوافق البشري بين أبنائه.

ومع تقدم السنين والأزمنة وتعصرنها بالحداثيات والعصرانية وُجدت دساتير عُملت لتلغي حدة الاعتداء في الخطاب والخطاب المقابل، فكانت النتيجة حواريات مستمرة تقوم على أساس العرض والطرح من دون المساس بحدود الآخر، وفي تقدم العصور بعدُ، نصت القوانين الحديثة على قيام مبادئ حقوق الإنسان وتطبيقها بشكل عملي، إذ شملت المبادئ احترام الرأي والرأي الآخر، واحترام الآخر وخصوصياته، وتمدنت الحواريات لتكون مناظرات عالمية علنية يفصل فيها أهل العقل والحس الحقوقي.

الخطاب الديني يتصدر كل خطاب في العالم، الخطاب يتغير في كل عصر وزمن لكن الأول لا يتغير نسبة إلى انتمائه إلى ضروريات وفروض سماوية اعتنت به من أجل نماء المجتمع الإنساني، الخطاب الديني توسع ليشمل جميع جوانب الحياة ويسع كل الطوائف ويخاطب كل الأعراف والأطياف لما له من قوة تأثير قائدة واحترام لهيبته الوجودية.

استغلت فئات عديدة هذا الخطاب الديني لتتمكن من كبت أو فتح أو غلق مشاريعها أو توسعتها، وقد نجحت أجندات عالمية في تجنيد ملايين المتطوعين في فرض خطاب يساوم الشعوب باسم الدين وأدخلت تلك السياسات المتبعة للأجندات الخارجية الدين في كل صغيرة وكبيرة مما مكنها من ممارسة وصايتها وتحجيم بقية الخطابات المعتدلة لصالح الخطاب المتطرف.

نقلة كبيرة حصلت في الخطاب الديني من مسئول عن التوحيد والشريعة والبناء وما يهم الناس وما يحتاج إليه المجتمع إلى وصي يفرض القول ويرفض رده بحكم الشرع، ما جعل الكثير من الديانات تقف أمام الخطاب الديني موقف الرد منه بل وصل الأمر إلى استهجان الخطاب الديني المتطرف وحسابه تعميماً على الدين كله.

المفروض في عالم الدين أن يرجع إلى الشريعة الإسلامية في سلاسة الخطاب الجامع وتمكنها من فرض مطالبها من دون أن ترد من عقل البشر لما فيها من الاعتدال والوسطية وأمر مصالح الإنسان.

في البحرين وكسائر البلدان بلغ حد الخطاب الديني التطرف مما لا شك فيه، ولو كان الخطاب في نظر زيد من الناس عدلاً وصدقاً ففي نظر زويد من الناس خطاب طالح مالح، لا طعم له ولا معنى سوى تحطيم هوية الإسلام بخطابات ركيكة كهذه.

العدل في أن يكون الخطاب متوافقاً مع الحاجة الإنسانية معتدلاً بالصورة الشكلية متوحداً بالصورة الضمنية، قاصداً صلاح البشرية بلا أضواء وخطوط حمراء وتعال وتباه وتجاوز للقانون وفرض الوصاية على الناس، خطاب كهذا يلغي صورة الخطاب الديني إلى رسمه خطابا سياسيا يفتقد المصداقية في طرحه والمعنى الحقيقي من عرضه، وتبقى التساؤلات التي تثير عقل وقلب المستمع إليه ماذا يريد العالم الكبير من طرح هذه الخطابات الملتوية والمعوجة في منهجها والخاوية من مضمون نافع؟

ألقى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله ورعاه على مدى ٥٠ عاما أكثر من ١٠٠٠٠ خطاب ولفتة لم يخل واحد منه ومنها من موعظة حسنة ونصيحة تتبلور بتطبيقها في السمو الإنساني للمواطن البحريني، بينما ألقى أكبر خطباء البحرين عُدة وعدداً على مدى ١١ سنة ٥٤٥ خطابا لم يخل معظمها من كلمة تدعو إلى التفرقة والفتنة ولو بنحو الجهل أو عدم القصد، وهكذا حال الكثير من الخطباء والمتكلمين الذين يخلطون بين الخطاب الديني والخطاب السياسي وينتقلون لخطابات ليبرالية وراديكالية وعلمانية واسلامية.

الفارق ليس في الخطيب او المتكلم إنما في الخطاب الموجه، والبحرين بلد نشأ على بناء الأوطان وتعميرها، وليس من الضروري أن يكون الخطاب من عالم كبير بل حتى صغار العلماء والعقلاء والوجهاء، إذ ان الخطاب لابد أن يحمل هم الوطن في البداية والنهاية، ويشعل الحرقة الوطنية التي تنشئ المزيد من السعي الوطني حبا في الوطن وتصديقا للانتماء الوطني.

ما عهدنا من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه على مدى ١٢ عاما من خطاب يفقد الثقة والهوية الوطنيتين، إنما كل خطاباته تؤكد التسلح بالتعاون والاتحاد والتسامح من اجل الوطن، وفي اكثر من ١٨٠ خطابا ساميا لجلالته، خطاب كهذا يبني يعطي يغني يحمل الأمانة من مسئولية اللسان وصونه لما يخدم البشرية.

إن تطلعنا اليوم إلى أن تعود العقول إلى محلها وترشد وتسترشد لكيفية الانحناء عن الخوض في خطابات مسيسة لا تخدم الدين ولا الوطن ولا الانتماء الوطني، أعداؤنا كثيرون يتربصون بنا الدوائر ليكيدوا لنا ويكيلوا بالمكاييل أضعافاً، متخبطين في طريقهم، معوجين في طياتهم مقوسة طلائعهم، وبتلك المكاييل تخذل الأوطان وتباع، فإلى الأحبة الخطباء والعقلاء والمتكلمين لتكن شريعتنا الإسلامية أسوتنا في الخطاب والكلام أسوة بسيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام ونتخذ قيادتنا الرشيدة وجهاً مضيئاً لتنير معاييرنا في اختيار الكلمات المناسبة في المحافل.

حمى الله البحرين.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة