متى سيتوقف الدعم الأمريكي للحراك الانقلابي؟
 تاريخ النشر : الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢
بقلم: د. نبيل العسومي
خضعت مملكة البحرين ـ خلال الفترة الماضية ابتداء من الأزمة المفتعلة التي تمت فبركتها من خلال قوى التأزيم المرتبطة بأجندات خارجية ـ خضعت إلى ضغوط استثنائية تتجاوز طاقتها على الاحتمال، ضغوط لم تتعرض البحرين لها على مدار تاريخها القديم والحديث، وهذه الضغوط تتخذ ٣ أشكال:
١ - الضغط الدبلوماسي الصادر عمن نعتبرهم أصدقاء وحلفاء تربطنا معهم علاقات سياسية واستراتيجية منذ أكثر من قرن من الزمان وتحتضن بلادنا أسطولهم البحري الخامس ، وتعتبر البحرين جنوده ضيوفا أعزاء علينا مكرمين معززين تقدم لهم كل الراحة وهو بالمناسبة أهم اسطول خارج بلادهم، وهذا الضغط هو ضغط الإدارة الأمريكية التي لم تتوقف عن الضغط على البحرين على مدار أكثر من سنة وثلاثة اشهر خضعت لها البحرين إلى سلسلة من الزيارات المكوكية والرسائل الضاغطة والتصريحات المعادية التي كان هدفها إحراج مملكة البحرين، هذه الدولة الصغيرة المسالمة التي لم تتدخل في الشئون الداخلية لأي بلد من بلدان العالم للدفع بها إلى الاستجابة لطلبات الحراك الانقلابي المعادي للدولة واستقرارها والطامع في الاستيلاء على السلطة بأي طريقة كانت، وقد تمثل هذا الضغط في عناصر عديدة تبدأ من رئيس الإدارة الأمريكية شخصيا السيد أوباما وتمر بوزيرة الخارجية السيدة كلينتون وتصل إلى نواب رئيسة الدبلوماسية الأمريكية والناطق الرسمي باسمها وأعضاء الكونجرس، وقد سمعنا خلال الفترة المذكورة ما يزيد على عشرة تصريحات تصب جميعها في هذا الضغط الذي لا يمكن تحمله من دون اظهار ما يبين تفهم الإدارة الأمريكية لحقيقة الوضع أو تقديرها لحساسية الوضع البحريني وحقيقة مساحة البلد جغرافيا وسكانيا وحساسية موقعها الجغرافي والاستراتيجي والسياسي، ولذلك بدت تلك الضغوط التي لم تعط أي اعتبارات للعلاقات التاريخية المتميزة بين البلدين أي اعتبار في أوجهها المختلفة كأنها معادية للدولة البحرينية ومتجاوبة ومنسجمة مع محاولة الانقلاب الشهيرة التي اتخذت شكل الدعم المباشر للحراك المعارض وتأييده بالرغم من ظهور كل المؤشرات والدلائل التي تؤكد انه حراك انقلابي معاد للبحرين وشعبها وبعيدا كل البعد عن الديمقراطية التي تنادي بها أمريكا، وانه حراك طائفي متعصب ومعاد لمفاهيم الدولة الحديثة وقيم الحداثة التي تظهر بشكل رئيسي في معاداة هذا الحراك لدولة القانون والدستور، والوقوف وراء نشر الفوضى والتحريض على العدوانية والقتل والتخريب، بالإضافة إلى التركيز في الطائفية، هذا الحراك الذي يحكمه رجل دين ويتحكم فيه وهذا كله دفع بقسم كبير من المجتمع البحريني إلى الاعتقاد أن الإدارة الأمريكية الحالية هي إدارة معادية للبحرين ولشعب البحرين، وولد استياء شديدا لدى أغلبية الشعب البحريني من هذا الموقف الأمريكي المعادي للبحرين، وأنها شريك في الجريمة التي تحاك ضد البحرين وشعبها واستقرارها ووجودها.
٢ - يتمثل في التمويل المباشر وغير المباشر للحراك الانقلابي بما في ذلك توفير التغطية الإعلامية المنحازة في القنوات والصحف والمجلات الأمريكية التي انضمت إلى جوقة القنوات والصحف الطائفية في إيران والعراق ولبنان لتشويه الحقائق والتغطية عن الجرائم والتجاوزات اليومية التي ترتكبها جماعات التخريب المبرمج، بالإضافة إلى النفخ في صورة بعض المعارضين بتصوريهم كأنهم مناضلون حقيقيون وسلميون في حين أنهم خارجون عن القانون ومخربون لاستقرار المجتمع ومتواطئون مع الخارج ضد هذا المجتمع، وقد بدا واضحا للمتابع تحركات عناصر المعارضة وأسفارها ومؤتمراتها في الخارج ممولة من الجهات الغربية بشكل واضح حيث يطرح هذا التحرك المكثف سؤالا مشروعا حول من يمول السفر بالطيران على الدرجة الأولى لتلك العناصر؟ ومن يمول الإقامة في فنادق الخمس النجوم؟ ومن يمول التنظيم والبث الفضائي واستضافة عشرات المعارضين والإعلاميين في أرقى الأحياء والبيوت؟
٣ - يتمثل في هذا السكوت إلى درجة التواطؤ عن الجرائم اليومية التي يرتكبها الخارجون عن القانون وتصويرها إعلاميا على أنها تجمعات أو مظاهرات سلمية من دون الإشارة من بعيد أو قريب إلى حجم الحرائق والقتل والخراب والاعتداء على المواطنين والمقيمين في بيوتهم وسياراتهم وفي الشوارع وفي كل مكان مما أثر سلبا في أمن واستقرار المجتمع البحريني وفي مستويات التنمية وفرص الاستثمار التي تقلصت كثيرا بسبب هذا الحراك غير العقلاني وغير السلمي والمعادي للبحرين وأهلها، فإذا كان أحد رموز العدوان يتحدى يوميا رجال الأمن وينظم تجمعات غير مرخصة ويستهزئ برجال الأمن ويتحرش بالجهات القضائية والأمنية حتى يتم اعتقاله ليتحول هذا الاعتقال إلى معركة جديدة بدعم مباشر من الدوائر الغربية وخصوصا الأمريكية تحديدا.
هذه الأوجه الثلاثة للضغط على الدولة البحرينية وعلى المجتمع البحريني يعتبر أسوأ أشكال التآمر الأمريكي المباشر على بلد صغير مسالم مثل البحرين الذي ليس بوسعه أن يتحمل هذه الدرجة من التآمر عليه، ومن صديق يكن له كل التقدير والاحترام وحليف استراتيجي قديم، ولذلك فإننا نعتقد أن القراءة الأمريكية للحالة البحرينية هي قراءة مختلة وغير حكيمة، وسوف يبين المستقبل للجميع أن الأخطار التي يشكلها الحراك الانقلابي سوف يمس الأمريكان كما سيمس المصالح الأمريكية في نهاية المطاف وسوف يؤثر سلبا في التحولات نحو الديمقراطية الحقيقية، وعليه فإننا نرجو صادقين من الأصدقاء الأمريكان أن ينتبهوا لمخاطر هذه الهجمة وهذا الضغط على البحرين، وأن يتأكدوا أن مصلحتهم ومصلحة الديمقراطية هما في دعم النظام البحريني القائم بكل قوة ووضوح باعتباره حليفا استراتيجيا وتاريخيا للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، والتوقف عن دعم هذا الحراك الطائفي الذي سبب للبحرين المصائب والانقسامات بين أبناء الوطن الواحد.
.