البحرين وإمكانات استشراف مستقبل الصيرفة الإسلامية
 تاريخ النشر : الخميس ١٧ مايو ٢٠١٢
بقلم: د. أسعد حمود السعدون
شهدت مملكة البحرين في السابع من مايو الجاري، انعقاد مؤتمر العمل المصرفي والمالي الإسلامي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية الحادي عشر مفتتحا بكلمة للاستاذ رشيد المعراج محافظ المصرف المركزي البحريني الذي أكد أن المملكة ستحافظ على دورها الريادي في المصرفية الإسلامية، متوقعا ان يسجل القطاع معدلات نمو متصاعدة؟ مفصحا عن السياسات التطويرية في الهندسة المصرفية والمالية الاسلامية التي يسعى مصرف البحرين المركزي إلى تنفيذها وخاصة في مجال «اطلاق منتجات مصرفية جديدة من قاعدة (الشريعة) لا أن يتم تصميم المنتجات المصرفية (بالقواعد التقليدية) وإضفاء لمسات إسلامية عليها تجعلها متوافقة مع الشريعة. وأن هذا التطور في أسلوب وأداء البنوك الإسلامية سيجعلها تخطو خطوات مهمة في المستقبل، وتتفادى الأزمات التي قد تنتج من وراء المنتجات أو الخدمات المصرفية التقليدية».
ان السياسة التطويرية في آليات الهندسة المالية الاسلامية الجديدة لمصرف البحرين المركزي هي نتاج خبرات متراكمة تعكس الدور الريادي للمملكة عبر تطبيق أفضل الممارسات الداعمة للمؤسسات المالية والمصرفية الاسلامية بما يعزز قدرتها على ابتكار الأدوات وتطوير المنتجات، ويقوي ارتباطها بالاقتصاد الحقيقي وأصوله التنموية، واعتماد توليفة من الحوافز والنظم والاستشارات والخدمات التقنية المساندة وتوطين وتوسيع البنية التحتية للاقتصاد المعرفي في حقول الاتصالات والحاسوب والمعلومات والاستخدام الفاعل والأمثل لها بما يواكب مسيرة التقدم العلمي والتكنولوجي واستثمار ذلك لدعم النشاط المصرفي الاسلامي وتعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية والإفصاح في مفاصله وهياكله المختلفة، فضلا عن إنشاء سلطات رقابية شرعية وفنية عادلة وعلى درجة عالية من المهنية والكفاءة، ودعم واحتضان وتوطين للهيئات والمؤسسات المساندة للمؤسسات المالية والمصرفية الاسلامية كهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية؟ والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الاسلامية، والسوق المالية الاسلامية؟ والوكالة الاسلامية الدولية للتصنيف ومركز إدارة السيولة وغيرها من المؤسسات، والتنظيم الدوري للمؤتمرات والندوات وورش العمل التي تعالج القضايا المختلفة للمؤسسات المالية والمصرفية الاسلامية فكرا وتطبيقا وبما يؤدي إلى المزيد من الكفاءة والتطوير والتنافسية ويقود إلى المساعدة في تصميم تقنيات جديدة ومبتكرة لهندسة مالية اسلامية تستجيب للتطورات المعاصرة في مجالات التمويل والاستثمار، وصياغة حلول إبداعية وقائية للحد من تداعيات الازمات المالية والاقتصادية الاقليمية والعالمية؟ وان ذلك يتطلب موارد بشرية على مستوى متقدم من التأهيل والتدريب والتعليم المالي والمصرفي الاسلامي يتنامى طرديا مع ما تشهده المؤسسات المالية والمصرفية الاسلامية من نمو مطرد، مما يحتم على مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وفي إطار التكامل بين متطلبات سوق العمل والتعليم؟ ضرورة احداث تحول ملموس في البنية التحتية الأكاديمية المؤهلة للموارد البشرية التي تحتاج إليها المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية يرتقي بالمبادرات والجهود التي بذلتها المؤسسات المالية الإسلامية لتأهيل العاملين فيها عبر إنشائها مراكز تدريب وتأهيل ومعاهد متخصصة بالمصرفية الإسلامية، التي لم تعد تتناسب مع حجم التوسع العمودي والافقي، الكمي والنوعي والكيفي الذي تشهده المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية في الوقت الحاضر والمستقبل بعد ان ادرك العديد من البلدان مزايا وعوائد المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية التي اثبتت جدارتها في تخطي المراحل والتحديات التأسيسية والتنافسية التي مرت بها عبر ما يزيد على نصف قرن من عمرها الذي يعد فتيا مقارنة مع المصارف التقليدية؟ وتجاوزت تداعيات الازمة المالية العالمية بأقل قدر من الخسائر بينما أطاحت الازمة بمؤسسات مالية ومصرفية تقليدية عتيدة؟ فبرهنت على قوة ونجاعة ومصداقية مزاياها التمويلية وقيمها ومعاييرها الاخلاقية مما دفع دولا ذات قدم راسخة في المصرفية التقليدية كفرنسا وبريطانيا إلى وضع سياسات جديدة لاستقطاب المؤسسات المالية والمصرفية الاسلامية على جميع الأصعدة المؤسسية والتعليمية والبحثية والاستشارية لاجل الهيمنة على الوفورات المالية والاقتصادية التي تحققها ودفعها للتسابق في الفوز بأن تكون مركزاً للتمويل الإسلامي في أوروبا فراحت تفتح الأبواب والنوافذ للفوز في توطينها؟ فتباشر بناء بيئة تشريعية وضريبية وتنظيمية وتعليمية جاذبة وتأسيس مصارف ومؤسسات مالية إسلامية وتعلن إشهار مراكز أبحاث وكليات ومعاهد متخصصة بالصيرفة الإسلامية وتضيف مقررات دراسية للاقتصاد والتمويل الإسلامي إلى مناهج جامعاتها العريقة. مثال ذلك ما شهدته فرنسا فقد قامت منظمة باريس يورو بليس، وهي منظمة تهدف إلى تعزيز اعتماد باريس كمركز مالي، بانشاء لجنة التمويل الإسلامي عام ٢٠٠٧، ثم قامت هيئة الأسواق المالية الفرنسية، بإصدار تشريعين تسمح فيهما لصناديق الاستثمار المتوافقة مع الشريعة الاسلامية والصكوك بالإدراج في بورصة باريس، واصدرت الهيئة بالتعاون مع وزارة الصناعة والتجارة والعمل عدة أنظمة ضريبية وخاصة بالهندسة المالية الاسلامية. كما شهدت اواخر عام ٢٠٠٨ إنشاء لجنة الشريعة الأولى للتمويل الإسلامي. وفي عام ٢٠٠٩ تم تعديل المادة رقم ٢٠١١ من القانون المدني الفرنسي المتعلقة بتشكيل وتفسير مبدأ الثقة في العقود، باعتباره خطوة مهمة نحو السماح بإصدار الصكوك الاسلامية، وطرح عدد من الكليات والمعاهد العليا برامج تعليمية في التمويل الإسلامي، مثل كلية ريمس للإدارة، جامعة باريس دوفين، جامعة غرونوبل، والمعهد الفرنسي للتمويل الإسلامي وغيرها. وعلى الصعيد الاقليمي تتسابق عدة دول مجاورة للتحول إلى مراكز متقدمة للتمويل والتعليم المصرفي الاسلامي على الرغم من انها لا تمتلك البنية التحتية والمؤسسية الكافية مقارنة مع مملكة البحرين التي هي الأقدر على انجاز هذه المهمة التي تعد مفصلية في الحفاظ على رياديتها واسبقيتها واستقرارها كقاعدة اقليمية للمؤسسات المالية والمصرفية الاسلامية وربح رهان التسابق الاقليمي والعالمي الذي هو نتاج حزمة من العوامل المتفاعلة التي تتمحور حول بيئة الاقتصاد والمجتمع البحريني؟ في مقدمتها دعم واحتضان قيادة البلاد، حيث كانت ولم تزل؟ توجيهات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى قوة الدفع الأساسية للارتقاء بالصناعة المصرفية الإسلامية؟ وعد البحرين قاعدتها المتقدمة. وكانت توجيهات جلالته الكريمة إلى مصرف البحرين المركزي بمثابة صمام الأمان الذي عزز صمود المصرفية الإسلامية بوجه تداعيات الأزمة المالية العالمية؟ الأمر الذي يجعل الانظار تتجه صوب الامانة العامة لمجلس التعليم العالي بوزارة التربية والتعليم لدعم إنشاء جامعة متخصصة بالعلوم المالية والمصرفية والحقوقية الإسلامية؟ ولاسيما ان هناك مشروعا متكاملا ينتظر الترخيص منذ عدة سنوات ينطلق من مرئيات جلالة الملك المفدى للتعليم العالي التي تؤكد «ان النهضة التعليمية للمملكة ينبغي ان تقوم على محور الحفاظ على تراث البحرين الأصيل وتعميق شخصيتها العربية والإسلامية والتطلع إلى صناعة تعليم كفء ومنفتح وقادر على استيعاب متطلبات العصر» ويستهدف سد النقص الحاصل في هيكلية التعليم العالي الخاص بإضافة نوعية متميزة؟ ووفرت جميع متطلبات استحداث الجامعة وفقا للتشريعات واللوائح المعتمدة في وزارة التربية والتعليم بما يسهم في خدمة حاضر ومستقبل المملكة وتعزيز رياديتها في المجالين المصرفي الاسلامي والتعليم العالي النوعي المتخصص على خطى تحقيق الرؤية الاقتصادية للبحرين ٢٠٣٠ التي تؤكد دعم واحتضان وتشجيع الريادة والابتكار.
* اكاديمي وخبير اقتصادي
.