ضعف الإيمان وراحة الوالدين
 تاريخ النشر : الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٢
ان استشعار عظمة الرب بالتأمل بما أقسم ووصى به فالذي وصاك على والديك هو الله عز وجل وهذا علاج لظاهرة مرض ضعف الإيمان، يصف ابن القيم رحمه الله عظمة الله بكلام عذب جميل فيقول: يدبر أمر الممالك ويأمر وينهى ويخلق ويرزق ويحي ويميت ويعز ويذل ويقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرى، وأمره وسلطانه نافذان في السماوات وأقطارها وفي الأرض وما عليها وما تحتها وفي البحار والجو، الذي وصاك على والديك قد أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً، ووسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه، بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على تفنن حاجاتها، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين ذوي الحاجات، وأحاط بصره بجميع المرئيات، الذي وصاك على والديك يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فالغيب عنده شهادة والسر عنده علانية (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن)، الذي وصاك على والديك هو من يغفر ذنبا، ويفرج هما، ويكشف كربا، ويجبر كسيرا، ويغني فقيرا، ويهدي ضالا، ويرشد حيران، ويغيث لهفانا، ويشبع جائعا، ويكسو عاريا، ويشفي مريضا، ويعافي مبتلى، ويقبل تائبا، ويجزي محسنا، وينصر مظلوما، الذي وصاك على والديك هو من يقصم جباراً، ويستر عورة، ويؤمن روعة، ويرفع أقواماً، ويضع آخرين، الذي وصاك على والديك لو أن أهل سماواته وأهل أرضه، وأول خلقه واخرهم، وإنسهم وجنهم، كانوا على أتقى قلب رجل منهم، ما زاد ذلك في ملكه شيئاً، ولو أن أول خلقه واخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، الذي وصاك على والديك لو أن أهل سماواته وأهل أرضه، وأول خلقه واخرهم، وإنسهم وجنهم، وحيهم وميتهم، ورطبهم ويابسهم، قاموا على صعيد واحد فسألوه فأعطى كلا منهم ما سأله، ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة. الذي وصاك على والديك هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس دونه شيء، تبارك وتعالى أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأولى من شكر، وارأف من ملك، وأجود من سئل، الذي وصاك على والديك هو الملك الذي لا شريك له، والفرد فلا ند له، والصمد فلا ولد له، والعلي فلا شبيه له، كل شيء هالك إلا وجهه، وكل شيء زائل إلا ملكه، الذي وصاك على والديك لن يطاع إلا باذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يطاع فيشكر، ويعصى فيغفر، كل نقمة منه عدل، وكل نعمة منه فضل، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، أخذ بالنواصي، وسجل الآثار، وكتب الآجال، الذي وصاك على والديك القلوب له مفضية، والسر عنده علانية، عطاؤه كلام وعذابه كلام، سبحان الحنان المنان ذو الجلال والاكرام القائل (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)، الذي وصاك على والديك لا يوصى العظيم ولا يقسم العظيم الا بعظيم.
جمال صالح الدوسري
.