تطبيق القانون قبل فوات الأوان
 تاريخ النشر : الأحد ٢٠ مايو ٢٠١٢
بقلم: د. نبيل العسومي
أستغرب مع آلاف من المواطنين والمقيمين عندما أرى المحرضين على الدولة وعلى المجتمع، يحرضون ويعودون إلى بيوتهم سالمين غانمين من دون أي مساءلة أو محاسبة.
أتساءل باستغراب كما يتساءل ألاف من الناس عن الأسباب التي تدعو إلى عدم إنزال العقوبة المقررة في القانون على هؤلاء المحرضين الذين يخرجون كل يوم ليسبوا ويلعنوا ويحرضوا جهارا نهارا من دون رادع من قانون أو قيم.
أستغرب كما يستغرب المواطنون، كيف يتولى شخص واحد يدعي إنه حقوقي تسيير مظاهرات يومية داخل سوق المنامة من دون ترخيص وغصبا عن القانون، ثم يصرخ ويهرج وينادي بأعلى صوته تعالوا واقبضوا عليّ إن كنتم قادرين، ويخرج بعد ذلك ليسافر إلى بيروت ولندن وواشنطن لبث سمومه ضد الدولة والمجتمع ويكذب في كل كلمة يقولها ومع ذلك يدخل ويخرج ويتكلم، ولا يستطيع أحد أن يسأله أو يقول له إنك أخطأت.
في المقابل فإنني كمواطن بسيط أعيش منذ أكثر من ٥٥ سنة محترما لجميع أشكال القانون وجميع مواده وفقراته وسطوره، ومع ذلك قد أتعرض إلى المساءلة والعقاب لمجرد أنني لم استخدم حزام السيارة أثناء القيادة، ومع ذلك لا أعبر عن أي تذمر لأنني أحترم القانون مثلما يحترمه آلاف المواطنين الذين يدركون تمام الادراك أن الديمقراطية في جوهرها هي تطبيق القانون واحترام القانون وتنفيذ القانون، وأنه لا مجال للحديث عن دولة أو ديمقراطية أو حرية من دون احترام القانون من قبل الجميع.
استغرب كيف يقف رجل دين له مكانة دينية واجتماعية كبيرة ويحرض من على منبر رسول الله وأثناء خطب الجمعة التي من المفترض أن تخصص للوعظ والإرشاد والتذكير بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وأخلاق الرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم وحث الناس على الوحدة والتواصل وتعزيز قيمنا الوطنية الأصيلة، ومع ذلك لا يسأل ولا يحاسب وكأنه خارج القانون وفوق القانون، وإذا ما استعرضنا سلسلة الاستغرابات هذه نخشى أن نصبح قلقين على بلادنا ليس من الخارجين عن القانون فحسب والذين سرقوا أمننا واستقرارنا ومعيشتنا وأرزاقنا، بل قلقين أيضا من عدم تطبيق القانون أو التساهل في تطبيقه أو التسامح أو التردد في تطبيقه فالأمر سيان طالما أن النتيجة واحدة.
أعتقد اعتقادا يقينيا أن الدولة قد صبرت وتحملت بما فيه الكفاية من تجاوزات وتهريج وتعدٍ على الرموز وعلى القانون ،كما أعتقد أن المجتمع قد تحمل ما فيه الكفاية من ظلم هذه الفئة الخارجة عن القيم والقانون، وأنه قد آن الأوان لوضع نقطة نهاية لهذا المسلسل العبثي واستعادة الأمن والاستقرار وفقا لما يمليه القانون، ولا نقصد أيضا التعسف أو الظلم أو الاضطهاد أو ممارسة العنف غير المبرر لا، حاشى لله، وإنما نقصد فقط تطبيق القانون بحذافيره على المتجاوزين بجميع فئاتهم وأشكالهم، فلا فرق هنا بين مواطن عادي أو موظف أو رجل أمن أو رجل دين أو شيخ أو صغير أو كبير، فالعدل أساس العمران كما يقول ابن خلدون والمساواة أمام القانون ليس بها استنقاص لأحد مهما كان كبيرا، مثلما يحاسب المواطن العادي البسيط على تجاوز السرعة المقررة للسياقة أو على عدم استخدام حزام الأمان أثناء السياقة أو على تدخين سيجارة في مجمع تجاري، أولى بنا أن نطبق القانون على هؤلاء الخارجين عن القانون الذين يتعمدون كل يوم ارتكاب جرائم حقيقية: سكب الزيت وإشعال الحرائق في الطرقات وحرق الإطارات وتفجير السلندرات ورمي المولوتوف مقابل خمسة دنانير لكل زجاجة مما يعتبر في شرع القانون شروعا في القتل.
إن دوام الدولة وبقاءها وهيبتها واستقرار المجتمع منوط بالقانون وسيادة القانون، وما يجرى في ما يسمى بلدان الربيع العربي من فوضى خير دليل على عدم تطبيق القانون، وإذا كان لنا طلب مشروع نطالب به كمواطنين فهو دولة القانون على الجميع ومن دون استثناء قبل فوات الأوان.
.