الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٨ - الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الرأي الثالث


«سوق» الجوائز والألقاب.. المصداقية الجديدة





في فترة ما انتشرت في أوساط الفنانين والمطربين العرب، وخاصة الجدد منهم موجة شراء الجوائز والألقاب من خلال حفلات التكريم العربية والأجنبية المدفوعة الثمن أو من خلال علاقات الصداقة أو عبر علاقات غير مشروعة.. وأصبح التنافس شديدا جدا وخاصة بين المطربين الشباب الذين يريدون الاستحواذ على الجمهور ويفرضون أنفسهم بالعديد من الأشرطة والأغاني والخروج في كل المحطات التلفزيونية واللقاءات الصحفية والمقابلات الإذاعية وحتى في الدعايات الإعلانية، لدرجة أن الناس أصبحوا يتندرون عليهم وعلى تصرفاتهم، وخصوصا بعد أن انكشف للناس أن الجوائز والألقاب الفنية التي حصل عليها المطربون كانت مدفوعة الثمن وليست عبر مقاييس ومعايير مهنية، وكانت فضيحة مدوية.

ومنذ سنوات سخر العالم العربي من الألقاب التي قام معمر القذافي بإطلاقها على نفسه بأنه العقيد والزعيم وقائد الثورة الليبية وأمين القومية العربية وعميد حكام العرب وملك ملوك إفريقيا وقائد الطوارق ورئيس تجمع دول الساحل والصحراء وقائد القيادة الشعبية الإسلامية وإمام المسلمين وزعيم حركة الانحياز.. ولكن الشعب المصري الساخر أضاف إليه لقبا آخر كان قد أطلقه عليه الرئيس السادات وهو «الواد المجنون بتاع ليبيا».. ويبدو أن القذافي بعد موته أضيف إليه لقب جديد آخر وهو: زعيم الجرذان.

في البحرين اليوم نرى أن سوق الجوائز والألقاب الصادرة من الجهات الخارجية خصوصا أصبح تجارة تشهد حراكا فاعلا، وخاصة عند بعض الجمعيات والمؤسسات والشخصيات التي تريد أن توحي للرأي العام أنها قوية ومسنودة ومعروفة ومنتشرة وأن قضيتها أصبحت عالمية ورسالتها غدت دولية وعابرة للقارات، وتزداد علامات الفخر والطاووسية السياسية والحقوقية والإعلامية في هذا المقام إذا كان اللقب صادر من مركز في لندن، أو كانت الشهادة ممنوحة من مؤسسة في أمريكا، أو كانت الجائزة مهداة من جمعية في الأرجنتين أو روسيا أو الصين.. تماما كما هي البيانات الصادرة من الخارج ضد البلاد من دكاكين حقوقية وغيرها وممن أسميناها في وقت سابق «النائحة المستأجرة».

في الآونة الأخيرة شهدنا نيل وحصاد بعض الأشخاص والجهات لجوائز وألقاب ودروع في مسابقة فنية أو نشاط حقوقي أو لقاء إعلامي أو حتى استفتاء إلكتروني رياضي، ويتصور البعض أن في حصوله على شهادة هنا أو لقب هناك، وعبر أي طريقة وأسلوب كان، يمكن أن يرفع من مكانته في المجتمع، أو أن يغير من نظرة الناس له ومن مواقفه السيئة والطائفية، أو أن منح شخص جائزة أو لقب أو شهادة يمكن أن يكون بمثابة حصانة دولية وشهرة عالمية لهذا الشخص، وبالتالي فمثل هذا السلوك النفسي المريض، يوحي للشخص بأنه أصبح الأول والأفضل ومن حقه أن يظهر التفاخر والغرور أمام الملأ، لأنه أصبح شخصية رفيعة من خلال الشهادة واللقب المدفوع الثمن، والناس تعرف قيمته ومكانه جيدا، ونظرتها له لن تتغير أو تتبدل حتى لو حصل على لقب «المبشر بالجنة»، لأنها تعرف جيدا أنه كاذب ومتلون وأفاق.

المصداقية والمهنية والموضوعية ليست شهادة تمنح ولا جائزة تعطى ولا لقب يسجل، ولكنها ممارسة وعمل وجهد وحكم مباشر من الناس والقراء والرأي العام، ولن تستطيع أي جهة أو دكان من صانعي وبائعي الجوائز والدروع والأوسمة منح تلك الألقاب لأي شخص أو مؤسسة أو صحيفة ما دام الناس في أي مجتمع يدركون جيدا ويؤمنون تماما بأن تلك الجائزة والشهادة لا تعني شيئا ولا تعبر بصدق وحقيقة وواقعية عن الشخص أو المؤسسة التي منحتها أياها، بل على العكس سوف يتندر الناس عليها ويعلقون بأن الجائزة أعطيت بالمقلوب لذلك الشخص أو تلك المؤسسة.

لقب المؤسسة الفلانية بأنها الأولى في التأثير والأكثر في المصداقية والأوسع في الانتشار ليس جائزة تمنح، بل إن المصداقية مرتبطة بقناعة القارئ والمتابع والمشاهد لتلك المصداقية والمهنية، كما ان كثرة الشهادات والألقاب تثير الشك والريبة وخاصة أننا نعيش في سوق وبازار الألقاب والجوائز المدعومة من الجهات المعروفة.

وقديما كان في قريش رجل اسمه عمرو بن هشام وكانوا يطلقون على اسم «ابوالحكم» ولكن حينما جاء الرسول الكريم أطلق عليه لقب «أبوجهل» وظل هذا اللقب الذي يتذكره الناس وسجله التاريخ حتى اليوم.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة