الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٩ - الأربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


الوحدة الخليجية ومنطق
حركة التاريخ والحاجة التنموية





منذ خمس سنوات ونحن ننادي بالوحدة الخليجية بين شعوب المنطقة لتشكيلال تكتل سياسي واقتصادي قوي يشمل في عضويته في نهاية المطاف اليمن والعراق، وقد كان اول مقال لنا في هذه السلسلة في تاريخ (٢٧ اكتوبر ٢٠٠٧، اخبار الخليج) حيث نادينا فيه إلى وحدة خليجية تقوم على اساس المفهوم الشامل للأمن القومي ورفض التدخلات الاجنبية في شئون دول الخليج العربي، وتؤكد استقلاليته وعدم تبعية قراره لأي طرف. منذ ذلك الوقت اطلقنا عدة نداءات في مقالات متعددة للمطالبة بوحدة خليجية تستند إلى عدد من المبادئ والمفاهيم التنموية والسياسية والامنية نناقشها في هذا المقال في ضوء التطورات الحالية.

في المؤتمر التأسيسي لمنتدى «وحدة الخليج والجزيرة العربية» الذي أقيم في اكتوبر ٢٠١١، أكد المنتدون ضرورة الوحدة الخليجية وجعلوها مقرونة بالاصلاح السياسي الذي يضع الأسس التي تجعل من هذا الاتحاد قوة اقليمية ودولية قادرة على نسج علاقات مبنية على الندية والمصالح المشتركة.

ان اسس الاصلاح السياسي الذي أكده المنتدون لبناء الكيانات القوية، قطرية كانت ام اتحادية، تعتمد على قدرة الدولة على توفير «السلع السياسية العامة» التي وُجدت الدولة لتوفيرها وهي ١) توفير الأمن والامان للإنسان المواطن، ٢) العدالة وحكم القانون وسيادته، ٣) ضمان الحقوق المدنية والحريات، ٤) توفير الخدمات الصحية والتعليمية والبنى التحتية بما يخدم التنمية البشرية المستدامة.

ان آليات الاصلاح لتوفير هذه السلع السياسية تبدأ أولا: بالمشاركة السياسية والحرية واحترام حقوق الانسان التي حولت كثيرا من دول العالم المتناحرة إلى دول حليفة تنظر إلى مصالح شعوبها المشتركة وتعمل على ازالة المتناقضات ودواعي التوتر بين الحاكم والمحكوم، وبين الاديان والاثنيات التي تشكل كياناتها المختلفة كما في الهند وايرلندا الشمالية والولايات المتحدة الامريكية. وثانيا: العدالة والمساواة اللتان حولتا كيانات تعج بخلافات فئوية ومذهبية ودينية فأوجدت منها مجتمعات متوازنة ودولا قوية كما في أوروبا وسنغافورة وماليزيا والبرازيل والهند. وثالثا: الإيثار والتضحية اللذان صهرا شطري ألمانيا حين ضخت ألمانيا الغربية مليارات من الاستثمارات في ألمانيا الشرقية فجعلت الدولتين دولة موحدة. ورابعا: التنازل عن بعض من السيادة القطرية في سبيل المصلحة المشتركة كما في الاتحاد الاوروبي.

وفي المقابل فان التحالفات والوحدة القائمة على أهداف لا تخدم شعوبها تبوء بالفشل كما حدث في الوحدة بين سوريا ومصر التي بدأت فوقية وانهارت بفعل نظرة ضيقة لقادتها حولتها إلى امتعاض شعبي في كل من القطرين.

في عصر العولمة فان قدرة الدولة على توفير هذه السلع تعتمد أولا: على المناخ السياسي والثقافي الملائم والمحفز إلى العمل والانتاج ومحاربة الفساد؛ وثانيا: على بناء قدرتها التنافسية وتوفير فرص عمل مجزية لمواطنيها.

وبالتالي فان حركة التاريخ والمنطق الاقتصادي التنموي يفرضان على دول الخليج ان تشكل وحدة خليجية تقوم على تلك الأسس والآليات والقدرات، كما يفرض عليها ان تتحول فيما بعد إلى نوع من التكتل العربي الذي يخدم مصالح الامة ويمنحها فرصة المنافسة المتكافئة مع التكتلات العالمية، ففي عصر العولمة هذه لا يوجد مكان للصغار، وان اي دولة ترى انه بمقدورها ان تحقق استقلالية وتنمية مستدامة تكفل بهما العيش الكريم لشعبها وان تحقق أمنها بمعزل عن التكتلات الكبيرة في عالم يتصارع على موارد ناضبة هي واهمة.

ان المنطقة العربية تشكل كتلة جغرافية مهمة تتوسط العالم وتزخر بالثروات الطبيعية والبشرية مما يؤهلها لأن تأخذ مكانها الطبيعي بين الامم، ولهذا فهي مهددة بالتفتيت والتشرذم اولا: بسبب سلوك بعض قادتها، وثانيا: التدخل الغربي الذي تتعارض مصالحه مع فكرة أي تكتل عربي. ومنطقة شبه الجزيرة العربية هي قلب هذه الامة من حيث الامكانات الاقتصادية الهائلة والطاقة البشرية المتعلمة، وعليها ان تلعب دورا قياديا في إنشاء تكتل عربي كبير.

خسرت منطقة الخليج ثلاثين عاما اتسمت بالخلافات حول صيغ واشكال من التعاون لم تثمر سوى النزر اليسير لأسباب أهمها الإصرار المفرط على «السيادة القُطْرية» (عبدالله بشارة، الامين العام الأسبق) والخلافات بين الدول الست.

واذا نظرنا إلى خطوة توحيد الخليج على انها خطوة أولى لبناء تكتل اكبر في محيطنا العربي فانه يجب الا يخرج في رؤيته وأهدافه عن السياق العام وحركة التاريخ والمنطق التنموي الذي يرى ان التنافس مع أي تكتل آخر، اقليميا كان أم دوليا، إنما يقوم أولا: على تماسك المجتمعات داخل التكتل، وثانيا: على القوة العلمية والاقتصادية والانتاجية التي تحول العدو إلى حليف متى ما شعر بأن مصالحه الاقتصادية تتشابك مع مصالح جيرانه، ولا تقوم على العداوات والصراعات المسلحة.

نرى أمثلة على ذلك في التحالفات التي تتم في شرق آسيا بين دول مثل اليابان وكوريا والصين وغيرها تحولت بموجبها إلى دول متعاونة بعد ان كانت متصارعة.

منطقة الخليج مهيأة لأن تكون القاطرة القادمة في التنمية وفي التطور العلمي اذا ما وضعنا اهدافا ديمقراطية وتنموية لوحدتنا الخليجية المرتقبة تجعل منها قوة اقليمية تفرض على العالم، وليس الاقليم فقط، ضرورة التعامل معها من منطلق الاحترام والمصالح المتبادلة التي تعود بالخير على ضفتي الخليج. ينبغي ان ندرك ان قرارا مثل ما نحن مقدمون عليه لابد ان يكون له دعم شعبي .

يجب ان نضع رؤية لكيفية التعامل مع هذا الواقع وهذه الأخطار والتهديدات بشكل يحولها إلى عوامل مساهمة في البناء الديمقراطي وفي تقدم وازدهار شعوب المنطقة بدل ان تكون عوامل استنزاف لطاقات وثروات نحن بحاجة ماسة إليها لبناء حياة حرة كريمة مستقرة ومستقبل افضل لأجيالنا.

من هنا تأتي أهمية طرح قضية الوحدة للحوار والنقاش الشعبيين حول صيغة الاتحاد القادم وأهدافه وتطلعاته، إذ ان مثل هذا الحوار المجتمعي من شأنه أن يستفيد من التجارب الناجحة ويتجنب الفاشلة، وبذلك يثري مشروع الاتحاد ويجعله أكثر نجاعة وخدمة لأهداف الشعوب وأقوى على الاستمرار والتقدم والتعامل مع التهديدات الاقليمية والدولية



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة