الثقافة السياسية
التزام البحرين بتعهداتها الحقوقية الدولية
 تاريخ النشر : الأحد ٢٧ مايو ٢٠١٢
شهدت الأيام الماضية مناقشات واسعة حول التقرير الوطني الثاني أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وتعتبر هذه الخطوة المَرة الثانية التي تقدم فيها مملكة البحرين تقريرها أمام المجلس، باعتبار هذه الخطوة تمثل آلية تعاونية استحدثتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة التزام الدول بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، بحيث تكون هذه المراجعة دورية وتكون أيضاً شاملة في مختلف المجالات الحقوقية.
وتتمّيز تجربة مملكة البحرين بأنها أول دولة عضو بمجلس حقوق الإنسان تخضع لعملية المراجعة الدورية الشاملة في عام ٢٠٠٨. وفي ذلك العام عندما قدمت المملكة تقريرها الأول وتمت مراجعته من قبل الدول الأعضاء في المجلس، أعلنت قبولها بكافة التوصيات والتعهدات الصادرة من المجلس إيماناً منها بضرورة احترام مبادئ حقوق الإنسان، وتعزيز التزامها بها وخاصة أنها تعد من الأولويات الوطنية لديها.
إن اهتمام المملكة بالالتزام بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان قائم على مستويين:
ـ الأول: حرص والتزام القيادة السياسية بتعهدات حقوق الإنسان.
ـ الثاني: حرص والتزام الحكومة بتعهدات حقوق الإنسان.
وانعكس هذا الالتزام على مستوى السياسات الداخلية وحتى السياسة الخارجية منذ نحو عقد من الزمن. حيث قامت الحكومة بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات الحقوقية الدولية، ومنها: اتفاقية حقوق الطفل، وبرتوكولاتها الاثنين -البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، واتفاقية القضاء على أشكال التمييز كافة ضد المرأة (سيداو)، بالإضافة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، واتفاقية مناهضة أشكال التمييز العنصري كافة ، والاتفاقية الخاصة بالرق، وكل من اتفاقية الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ١٩٤٨، واتفاقية الجريمة المنظمة عابرة الحدود وبروتوكولاتها. وصدور القانون رقم (٥٦) لسنة ٢٠٠٦ بالموافقة على انضمام مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والقانون رقم (١٠) لسنة ٢٠٠٧ بالموافقة على انضمام حكومة مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أكدت مملكة البحرين التزامها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم(٦٠/٢٥١) بشأن تأسيس مجلس حقوق الإنسان.
وعلى مستوى السياسة الخارجية فقد عززت المملكة تعاونها مع العديد من المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية للاطلاع على الأوضاع الحقوقية في المملكة، من خلال تسهيل العديد من الزيارات الميدانية للمؤسسات الإصلاحية، والاطلاع على الأنظمة المعمول بها في العديد من المؤسسات، ومدى تطابقها مع معايير ومبادئ حقوق الإنسان.
أما على مستوى السياسات الداخلية، فإن التزام البحرين بتعهداتها الدولية لحقوق الإنسان شكلت محوراً رئيساً من محاور الإصلاح السياسي منذ عام ٢٠٠١، حيث أنشأت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التي تم تعزيز دورها وصلاحياتها بتوجيهات ملكية. وساهمت أجواء الانفتاح السياسي والحريات المدنية بتأسيس مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العامة.
كما كانت للمملكة تجربة فريدة إثر الأحداث المؤسفة التي شهدتها مطلع عام ٢٠١١، حيث تم تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة لتقصي الحقائق للنظر في أي انتهاكات حقوقية وقعت خلال فترة الأزمة التي مرّت بها البلاد، وهو ما ترتب عليه إعلان حضرة صاحب جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى قبول الدولة والتزامها بكل التوصيات التي قدمتها اللجنة في تقريرها، وتشمل التوصيات إصلاح وتطوير العديد من الإجراءات والأنظمة في بعض مؤسسات الدولة. الأمر الذي دفع إلى إنشاء لجنة مستقلة لمتابعة التزام الحكومة بتنفيذ هذه التوصيات، وهو ما تم في تقرير أصدرته لجنة المتابعة خلال الربع الأول من العام الجاري. وجار العمل حالياً على تعديل مجموعة من التشريعات وسن تشريعات جديدة لضمان توافقها مع توصيات اللجنة والمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وتأكيداً لالتزام المملكة بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتزاماً منها بتوصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق قامت بتشكيل الصندوق الوطني لتعويض المتضررين من الأحداث التي شهدتها المملكة في فبراير ومارس٢٠١١.
إن الاهتمام الكبير بحقوق الإنسان وضرورة احترام المملكة لالتزاماتها الدولية في هذا المجال صار من الثوابت والأولويات، ولذلك عندما أطلق حوار التوافق الوطني في صيف٢٠١١ بمشاركة مكونات المجتمع كافة تم تخصيص محور متكامل لمناقشة مجموعة كبيرة من القضايا الحقوقية التي طرحت بشأنها العديد من التصورات والأفكار لضمان التزام الدولة بتعهداتها الدولية، وانتهت بالتوافق على العديد من المرئيات في هذا الصدد.
ونظراً للاهتمام الرسمي والأهلي المتزايد بكيفية الالتزام بالتعهدات الحقوقية الدولية فقد صدر مرسوم ملكي خلال العام الماضي بتشكيل وزارة لحقوق الإنسان بالدمج مع وزارة التنمية الاجتماعية نظراً لارتباطهما الوثيق. وخلال العام الجاري أصدر العاهل المفدى أمراً ملكياً بتعيين وزير دولة لشؤون حقوق الإنسان، وهو ما يعكس أولوية الاهتمام بهذا الملف الهام.
وأخيراً فإن الالتزام بالتعهدات الدولية لحقوق الإنسان ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما مسؤولية المؤسسات كافة سواءً كانت رسمية، أو أهلية تمثل مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى الأفراد سواء أكانوا مواطن] أم مقيمين في البلاد. لأنها مسؤولية جماعية تشترك فيها عدة أطراف بالشراكة، وهي تتطلب من المجتمع نفسه بناء الثقافة الحقوقية الواعية لضمان احترام الجميع لمبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة.
للتواصل info@bipd.gov.bh
معهد البحرين للتنمية السياسية
.