الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٤ - الاثنين ٢٨ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٧ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


«قمة الأرض» في ريو والمستقبل الذي ننشده





عُقدت منذ عشرين عاما مضت قمةُ الأرض، فاجتمع زعماء العالم في ريو دي جانيرو واتفقوا على خطة عمل طموح لمستقبل أكثر أمنا. وسعوا إلى تحقيق التوازن بين ضرورات النمو الاقتصادي القوي واحتياجات أعداد متزايدة من البشر وبين الضرورة الإيكولوجية القاضية بحفظ أثمن ما يمتلك كوكبنا من موارد: أي بره وهوائه ومائه. واجتمع رأيهم على أن السبيل الوحيد إلى ذلك هو التخلي عن النموذج الاقتصادي القديم واستحداث بديل له، وقد سموا هذا البديل التنمية المستدامة.

وبعد عقدين من الزمان، ها نحن نعود إلى المستقبل. إن التحديات التي تواجهها البشرية اليوم تشبه في أغلبها ما واجهته آنذاك، ولو اتسع نطاقها الآن، وها قد أدركنا رويدا رويدا أننا مقبلون على عهد جديد، بل إن البعض يسميه حقبة جيولوجية جديدة تتميز بنشاط بشري يغير ديناميات الأرض تغييرا جوهريا.

وكانت لحصة الفرد من النمو الاقتصادي العالمي مصحوبة بتزايد عدد سكان العالم (الذي فاق سبعة بلايين نسمة في العام الماضي) أثرها في زيادة وطأة الضغط على النظم الإيكولوجية الهشة بشكل غير مسبوق. وإننا، وقد سلمنا بأنه من المستحيل أن يظل طريقنا إلى الرخاء هو الإحراق والاستهلاك، لم نعتمد بعد الحل الواضح، الذي يعد، كما كان منذ ٢٠ عاما، الحل الوحيد الممكن ألا وهو التنمية المستدامة.

ومن حسن الحظ أن تماثلت لنا فرصة ثانية للعمل، فبعد أقل من شهر سيجتمع زعماء العالم مرة أخرى في ريو دي جانيرو لكي يحضروا مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة أو مؤتمر ريو+٢٠، وها هي ريو تقدم مجددا لهذا الجيل فرصة لإعادة الأوضاع إلى حالتها الطبيعية: لرسم مسار جديد نحو مستقبل يحقق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للرخاء والرفاه الإنسانيين.

وسيحضر المؤتمر أكثر من ١٣٠ من رؤساء الدول والحكومات، وسوف ينضم إليهم ما يقدر عدده بـ ٠٠٠ ٥٠ من قادة رجال الأعمال والعُمد والناشطين والمستثمرين، أي أنه تحالف عالمي من أجل التغيير. لكن النجاح ليس مؤكدا، فالحفاظ على عالمنا للأجيال المقبلة - وما الخطر المحدق بنا بأقل من ذلك - يستلزم الشراكة والتعاون التامين بين زعماء العالم بأممه الغنية والفقيرة وبلدانه الكبيرة والصغيرة. أما التحدي الأكبر الذي يواجهونه فهو حشد الدعم العالمي تأييدا لبرنامج عمل تحويلي يستهدف التغيير، وإشعال جذوة ثورة مفاهيمية تبدل طرائق التفكير في كيفية تحقيق نمو دينامي يتسم في الوقت نفسه بالاستدامة ويصلح للقرن الحادي والعشرين وما بعده.

ويُترك اتخاذ قرار بشأن برنامج العمل هذا للقادة الوطنيين لكي يهتدوا فيه بتطلعات شعوبهم، ولكنني إذا ما أتيح لي أن أسدي النصيحة بصفتي أمينا عاما للأمم المتحدة، فسأشير بالتركيز في ثلاث «مجموعات» من النواتج من شأنها أن تضع مؤتمر ريو+٢٠ في المكانة المرموقة التي ينبغي أن يتبوأها كعلامة فارقة من علامات الطريق.

أولا: ينبغي أن يكون مؤتمر ريو+٢٠ مُلهما لفكر جديد وحافزا للعمل. فمن الواضح أن النموذج الاقتصادي القديم يتداعى، فالنمو تباطأ في مناطق جمة، وفرص العمل بلغت مستوى دون المطلوب للحاق بالركب، والهوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع، وها نحن نشهد تناقصا شديدا ومثيرا للجزع في الغذاء والوقود وفي غيرهما من الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها المدنية.

وسيسعى المفاوضون في ريو إلى الاستفادة من النجاح المحرز في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الذي ساعد على انتشال الملايين من براثن الفقر، ومن شأن محور جديد للتركيز ينحو منحى الاستدامة أن يأتي بما يسميه علماء الاقتصاد «محصلة ثلاثية الأبعاد»، أي نموا اقتصاديا يتسم بكثافة فرص العمل مصحوبا بحماية بيئية وإدماج اجتماعي.

ثانيا: ينبغي أن يكون الناس محور الاهتمام في مؤتمر ريو+٢٠، أي أن يكون هذا الأخير مؤتمر قمة الناس يتمخض عن آمال قابلة للتحقق تبشر بتحسن حقيقي في حياتهم اليومية، وتشمل الخيارات المتاحة للمفاوضين اعلان الالتزام بإيجاد مستقبل «خال من الجوع»، خال من العوامل المعطلة لنمو الأطفال كافتقارهم إلى التغذية الملائمة، خال من الهدر للغذاء والمدخلات الزراعية في مجتمعات لا يحصل أبناؤها على ما يسد الرمق.

وينبغي أن يكون مؤتمر ريو+٢٠ أيضا محفلا يفسح المجال لأصوات من لا ننصت إليهم إلا فيما ندر، أي المرأة والشباب، فالمرأة هي التي تحمل على كاهلها نصف السماء، وهي تستحق مكانة تكفل لها المساواة في إطار المجتمع. لذا يتعين علينا أن نمكنها لتكون محركا للدينامية الاقتصادية والاجتماعية. أما بالنسبة إلى الشباب، وهم وجود مستقبلنا ولا غرو، فلنسأل أنفسنا: هل نحن عاكفون على إيجاد الفرص لهم وهم الذين سينضم منهم نحو ٨٠ مليونا كل عام إلى القوة العاملة؟

ثالثا: ينبغي أن يدق مؤتمر ريو+٢٠ ناقوس الدعوة إلى العمل مناديا بإيقاف الهَدر. لقد كانت الأرض أمّا رؤوما لم تبخل علينا بشيء، فلتحذُ البشرية حذوها بأن تحترم حدود الطبيعة، وينبغي أن تدعو الحكومات في ريو إلى استغلال أكثر ذكاء للموارد، فمحيطاتُنا لابد من حمايتها، ومثلها مياهنا وهواؤنا وغاباتنا. ومدننا يجب أن تصبح أكثر ملاءمة لضرورات العيش: أن تصبح أماكن نسكنها في تواؤم أكثر مع الطبيعة. إنني، في مؤتمر ريو+٢٠، سأدعو الحكومات وأرباب الأعمال وسائر التحالفات إلى المضي قدما في مبادرتي المسماة الطاقة المستدامة للجميع، وهي مبادرة الهدف منها توفير فرص الوصول إلى الطاقة المستدامة للجميع، ومضاعفة فعالية الطاقة، ومضاعفة استخدام مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام .٢٠٣٠

وبما أن الكثير من تحديات اليوم تعد تحديات عالمية، فإنه يستلزم استجابة عالمية، قوة جماعية تعمل في ظل شراكة قوية، والوقت الآن لا يحتمل الخلافات الضيقة الأفق، بل هي لحظة حري بزعماء العالم وشعوبه أن يتحدوا فيها، في مسعى مشترك يجتمعون تحت رايته حول رؤية يتقاسمونها لمستقبلنا جميعا: المستقبل الذي ننشده.

* الأمين العام للأمم المتحدة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة