الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٤ - الاثنين ٢٨ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٧ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


قادة إيران و«فوبيا» الاتحاد الخليجي





سقطت الأقنعة عن قادة النظام الإيراني ونياتهم تجاه مملكة البحرين ودول الخليج العربي، فإذا كان يوجد لدينا بعض الشك في نيات إيران قبل مؤتمر الرياض الاستثنائي الأخير لقادة مجلس التعاون فانه الآن اصبحنا على يقين من أن النظام الايراني يبيت نيات شريرة تجاه مملكة البحرين، وأن الأطماع الإيرانية في البحرين هي حقيقة دامغة لا جدال فيها، فإيران عبرت عن نيتها بشكل لا لبس فيه عن ضم البحرين إليها عندما اعتبرت أن وحدة البحرين مع المملكة العربية السعودية هي احتلال، وهذا ما عبر عنه رئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران علي لاريجاني عندما قال في معرض إجابته عن مطالبة أحد النواب باتخاذ إجراء دبلوماسي جاد فيما يتعلق بخطة السعودية والبحرين لإقامة اتحاد سياسي: إن «البحرين ليست لقمة سائغة بإمكان السعودية ابتلاعها بسهولة والاستفادة منها»، ووصف هذا النوع من الممارسات بأنها تثير الأزمات في المنطقة، قائلا: إن «هذه التصرفات البدائية في الظروف الراهنة في المنطقة لها تأثيرات سيئة على هذه الدول التي تتعامل مع هذه القضايا».

وكان النائب حسين علي شهرياري، ممثل أهالي مدينة زاهدان، قد قال مخاطبا رئيس المجلس: «كما تعرفون فإن البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة في إيران حتى عام ١٩٧١، ولكن للأسف وبسبب خيانة الشاه والقرار السيئ لمجلس الشورى الوطني آنذاك، فإن البحرين انفصلت عن إيران».

ومما يثير السخرية ان النظام الايراني مازال يفكر بعقلية قديمة، وهي عقلية الاحتلال والاستعمار التي عفى عليها الزمن، من جانب آخر فان السؤال الذي مازال يطرح نفسه: لماذا كل هذا الاهتمام من قبل النظام الايراني بمملكة البحرين؟

ان عقلية الاحتلال والاستعمار هي عقلية إيرانية وليست سعودية، وإلا بماذا نفسر هذا الاصرار الإيراني على احتلال الجزر الإماراتية العربية الثلاث التي احتلها شاه ايران؟ ان النظام الايراني يحاول حل مشكلاته الداخلية على حساب الغير.

مازلنا نردد القول ـ الذي تؤكده الوقائع يوما بعد يوم ـ إن ما جرى في البحرين بتاريخ ١٤/ ٢/ ٢٠١١م هو محاولة انقلابية وراءها النظام الايراني، ولذا نحن هنا في البحرين كان يحق لنا أن نقول: إن البحرين ليست لقمة سائغة بإمكان إيران ابتلاعها، ولستم أنتم في ايران.

يجب أن يعي قادة إيران أن المملكة العربية السعودية لم يرد في تاريخها أنها طالبت بالبحرين، بل العكس هو الصحيح وهو أن الشواهد التاريخية كلها تدل على أن النظام الايراني هو الذي ظل يطالب بالبحرين سواء في زمن الشاه او في زمن حكم الملالي، حيث يحدثنا التاريخ أن الأطماع الإيرانية في البحرين قديمة يعرفها القاصي والداني، ولكنها لم تجرؤ على عرض مطالبتها بالبحرين أمام المجتمع الدولي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، فهي تَعلم مُسبقا بفشلها الذريع إن هي حركت ادعاءاتها الباطلة أمام منظمة الأمم المتحدة، ولكنها استخدمت سياسة الاحتجاج كلما ورد اسم البحرين في مناسبات دولية، وبسبب عدم جدوى احتجاجاتها لدى المجتمع الدولي ظهرت مسألة البحرين في صبغة قومية إيرانية في ذلك الوقت، حيث أصدرت وزارة التربية والتعليم الإيرانية قرارا يقضي بتدريس انتماء البحرين إلى إيران، كما طالبت إيران بتطبيق قوانينها على الشركات النفطية العاملة في البحرين عام ١٩٤٦، وفي العام نفسه اتخذت الحكومة الإيرانية إجراءات سياسية، حيث أصدر البرلمان الإيراني قرارا يقضي باتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق الرسوم البريدية على الرسائل الصادرة والواردة من البحرين وإليها، كما أظهرت الحكومة الإيرانية احتجاجا على صدور قوانين الجنسية والملكية من قبل حكومة البحرين، وأصدرت قرارات تفرض على المواطنين البحرينيين التجنيد الإجباري والخدمة العسكرية بمجرد دخولهم الأراضي الإيرانية قصد زيارة المزارات الشيعية.

في المقابل، يحدثنا التاريخ أن المملكة العربية السعودية كانت تقف وراء استقلال مملكة البحرين، فلقد استنكرت الحكومة السعودية بشدة في ذلك الوقت مواقف إيران وأكدت عروبة البحرين شعبا وأرضا، كونها امتدادا طبيعيا للجزيرة العربية، وذات وضع خارجي قائم بذاته، وأضافت الحكومة السعودية تأكيدها «اننا نستطيع أن نصدق أي شيء، إلا مطالبة إيران بالبحرين كولاية إيرانية أو جزء لا يتجزأ من إيران».

من جانب آخر يحدثنا التاريخ أن هناك تجارب وحدوية حدثت في الوطن العربي أهمها تجربة وحدة مصر وسوريا عام ١٩٥٨م، فهل استنكرت تركيا في ذلك الوقت مثلا هذه الوحدة بسبب مجاورتها لسوريا؟

إن شعب البحرين ظل يُكافح من أجل الحرية والاستقلال كي يشترك مع إخوانه العرب وجيرانه في وحدة العالم العربي، والتشكيك في هذا المبدأ هو تشكيك في الحقائق الجغرافية الأولية، وعندما جرؤ شاه إيران على المطالبة بالبحرين كان الغرض منه هو أن يحصل من اسرائيل وحلفائها على مكافأة مقابل وقوفه مع اسرائيل في عام ١٩٦٧م عندما كانت الطائرات الاسرائيلية تتزود بالوقود من ميناء بوشهر الإيراني وتضرب القوات المصرية في صحراء سيناء، وعندما صمم الشاه على مطالبته بالبحرين تم ارسال مبعوث من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، فما وجد من شعب البحرين بكل طوائفه وفئاته إلا كل الرفض لضم البحرين إلى ايران، فما كان من الشاه في عام ١٩٧١م إلا أن قام باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث كبديل عن البحرين، في ظل سكوت المجتمع الدولي بما فيه الدول الكبرى في ذلك الوقت وفي غفلة من الزمن.

على قادة النظام الإيراني أن يدركوا أن البحرين ليست مثل العراق او سوريا او لبنان، حيث الوضع في البحرين يختلف، وأن تماديهم في التدخل في شئون البحرين الداخلية ودول الخليج العربي هو لعب بالنار، وأنهم أول من سوف تحرقهم هذه النار والمستقبل يحمل الكثير، وعليهم أن يستفيدوا من الماضي وقت حربهم مع العراق، فقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة