الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٧ - الخميس ٣١ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


متى نحاسب النهابين؟





تناقلت الجرائد خبر إنشاء صندوق لدعم المشروعات العقارية المتعثرة وقد اثلج ذلك صدور الكثير من الناس وبعث فيهم السعادة، ولكن من يا ترى هم أكثر من سعدوا بهذا الخبر؟ أهم الوسطاء العقاريون؟ أم عملاء هذه الشركات ممن دفعوا مقدم قيمة الشراء وأقساطا شهرية ليروا الشركات تتعثر؟ أم هم مساهمو هذه الشركات ممن هم في حيرة من بقاء شركاتهم أو إفلاسها؟ في نظري المتواضع أن كل هؤلاء لهم الحق في أن يفرحوا بل أن تغمرهم السعادة بهذه الخطوة الإيجابية التي ستتخذها الحكومة ولكن أكثر من سعد بهذا الخبر ليسوا هؤلاء بل غالبية المديرين الجشعين الذين أداروا هذه الشركات وضمنوا أرباحهم وفوائدهم وسحبوها سلفا ليقودوا بذلك الشركات ليس إلى التعثر بل إلى شفا حفرة الإفلاس والتصفية.

وكمواطنين لنا هنا أن نثير استياءنا ليس من خطوة الحكومة لإنعاش الاقتصاد ولكن من استمرار العمل بمبدأ «عفا الله عما سلف». ففي غياب أي محاسبة، يفرح هؤلاء بوجود حل لمشكلة هم خلقوها وربحوا الأموال الطائلة منها ونهاية خسر المواطن المسكين فيها، فهذا المال كان الأجدر أن يستغل في مشاريع أخرى لصالح المواطن والمملكة ولكنها استغلت الآن لتصحيح خطأ بل لدفع تعويض لما ارتكبه الفاسدون الجشعون، والآن وتباعا لهذه الخطوة ازداد الجشعون قلة حياء فهناك من ينظف بلاويهم من ورائهم.

ومن أبسط حقوقنا الشرعية كمواطنين أن نرى الدولة تحاسب المسؤولين المؤتمنين على هذه الشركات، التي تتعامل مع المواطن العادي، والتأكد من أنها بأيد أمينة. ومن حقنا ان نشهد محاسبة ومحاكمة رؤوس الفساد الذين استحلوا ثروات هذه الشركات وخيرات البلاد لأنهم أمنوا العقوبة عقودا خلت. فقد ملّ الناس من السكوت وملوا من عدم تفعيل أي قانون لمكافحة الثراء غير المشروع ولم ولن يصدق الناس، من بعد اليوم، أن فلاناً محظوظ وأن كل ما يلمسه يتحول إلى ذهب، بل إن الكل يعلم أن فلانا فاسد وإن كل ما يفعله هو أن يلطخ أيادي كل من يقابلهم في طريقه إلى الصعود بشتى أشكال الفساد السانحة ليقول بعدها «إذا فكرتم أن تغرقوني فإن معي فلانا وعلانا أنزلهم معي متى ما قررتم إغراقي».

إن بحرين اليوم ليست بحرين الأمس ومواطني اليوم ليسوا مواطني الأمس فقد تعرضنا لأحداث في غضون خمسة عشر شهرا وسمعنا من الأقوال ورأينا من الأفعال ما لم يكن لأجدادنا أن يتعرضوا لها في حياة كاملة، لقد انتهى زمن الخضوع وترك الناس السكوت وولت بذلك المخاوف وآن للفاسدين أن يعلموا أن هناك من سيقدمهم إلى العدالة.

فإذا كانت مملكتنا بالفعل تدعي الشفافية فلنكشف عن حالات الفساد، ولنبدأ من هنا ما دام لدى الحكومة الرغبة في حل الموضوع، ولتقدم الحكومة الفاسدين إلى العدالة ولنجعل منهم عبرة للآخرين. إن الفساد مستفحل في كل بلدان العالم ولكن أن تغيب الرقابة وأن يغض النظر عن الفاسدين وأن يترك من أصبح مليونيراً في يوم وليلة على حساب المواطن والمستثمر المسكين، ومن ثم تعالج الأمور بالمال العام الذي هو حق مشترك لكل المواطنين فهي الطامة الكبرى وهو ما قال ربنا فيه «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، وبعد كل هذا يجيء هؤلاء الفاسدون ليضعوا بكل فخر واعتزاز عبارة «هذا من فضل ربي» في مكاتبهم وعند مداخل بيوتهم أو قصورهم، وكأن الله اختارهم ليمطر عليهم من خيراته ولينعم عليهم من فضله في حين أن ربهم بريء منهم ومن أفعالهم وإنهم لا يعلمون ما إذا كانت عبارة «هذا من فضل ربي» آية أم حديثا أم قولا مأثورا.

إنني أؤكد ومن واقع خبرتي كمحقق قانوني وكمحقق في أمور الفساد مرخص من الولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن كوني محاميا مجازا أمام محكمة التمييز في المملكة أن الدولة إذا ما رغبت فإنها قادرة على أن تحقق وتكتشف من خلال تحقيقها ما آلت اليه كل الأموال التي يدعي هؤلاء الفاسدون أنها خسرت في هذه المشاريع المتعثرة. إن في تضافر الجهود بين النيابة العامة وإدارة الجرائم الاقتصادية والمصرف المركزي إضافة إلى المحاكم العدلية سيكون له بلا شك جدوى للحصول على معلومات ستفيد وستبرهن أن تهريب الأموال من البلاد إلى الحسابات الخارجية كان له الدور الأكبر في تعثر هذه المشاريع فقد آن الأوان أن نسأل «من أين لك هذا؟» بدلا من أن يلوح هؤلاء أن «هذا من فضل ربي» فربهم بريء منهم ومن أفعالهم الفاسدة.

* محام ومستشار قانوني



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة