الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٧ - الخميس ٣١ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


حدود الانتقاد والاعتقاد





إن القرن الحادي والعشرين من أسوأ القرون بحسب تقارير دراسية وفرتها جامعة كامبردج الأمريكية مطلع عام ٢٠٠٨م، ووجدت الدراسات المستفيضة التي وصفت هذا القرن بأسوأ القرون لما فيه من ممارسات قاتلة فاقت القرون الماضية حجما وكما وكيفا، فقد وجدت الدراسة أن المواد البلاستيكية تتسبب في خلل هرموني وقد تقتل بعض الهرمونات في الجسم وتتسبب في أمراض سرطانية، ووجدت الدراسة أن مستحضرات التجميل تتسبب في أمراض مماثلة كالتي ذكرت، وبعض الخلل في الهرمونات، ووجدت الدراسة أن حشوات الأسنان تتسبب في سرعة الانفعال والغضب، والمواد التنظيفية في أمراض عصبية وعقلية.

باتت الأمراض التي كانت يوما نادرة الوجود واسعة الانتشار بشكل كبير، لكن ليس هذا مدعاة للقلق والإحباط والتذمر، على الرغم من التطور في صناعة الأشياء وقوة إنتاجها، فان قوة الوقاية مفروضة لتكوين حركة توازن بين ما يصنع الآن وبين ما كان قبلُ.

توفي ما قبل القرن العشرين ١٩٠٠م ٤% من الشعب البريطاني بسبب أمراض القلب والسرطان مجتمعين، أما في عام ٢٠٠٢م فقد زادت نسبة الوفاة المصاحبة المرضين ٦٥%، وفي الوقت نفسه لم تكن وقاية في القرن السابق، وتوجد وقاية في القرن الحالي، ما حدا بالعلماء إلى نشر ثقافة الوقاية قبل العلاج عن طريق طبيعة التسوق النافع وأسلوب الحياة العصرية الآمنة، نعم، إننا نقارن بين فعلين.

إن الخلل حين يكون في منطقة لا يعني أن كل المنطقة عطبة أو غير صالحة للتعايش، إن المرض في جزء لا يعني المرض في الكل، ومع ذلك مقابل الدراسة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين دراسة بريطانية حديثة نشرتها جامعة هيل نتائجها أن القرن الحادي والعشرين هو أفضل القرون في الوصول إلى نتائج مبهرة في الوقاية من الأمراض المنتشرة والخطرة.

التوازن مطلوب، فالرفض لا يعني الحقيقة، كما أن الخريطة ليست هي المنطقة، ولا هي الواقع الذي هي عليه، لذلك لا نجد تقدما للشعوب التي لا تحمل التفاؤل سمة لنجاح مهماتها، ومقومة لتقدمها، ودعما لإنجاز تقدمها.

حرصت الدراسات النفسية على ترك كلمة (ولكن) والتخلص منها، وأبرز ما جاء في تنمية المهارات الفردية والاجتماعية وصقل القدرات الشخصية، قوتها في فرض الحسن والانتقال منه إلى الأحسن من دون كلمة ولكن.

في اعتقاد الكثير من السياسيين والمحللين صحة اعتقادهم لمجرد القدرة على تحليل بعض القضايا والنجاح فيها، فإنه يصبح من السهل أن يكون كبير المحللين، ويقوم بفرض رأيه على كل شاردة وواردة، ما دعا غير أهل الاختصاص إلى التدخل في كل شيء لا يعنيهم والتنظير له، بيد أن ذلك من الأخطاء الشائعة فالأبواب التي تنظر إليها أنت، ليست من اختصاصك، ولذلك لا يصلح الباب إلا النجار، وإن اجتهد الصباغ في تجميله.

الاعتقاد حرية والانتقاد مرض، حرية الرأي سمة للجدية وفرصة لتغيير الحياة، أما الانتقاد فهدم لا بناء، والاعتقاد فرصة للتخصص لا الترخص، فأنت لست مرخصا باعتقادك أو بناء انتمائك، لأنك خارج السرب لن تكون قائدا بل وحيدا.

الشخصية التي تفرض معتقدها وتركض خلف مبادئها وترفض الاحتكام إلى الرأي وقبول الرأي الآخر، لن تتقدم مهما تكن ومهما تصل، لأنها تفرض رأيها من دون السماح بقبول الآخر، وهي مشكلة الجمعيات السياسية المعارضة لنظام التعاون والتوحد، وإن ادعت أنها تسعى إلى السلم الأهلي فهي تفعل عكس ادعائها بل تكذب حين تقول الوحدة الوطنية مطلب شعبي.

لم نجد ما يوافق الحقيقة في انتماء الجمعيات السياسية الخارجة عن أطر القانون والمنتمية إلى أحزاب خارجية معروفة، بل وجدنا أن الجمعيات السياسية تعمل على اعاقة كل تقدم في صالح المواطن والوطن، وتقف عثرة في وجه ازدهار البحرين.

الانتقاد سمة خاصة لها بل هو قالبها، والخلط بين الاعتقاد والانتقاد أحد أكبر الأسباب لظهور الفتن منها وفيها في كثير الأحيان، فإن كانت الجمعيات السياسية التي تدعي الوطنية تريد صالح البحرين وشعبها، فليس لها إلا أن تركن للمسيرة الإصلاحية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة.

لا محل للانتقاد بيننا، فهو معول هدم من الدرجة الأولى، وقد اصطلح المجتمع مصطلح الانتقاد البناء الذي لا وجود له في مدارس علم النفس ولا الاجتماع ولا التربية، ولم أجد للانتقاد معتقدا في الاسلام، لأن النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم لم ينتقد أحدا في فعل قط، بل لم نجد للانتقاد محلا في هوية الصحابة وآل البيت عليهم رضوان الله جميعا، وإن قبل المجتمع وتعارف على الانتقاد البناء فهذا لا يعني كونه من المعتقدات الصحيحة، فالنص القرآني خال من وجود انتقاد، كما نصوص الروايات تخلو منه.

هذا يدل على تعارف المجتمع بالتطبيع والتطبع والقبول بتراضي الاعتقاد، والصحيح أن الإنسان يفرض الصواب بل ينمي المجتمع بالمدح والعطاء، وهي سيرة الأنبياء منذ آدم حتى نبينا محمد عليهم أفضل الصلاة والتسليم.

وخلاف ذلك هدم للمجتمع وفقدان للهوية المعتدلة التي تحرص على قوة اجتماعية عملية.

ورسالتنا الأخيرة للجمعيات السياسية والوفاق: هل ما صنعت من خرق حدود الانتقاد وخلق لا حدود بتوزيع الاعتقاد خدما البحرين وشعبها؟

حفظ الله مملكة البحرين.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة