لماذا.. الإسلام في قفص الاتهام؟
 تاريخ النشر : الأحد ٣ يونيو ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
منذ أن بزغ فجر الإسلام وهو عرضة للحرب من مناوئيه،والكائدين له، فقد كان في دفاع ضد ما يشاع عنه من انه دين انتشر بحد السيف، وأنه صادر حرية الآخرين فيما يعتقدون، وهذه الاتهامات باطلة من أساسها للمتأمل في حقيقتها، ولكن غفلة بعض أهل الإسلام، وانشغالهم بشؤونهم الخاصة، شجعا أعداء الإسلام والمخالفين له على أن يدخلوا الإسلام في قفص الاتهام، وأن يجعلوه في موقف دفاع دائم لتفنيد شبهاتهم وكشف باطلهم.
والذي يزيد النفس حسرة أن ظهر من بين المسلمين من يظاهر أعداء الإسلام في نشر مثل هذه التهم، والترويج لها، وهؤلاء يقدمون لأعداء الإسلام ومناوئيه الحجج ضد الإسلام على طبق من ذهب، حتى قالوا: وشهد شاهد من أهله، أي من أهل الإسلام.
وبعض الأنظمة التي تخشى الإسلام، ولا تريد تدخله فيما تصنع، وتنادي بفصله عن السياسة، لتخلو لها الساحة، وتفعل ما تشاء في الناس وفي المال العام، وهي بهذا تظاهر أعداء الإسلام علمت بذلك أو لم تعلم، هذه الأنظمة تستنكر على الإسلام أن يبدي رأيا، أو يصدر حكما مخالفا لما يريده الحاكم، وتزعم بأن الإسلام هو فقط علاقة بين العبد وربه، وأنه ليس له علاقة بالحكم والسياسة.
وحتى يخرج الإسلام من قفص الاتهام ويلتقي أهله ومحبيه فيجب على المسلمين أن يهبوا للدفاع عنه، وتفنيد هذه الشبهات التي يرددها أعداؤه عنه، وهم لا يستطيعون ذلك ما لم يعرفوا الإسلام حق المعرفة، ويدرسوه دراسة وافية تبين لهم عظمة مبادئه، وسمو تعاليمه، وكمال تشريعاته.
يجب على المسلمين الذين يتصدون للدفاع عن الإسلام أن يكونوا على قدر المسؤولية التي يتصدون لها، ويدركوا أن ما بين أيديهم من تشريعات هو دستور إلهي ما فرط الله تعالى فيه من شيء، وقال عنه سبحانه: «إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا» (الإسراء/٩).
يجب على المسلمين الذين يقومون بمهمة الدفاع عن الإسلام أن يؤمنوا إيمانا راسخا بأن القرآن الكريم ليس دستورا عاديا كباقي الدساتير، بل هو أبوالدساتير من دون منازع، ويجب عليهم أن يهبوا لنجدته، وإنهاء عزلته عن أهله ومحبيه الذين طال شوقهم إليه، واشتد حنينهم إلى حلوله المباركة لمشاكلهم التي يعانونها، وبقاؤها من دون حل يعطل حركة حياتهم، ويؤجل مشاريع التنمية، ويقوض دعائم النهضة للأمة التي أصابها الوهن الحضاري الذي حذر منه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حديثه الجامع المانع حين قال: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، قيل: أومن قلة بنا يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: «بل إنكم يومئذٍ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل وقد نزل بكم الوهن»، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» رواه أبوداود.
فالأمة الإسلامية في هذا الحديث وكما أخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يكن ضعفها وتخلفها لقلة في عددها، ولا بسبب قلة مواردها وثرواتها، بل السبب وراء كل هذين الضعف والاستكانة لعدوها هو حبها للدنيا وإيثارها على الآخرة، وركونها إلى الدعة والكسل، وبعد ان كانت أمة مبدعة منتجة صارت عالة على غيرها، تستهلك ما ينتجه الآخرون من دون أن تسهم فيه، أو تضيف إليه شيئا جديدا.
لقد تلقى الصحابة الكرام الإسلام من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نقيا صافيا وقاموا بنشره، ودعوة الناس إليه، وقبل أن ينشروه بين الناس تمثلوه سلوكا قويما في حياتهم، وصاروا عنوانا على العدل والإنصاف والرحمة، فأحبه الناس بحبهم له، ودخلوا فيه أفواجا،
ولايزال الإسلام يستقبل كل يوم وفودا جديدة تعطيه ولاءها، وحبها، واستعدادها لبذل المهج والأرواح في سبيل الدفاع عنه، ورد أيدي من يريد به الشر إلى نحورهم.
كان المسلمون في فجر الدعوة الإسلامية، أمة قوية في إيمانها، قوية في توكلها على ربها سبحانه وتعالى، قوية في شخصيتها، قوية في اعتزازها بالحق الذي معها، وكانت قوية كذلك في دفاعها عنه، علم أعداؤها ذلك منها، فهابوها، وعملوا لمواجهتها ألف حساب، وخاصة أن انتصاراتهم الحربية طبقت شهرتها الآفاق رغم قلة عددهم وعدتهم، فعمق هذا من شعور الخوف عند أعدائهم منهم، وعلموا أن للنصر أسبابا غير العدد والعدة، وهاهو الصديق (رضي الله عنه) يقرر ذلك حين قال للجيوش الذاهبة إلى ساحات الجهاد: احرصوا على الموت توهب لكم الحياة.
والصديق (رضوان الله عليه) يقصد بذلك حياة الخلود عند الله تعالى في عليين.
والفاروق (رضي الله عنه) لا يفوته وهو يودع جيش الإسلام المتوجه إلى مواجهة أعداء الإسلام أن يزودهم بتوجيهاته السديدة قائلاً لهم: أيها الناس، إن الله تعالى قد أعزنا بالإسلام، ولو طلبتم العزة في غيره لم يزدكم الله تعالى إلا ذلا، واعلموا أنكم تنصرون على عدوكم بطاعتكم لله تعالى ومعصيتهم له سبحانه، فإذا تساويتم معهم في المعصية كانت الغلبة لهم، فهم أكثر منكم عدة وعددا.
ولنستمع إلى سيف الله المسلول خالد بن الوليد (رضي الله عنه) وهو يقول لقائد الروم: جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة.
ولنستمع إليه أيضا وهو يصحح لأحد جنود المسلمين الذي قال بعد أن هاله جند الروم لكثرتهم، فقال: ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فلما سمعه خالد قال له: بل قل ما أكثر المسلمين وأقل الروم، فإن الجيش يكثر بالنصر ويقل بالهزيمة!
بهذه الروح الإيمانية الوثيقة انتصر الإسلام على أعدائه، وبسط سلطانه على معظم المعمورة، وهابه أعداؤه، وسعى إلى خطب وده أصدقاؤه.
هذه كانت أمة الإسلام، أمة عظيمة رغم قلة عددها وعدتها في ذلك الزمان إلا أنها كانت صادقة الإيمان، وثيقة الصلة بالله تعالى، لا تصدر في أي أمر من أمورها إلا وفق ما يراه الإسلام، شعارها في كل ما تأخذ وتدع من أمور دينها ودنياها قوله تعالى: «...وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» البقرة/.٢٨٥
وهي امة لم تكن حروبها للظلم والاستعلاء، بل كانت هذه الحروب من أجل تحرير إرادة الشعوب وترك الحرية لها تختار ما تشاء، فإذا اختارت الإسلام كان لها ما للمسلمين من حقوق وعليها ما عليهم من واجبات، فإذا آثرت البقاء على دينها، فهي في حمى الإسلام ورعايته وعطفه، والدليل على صدق ما نقول وجود من أطلق عليهم في ذلك الوقت بالذميين، وهم أصحاب الملل الأخرى التي بقيت على أديانها مقابل ما تدفعه من جزية تسمى ضريبة الدم حيث يُعفى صاحبها من المشاركة مع جيش المسلمين في الحروب التي يخوضها المسلمون ضد أعداء الإسلام.
وربما كانت تهمة انتشار الإسلام في العالم بحد السيف هي أكثر التهم التي كانت وراء وضع الإسلام في قفص الاتهام، وقد آن الأوان لرد هذه التهمة وتبرئة ساحة الإسلام منها والأدلة على بطلانها كثيرة كما رأينا، وواضحة لا تحتاج إلى مزيد بيان.
دليل آخر على براءة الإسلام من تهمة انتشاره بالسيف أن أكثر الدول عدد مسلمين لم يصل إليها الإسلام عن طريق الفتوحات الإسلامية، بل وصل إليها عن طريق التجار المسلمين الذين ساحوا في هذه البلاد، واندونيسيا مثال على ذلك، فهي أكثر الدول الإسلامية عدد مسلمين رغم أن الجيوش الإسلامية لم تطأ أرضها.
ومن التهم التي روج لها أعداء الإسلام، وكانت السبب وراء وجوده في قفص الاتهام، تهمة إساءته إلى المرأة، وهي تهمة باطلة حيث يؤكد القرآن الكريم في نصوصه الكثيرة عنايته الفائقة بالمرأة: طفلة، وبنتا، وأختا، وزوجة، وأما. أنصفها في وجودها، فحرّم وأدها، (وإذا الموءودة سئلت. بأي ذنب قتلت) التكوير/ ٨ـ٩، ودافع عن حرية اختيارها لعقيدتها (وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين. وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابنِ لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها ورسله وكانت من القانتين) التحريم/١٠-.١٢
وأعطاها الحرية في اختيار زوجها، وجعل لها ذمة مالية مستقلة ليس للرجل عليها سلطان سواء كان والدها، أو زوجها، أو أخاها، ثم هي تحتفظ باسم عائلتها عند الزواج، فلا تغيره مع كل زوج يدخل بها كما يفعلون في الغرب، فهي تحتفظ بشخصيتها ولا تذوب في شخصية زوجها، والمرأة تتقاضى الاجر نفسه الذي يتقاضاه الرجل إذا كانت تؤدي الوظيفة نفسها ، وليس هكذا في الغرب.
إن مهمة محامي الإسلام جد سهلة، فله من نصوص القرآن والسنة ما يعينه على ذلك، بل إن واقع الحضارة الإسلامية يمده بفيض من الأدلة المعينة له على مهمته إذا أخلص في عمله، وتقرب بهذا العمل إلى الله تعالى.
وبإمكانه أن يسقط جميع هذه التهم الباطلة، ويخلي سبيل الإسلام، ويخرجه من قفص الاتهام، لأن الإسلام بريء من جميع ما نسب إليه من التهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب (عليهما السلام).
وليعلم الجميع أن كل لحظة يقضيها الإسلام وراء القضبان يتحمل مسؤوليتها المسلمون المقصرون الذين انشغلوا بمصالحهم الشخصية، وتركوا الإسلام وحيدا يواجه أعداءه وخصومه الذين لا يرعون فيه إلاٌّ ولا ذمة.
.