خبير استراتيجي فرنسي في محاضرة مهمة رعتها «حملة وحدة وحدة»:
أمريكا واستراتيجية الفوضى والفتنة الطائفية في العالم العربي
 تاريخ النشر : الأربعاء ٦ يونيو ٢٠١٢
السيد زهره
مؤخرا، ألقى الدكتور ايمريك شوبراد، الخبير الاستراتيجي الفرنسي البارز، محاضرة مهمة في البحرين حول الوضع الاستراتيجي في العالم، وفي المنطقة العربية.
المحاضرة نظمتها ورعتها «حملة وحدة.. وحدة» التي اطلقتها وزارة التنمية في البحرين.
وقالت الدكتورة مي العتيبي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «مياسم لاستراتيجية التواصل» والمشرفة على تنفيذ حملة وحدة.. وحدة، ان رعاية هذه المحاضرة لاستاذ عالمي بارز معروف في مجال التحليل الاستراتيجي، جاءت بهدف التوعية العامة بحقيقة الاوضاع في المنطقة، وابعاد استراتيجيات القوى الدولية والاقليمية وما تواجهه البحرين وباقي دول المنطقة من اخطار وتحديات.
واعتبرت الدكتورة مي العتيبي ان الوعي بهذه المخططات والاستراتيجيات والاخطار المرتبطة بها، هو في حد ذاته من شأنه ان يكرس الوعي العام في البحرين بضرورة وحتمية تحقيق الأهداف التي تسعى «حملة وحدة.. وحدة» إلى تحقيقها وما ننشده في البحرين عموما من مصالحة وطنية ومن تعزيز للتماسك الاجتماعي وتقوية للحمة الوطنية.
***
والدكتور ايمريك شوبراد، استاذ العلاقات الدولية ومستشار خاص لرئيس جمهورية الدومينكان، وهو واحد من ابرز الخبراء في العالم في مجال التحليل الاستراتيجي، وله العديد من الكتب التي تعد مراجع أساسية في هذا المجال.
وقد سبق أن اثار ضجة كبرى في الاوساط السياسية والاعلامية والاكاديمية في الغرب حين اصدر في بداية التسعينيات كتابه «صراع الحضارات المزمن».
ففي كتابه هذا، رفض الرواية الرسمية الامريكية حول هجمات ١١ سبتمبر في أمريكا وفندها، وأكد أن هذه الهجمات تندرج في إطار مؤامرة امريكية اسرائيلية، وقدم ادلة وبراهين على ذلك.
وبمجرد صدور الكتاب، اصدر وزير الدفاع الفرنسي في ذلك الوقت امرا بطرد الدكتور شوبراد من الكلية الحربية العليا حيث كان يدرس بها.
وفي المحاضرة التي القاها في البحرين، تطرق الدكتور شوبراد إلى ثلاثة جوانب اساسية:
١ ؟ اهداف وابعاد الاستراتيجية الكونية الامريكية والغربية عموما.
٢ ؟ الأدوات والاساليب التي تلجأ اليها أمريكا لتنفيذ استراتيجيتها وخصوصا في المنطقة العربية.
٣ ؟ الاوضاع الراهنة في الدول العربية في ظل ما سمي «الربيع العربي».
ونظرا لأهمية المحاضرة، رأينا من المهم ان نعرض هنا لأهم الأفكار التي طرحها.
***
الاستراتيجية الكونية الأمريكية
بدأ الخبير محاضرته بالحديث عن الوضع الاستراتيجي في العالم بصفة عامة، وخصوصا من زاوية الاستراتيجية الكونية الامريكية.
اعتبر ان الهدف الاستراتيجي الاكبر للغرب والولايات المتحدة هو ما سماه «تقوية العولمة الامريكية» وفرض السيطرة الغربية في العالم عموما.
وقال إن المشكلة الاساسية التي تؤرق الاستراتيجية الغربية هي وجود قوى متعددة تمثل اقطابا في العالم ويمكن ان تهدد الهيمنة الامريكية الغربية، ولهذا فان السؤال الاساسي الذي يشغل بال الامريكان هو: من هي القوة التي ستكون القوة رقم واحد في العالم؟ هل هي أمريكا ام الصين؟
وفي ضوء هذا، فان الهدف الاكبر للاستراتيجية الكونية الامريكية هو السعي بكل السبل إلى الحيلولة دون ان تصبح الصين هي القوة الاولى في العالم.
بعبارة اخرى، فان اكبر الاهداف الاستراتيجية الامريكية هو محاصرة الصين، وروسيا ايضا.
وفي هذا السياق، منذ مطلع التسعينيات تم توسيع حلف الناتو، بحيث اصبحت الخريطة الجديدة للناتو تمتد حتى حدود روسيا والصين، واعتبر ان هذا التمدد يصب في مصلحة الهيمنة الامريكية وخصوصا ان اوروبا ليس لديها مشروع استراتيجي عالمي خارج إطار المشروع الامريكي.
وفي إطار هذا الهدف الاستراتيجي الامريكي بمحاصرة الصين والحيلولة دون ان تصبح القوة الاولى في العالم، قال انه في العقود القادمة فان الصين والهند سوف تعتمدان اعتمادا اساسيا على واردات النفط والغاز من الشرق الاوسط.
ولهذا، فان الولايات المتحدة في تخطيطها الاستراتيجي تحرص على ان تظل لها السيطرة في منطقة الشرق الاوسط كي يكون بمقدورها التحكم في هذا المصدر الحيوي لقوة الصين.
اما بالنسبة إلى روسيا، فان أمريكا تحاصرها بالدروع الصاروخية، وهذا هو جوهر الازمة بين روسيا وامريكا اليوم. ولهذا، فان أي صفقة محتملة بين أمريكا وروسيا في الشرق الاوسط ستكون مدفوعة حتما وبالأساس برغبة روسيا في حل ازمة الدرع الصاروخية هذه.
***
أدوات وأساليب
الاستراتيجية الأمريكية
قال الخبير الاستراتيجي ان الولايات المتحدة في سعيها إلى تطبيق استراتيجيتها الكونية، تلجأ إلى استخدام ادوات واساليب كثيرة ايديولوجية وسياسية، لكن في مقدمتها ثلاث ادوات واساليب كبيرة:
اولا: صراع الحضارات.
وهي النظرية التي بشر بها المفكر الامريكي صمويل هنتنجتون منذ التسعينيات، والتي تعتبر ان الصراع حتمي بين الحضارة الغربية والعالم الاسلامي، والصين ايضا.
وعلى الرغم من ان صراع الحضارات ليس سياسة رسمية تتبناها الولايات المتحدة، فان مقوماتها وابعادها حاضرة بقوة في الخطاب السياسي والاستراتيجي الامريكي.
ثانيا: الارهاب العالمي.
القضية هنا في رأيه ان هناك جماعات ارهابية في العالم، سواء كانت اسلامية او غير اسلامية.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة فان استراتيجيتها تقوم في جانب اساسي منها على استغلال هذه الجماعات واستخدامها لاشاعة الفوضى وعدم الاستقرار، مما يتيح لأمريكا التدخل واستخدام القوة وفرض سيطرتها.
ثالثا: الفوضى البناءة واستغلال قضية حقوق الانسان.
احد الابعاد الاساسية للاستراتيجية الامريكية بحسب الخبير الاستراتيجي تأييد الاقليات وتشجيع النزعات الانفصالية.
وهي لا تفعل ذلك لغرض مبدئي لكن بغرض تحقيق هدف استراتيجي آخر يخدم الاستراتيجية الامريكية، هو اشاعة الفوضى وتقويض الاستقرار في الدول والمناطق التي تستهدفها امريكا.
وفي سبيل ذلك، تلجأ الاستراتيجية الامريكية اساسا إلى استغلال اجندة حقوق الانسان ودعاوى الحرص على الديمقراطية وعلى حقوق الانسان في العالم.
واثار الدكتور شوبراد جانبا مهما هنا.
قال انك عندما تسيطر على الاعلام في العالم، كما هو الحال بالنسبة إلى أمريكا اليوم، فانك تستطيع عبر هذه الآلة الاعلامية الضخمة ان تحدد، من هو الطيب ومن هو الشرير.. من هو الذي يلتزم او لا يلتزم بحقوق الانسان، بحسب ما تريد، وحسب مصالحك.
يريد ان يقول هنا ان أمريكا بمقدورها عبر الحملات الاعلامية الضخمة ان تحرك ملف حقوق الانسان المزعوم ضد أي دولة كما تشاء وتستغله كي تمرر مخططاتها واجندتها.
***
الربيع العربي:
جوانب أساسية
تطرق الخبير الاستراتيجي الفرنسي في محاضرته إلى الاوضاع في المنطقة العربية في ظل ما سمي «الربيع العربي».
وركز هنا في عدة جوانب اساسية من وجهة نظره في مقدمتها جوانب ثلاثة:
اولا: انه لا يمكن شرح او تفسير الربيع العربي والاسباب والعوامل التي قادت اليه بعامل واحد او بمجموعة واحدة من العوامل.
بمعنى انه لا يمكن تفسير هذه الانتفاضات التي شهدتها الدول العربية، بالعوامل الداخلية فقط او الخارجية وحدها. الحادث انه خليط من هذه العوامل مجتمعة هو الذي قاد للربيع العربي.
ومن وجهة نظره انه من الخطأ القول ان الشعوب العربية انتفضت وفجرت هذا الربيع العربي للمطالبة بالديمقراطية الغربية او تطلعا اليها. الأصح في رأيه ان الشعوب العربية انتفضت بحثا عن الكرامة والمكانة اللائقتين بالمعنى العام.
ثانيا: انه من الملاحظ ان كل النظم التي سقطت في العالم العربي في خضم هذا الربيع العربي، هي نظم جمهورية، وهو امر يستحق التأمل والتفسير.
وفي رأيه ان السبب الاساسي مرتبط بقضية الشرعية السياسية.
بالنسبة اليه، النظم الملكية العربية تتمتع بشرعية سياسية اكبر واكثر قوة من النظم الجمهورية لسببين:
١ -ان النظم الملكية العربية تتمتع بالشرعيتين السياسية والدينية معا.
٢ - ان النظم الملكية اكثر مرونة وكفاءة في التعامل مع مختلف القوى
والجماعات في المجتمع على اختلاف انتماءاتها وهوياتها، واكثر قدرة على اقامة التوازن بين مختلف مكونات المجتمع.
وقال الخبير الفرنسي ان هناك اعتقادا شائعا في العالم أن اتجاه حركة التاريخ هو بالضرورة نحو النظم الجمهورية، وهذا الاعتقاد ليس صحيحا في رأيه، وليس هناك ما يعززه. وأضاف أن الترويج لهذا الاعتقاد هو في الحقيقة من الافكار الامريكية الغربية التي تجب محاربتها.
ثالثا: فيما يتعلق بالعامل الخارجي ودوره في الربيع العربي، قال الخبير الفرنسي ان هذا العامل كان اكثر وضوحا في ليبيا بالدور الذي لعبته أمريكا ولعبه حلف الناتو، لكنه اقل وضوحا في دول مثل مصر وتونس.
لكن المؤكد في كل الأحوال ـ في رأيه ـ ان هناك دولا وقوى خارجية تسعى إلى استغلال الاوضاع العربية في ظل تطورات الربيع العربي من اجل اثارة الفوضى وتمزيق المجتمعات العربية.
واشار في هذا السياق إلى دور ايران، وقال إن إيران تدفع مجموعات صغيرة موالية لها في بعض الدول العربية إلى اثارة الفوضى.
وبشكل عام فان القوى الاجنبية وخصوصا الولايات المتحدة تسعى في ظل الاوضاع العربية الحالية إلى تحقيق ثلاثة اهداف اساسية:
١ - اشاعة الفوضى وتقويض الامن والاستقرار في الدول العربية.
٢ - تمزيق وحدة المجتمعات العربية واثارة الصراعات الداخلية بين مختلف قوى المجتمع وخصوصا على اسس طائفية.
٢ - اضعاف استقلال الدول العربية وقدرتها على التحكم بمقاديرها.
***
إشعال الصراع الطائفي
وتوقف الخبير الفرنسي عند استراتيجية أمريكا لاستغلال الخلافات الشيعية السنية في منطقة الخليج بالذات وتأجيج الصراع الطائفي.
قال إن الشيعة والسنة في المنطقة تعايشوا معا على امتداد السنين. لكن فجأة وجدنا الانقسام الطائفي والصراعات الطائفية تتفجر في العراق بعد الغزو والاحتلال الامريكيين.
واعتبر ان أمريكا تسعى إلى استغلال هذه الخلافات الطائفية وتأجيجها في المنطقة لأن ذلك يحقق لها هدف اثارة الفوضى وتقويض الاستقرار ويحقق مصالحها الاستراتيجية.
وقال إنه من مصلحة أمريكا ان يبقى هذا الصراع قائما ومستمرا. ولهذا، فهي تسعى إلى ان يكون هناك في المنطقة قطب شيعي محوره ايران، وقطب آخر سني في المنطقة في مواجهة القطب الشيعي. وهذا يتيح لأمريكا التدخل باستمرار في المنطقة، واستغلال هذا الصراع لصالحها وصالح اهدافها الاستراتيجية.
واعتبر ان هذا الوضع في منتهى الخطورة، ولهذا يجب ان تسعى دول المنطقة إلى انهاء هذا الانقسام واحتوائه بالسبل كافة.
***
وفي النهاية وفي ضوء هذا التحليل الذي قدمه، اعتبر الدكتور شوبراد ان هناك ثلاث اولويات كبرى مطروحة على الدول العربية اليوم، ويجب ان تسعى إلى تحقيقها، هي:
١ - تحقيق الأمن والاستقرار الداخليين.
٢ - تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي بين مختلف مكونات وقوى المجتمع.
٣ - التمسك بالاستقلال الوطني وتعزيزه.
.