كيف الخروج من أزمة الدولة والمجتمع العربي؟
 تاريخ النشر : الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
على اثر اصابة قديمة بالظهر (انزلاق غضروفي) استيقظَت على غير موعد نُقلت على إثرها إلى المستشفى وقضيت ثماني ساعات مع معاناة الم الظهر. انتابتني موجة من الشعور بالآلام التي عاناها مئات، ان لم يكن ألوف من الشباب والأطفال والنساء والشيوخ العرب على مدى عقود خضعت الأمة العربية فيها تحت وطأة الاستبداد. تأملت حينها قدرة الانسان على تحمل آلام التعذيب من ناحية، ومن ناحية أخرى قسوة الانسان على إنزال التعذيب على الآخرين واستعذاب صرخات الألم الصادرة عن المواطنين المطالبين بحريتهم وبحقوقهم في الحياة الكريمة.
مضى عام ونصف عام والشعوب العربية تعاني مآسي الاستبداد والظلم، وتتكرر المجازر الوحشية التي لا تفرق بين الاطفال والنساء وحالات الاغتصاب والتحرش التي لا تفرق بين شيخ وشاب او طفل.
عام ونصف عام ونحن نشاهد على شاشاتنا من يبرر هذه الجرائم ويجد الاعذار لمرتكبيها باسم الدولة وحماية الوطن من المؤامرات الخارجية والخطر الخارجي الداهم، ويصف مرتكبي التعذيب بالابطال المدافعين عن الوطن والضحايا خونة وعصابات ارهابية تستحق العقاب حتى قبل المحاكمة واثبات الجرم، حتى شيوخ الدين بعضهم صمت والبعض الآخر وجد من الأحاديث والآيات ما يشرع لهذا التعذيب وهذه المجازر مع علمهم بأن كرامة الانسان اهم عند الله من الدولة.
عام ونصف عام ونحن نشاهد سيلا من التحاليل السياسية والفكرية تتناول الوضع العربي، وجميع هذه التحاليل تصل إلى ثلاث قضايا أساسية تشغل المجتمعات العربية تتلخص في الاستبداد والفساد والحرية. هذه الآفات الثلاث مجتمعة تتفاعل في منظومة شرسة تُفشل جميع جهود التنمية وتقدم الامة.
عام ونصف عام ونحن نرى السلطات تدافع عن هذه المنظومة الشرسة والوضع الفاسد الناتج عنها، وتدافع عن مصالحها التي أصبحت مهددة من ثورات الاصلاح والتغيير، متجاهلة مقدار ما قامت به من تشويه للمجتمعات وافساد فئات كبيرة منها. هذه الفئات الفاسدة مازالت تدافع عن الاستبداد وتبرر المجازر والمآسي والمظالم بتحليلات استراتيجية ومؤامرات خارجية على الاوطان وتروج لحلول امنية تحفظ بها ما تبقى لها من نفوذ في هذه الانظمة الفاسدة وتجعل سلامة الدولة وسيادتها اهم من حقوق الانسان وكرامته، في حين ان الدولة وجدت لخدمة الانسان وليست لاستعباده.
في الوقت الذي تخوض الأمة العربية معركة الحرية والكرامة ومحاربة الاستبداد والفساد من اجل حياة افضل، واللحاق بركب التقدم العالمي الذي عجزت الأنظمة العربية عن تحقيقه، نجد ان الدول المتقدمة وكثيرا من دول العالم الثالث قد تجاوزت فترة الصراع بين السلطة والشعب من اجل الكرامة والحرية. الثورات العربية تعطينا أملا في استعادة حرية المواطن ودور الدولة الحقيقي قبل مصادرته من قبل قوى الاستبداد. وأهم هذه الثورات هو ما يحدث في مصر من حراك شعبي في جميع الميادين لينذر بأن المجتمع صَحَا ولن ينام بعد اليوم. يقول احد الفلاحين المصريين البسطاء «ان حرب ١٩٧٣ حررت الارض، اما ثورة ٢٥ يناير فانها حررت الفكر»، ولو رجع حسني مبارك نفسه لن يستطيع ان يستبد بالشعب المصري ويستعبده.
يطرح سؤال حول طبيعة الحلول المطروحة والممكنة في بعض الدول التي مازالت شعوبها تنازع للتخلص من قوى الاستبداد، هذه الحلول لابد ان تستند إلى أسس تضع كلا من الدولة والسلطة والمجتمع والفرد في مكانه الصحيح، وتفرق بين الدولة والسلطة وتنشئ التوازن بينها وبين سلطات المجتمع وحقوق الفرد.
الإجابة، في رأي محمد عيسى - كتاب أزمة الدولة في العالم العربي، ٢٠١١ـ تكمن في الإقرار بأن هناك خطأ في صلب تكوين الدولة في العالم العربي، ولكي نضع الخطوات الاصلاحية موضعا يضمن الاستمرار وقبول الجميع، يطرح الكاتب سؤالا مبدئيا: لماذا فكر الناس في إنشاء الدولة؟ هل لتقوم باستعبادهم والسيطرة عليهم وإخضاعهم لشتى أنواع الظلم ام ان تقوم بترسيخ القيم الاساسية في المجتمع وحمايتها، وان تهدف إلى التطور الحضاري للمجتمع واحداث نقلة في حياة الشعوب، وان تكون اداة بيد المجتمع لاحداث التكامل القومي أو الوطني، وأداة للحرية، وأداة للديمقراطية، وأداة للمساواة، وأداة للعدل الاجتماعي؟
بدلا من ذلك فقد تحولت الدولة في العالم العربي إلى أداة للقمع وإلى التسلط، ودخلت في منظومة رباعية غريبة من تحالف السلطة والثروة وتحالف الاستبداد والفساد في إطار تمركز السلطة في شخص الرئيس وتجسيد الدولة في شخصه. أدت هذه المنظومة الرباعية المشئومة إلى انهيار العديد من الدول العربية. والسؤال هو كيف الخروج من هذا المأزق الذي وضَعنا فيه الحكام؟
يرى الكثيرون انه بعد الحرب العالمية الثانية اتجه العالم من خلال مؤسسات أممية نحو المؤسسية في ادارة الدولة لمعالجة الاستبداد الفردي. هذا النهج اتبعه الكثير من دول العالم الثالث ونجح العديد منها في الخروج من ازمة الدولة والمواجهة مع المجتمع. لماذا اذًا فشلت دول عربية في انتهاج المسار نفسه على الرغم من ان جميع الدول العربية وقَّعت المعاهدات الدولية التي تعزز الديمقراطية وحقوق الانسان واقرت الالتزام بها؟
يقترح البعض اللجوء إلى القضاء الدولي في محاكمة الانظمة لفشلها في تطبيق ما ورد في المواثيق الدولية، غير ان التجارب اثبتت ان المزاج الدولي محكوم بمصالح تجعل هذا الخيار مرهونا بعوامل خارجة عن إرادة الشعوب، والمثال السوري يثبت ذلك.
لم يبق إذاً للشعوب، للخروج من مأزق الدولة المتسلطة، غير النضال من أجل حريتها وكرامتها، والاستمرار في البحث عن المعادلة التي تناسب كل مجتمع على حدة ومن بينها المجتمعات الخليجية، ونأمل ان يكون هذا النضال والبحث عن المعادلة المناسبة نضالا سلميا.
.