الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠٢ - الجمعة ١٥ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


المسكوت عنه في أمن الخليج.. قيل في مؤتمر





على مدى يومين التأم في البحرين مؤتمر أمن الخليج العربي «الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية عبر الأقاليم» الذي نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية في بريطانيا.

وقد حظي هذا المؤتمر بحضور لافت من قبل قادة السياسة والأمن والخبراء من الخليج وبريطانيا والولايات المتحدة وتركيا والهند ومصر وغيرها من الدول. وحفل بالعديد من أوراق العمل والنقاش المباشر في قضايا غاية في الحساسية والأهمية، قد يكون للمرة الأولى يتم التطرق لها من بينها التوترات الطائفية في المنطقة وطموح الزعامة الإيرانية، بجانب ترتيبات الولايات المتحدة وبريطانيا في الخليج.

وعلى الرغم مما حصده هذا المؤتمر من تغطية إعلامية واسعة، إلا أنني أود أن أشارك القراء الكرام بأهم النقاط ومحاور الحديث التي استرعت انتباهي في المؤتمر وتدخل في حيز المشاهدات والانطباعات.

ولنبدأ بالجلسة الافتتاحية، حيث فجرت العديد من المفاجآت ورسمت على وجوه الحاضرين علامات الاندهاش لجرأة ما طرحه وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة حول اختبار جدية الولايات المتحدة في احتواء امن الخليج والتزامها بتعهداتها في ظل التمدد الإيراني الذي استفاد كثيرا من الوضع المرتبك في المنطقة، حتى بلغ الاستفزاز الإيراني مداه في الزيارة الأخيرة للرئيس احمدي نجاد لجزر الإمارات الثلاث المحتلة، وجاء الرد الغاضب عليها من الخليج سريعا لتأكيد عروبة هذه الأراضي مهما طال أمد الاحتلال.

ثم تحدث الوزير عن سياسة الكيل بمكيالين للمنظمات الحقوقية فهي حين تضع تحت المجهر الخليج وقضاياه، تتغافل تماما قضية المواطن الفلسطيني وتجرعه مرارة الاحتلال الإسرائيلي واغتصاب أرضه أكثر من ستين عاما!!

أما التساؤلات التي ألقى بها على مسمع الحاضرين فهي أشبه بالأحجار الصغيرة التي يرمى بها في البحر وما تلبث أن تكبر دوائرها وتتمدد لتطلق العنان للتفكير والتدبر فيها، ومنها هل من المفروض أن تنهار الدولة من أجل التغيير؟ هل إشعال الفتنة المذهبية ضرب للإسلام من الداخل؟ ثم ما هي علاقة أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالربيع العربي؟ أسئلة حقا تحتاج إلى سلسلة مؤتمرات مشابهة للبحث فيها !!

وما كاد الحاضرون يستوعبون حديث الوزير حتى باغتهم أمين عام مجلس التعاون بحقيقة معاناة البحرين من الإرهاب، حين بدأ حديثه مترحما على روح الشهيد احمد الظفيري وتأكيده انه مات ضحية الإرهاب والغدر، وهذه في حد ذاتها شهادة واعتراف دولي أن ما يحدث في البحرين ليس عنفا وتخريبا كما تزعم الوسائل الإعلامية الأجنبية والأقلام المأجورة، إنما هو إرهاب وتطرف تتفق كل الديانات السماوية والأعراف الشرعية على نبذه ومكافحته.

ورغم جرأة طرح وزير الداخلية وأمين عام مجلس التعاون، إلا أن وزيرة شؤون الإعلام البحرينية سميرة رجب فاقتهما في كشف الحقائق للمسئولين الأجانب المشاركين في المؤتمر، حين اعترفت بتقصير البحرين في الدفاع عن نفسها إزاء الهجمات الإعلامية المقصودة التي تعرضت لها ولا تزال، حتى أن بعض القنوات التي اعتمدت على من ادعوا أنفسهم أطباء بمجرد لبسهم معطف الطبيب روجت لمريض الدم المنجلي السكلر على انه شهيد!! متغافلة انه مرض وراثي بحت. وبينت رجب أن ما مرت به البحرين هو حرب إعلامية استخدمت فيها كل أدبيات الكذب ودعم لوجستي من الوزن الثقيل!!.

بعدها توالت جلسات العمل التي عجّت بالعديد من المحاور أبرزها كانت تلك الجلسة التي ناقشت التوتر المذهبي والطائفي في المنطقة قياسا على الحالتين السورية والعراقية. فقد جاء في ذلك النقاش انه لا علاقة للطائفية ونموها في المجتمعات التعددية، إنما الطائفية تحمل شعارها جماعات توظفها لخدمة أغراضها السياسية قد لا تكون دينية، فالليبراليون وهم ليسوا بجماعات دينية هم من يقودون الطائفية في يوغسلافيا بحسب ما ذكر الدكتور باقر النجار، الباحث في العلوم الاجتماعية، واستطرد في قوله أن النظام العراقي السابق لم يكن بذاك السوء بل كان يسمح بالتعددية مقارنة بالنظام الحالي. وانتقد النجار استيراد بعض الجماعات الدينية في البحرين الشعارات المتداولة في العراق مثل «ترتيب البيت الشيعي», لأنها تهدف إلى نزع المكون الشيعي عن بقية المكونات المجتمعية، وفي ذلك خطورة وتهديد حتى على الانتماء الوطني.

الدكتور بشير زين العابدين، باحث بمركز دراسات, قدم إيجازا عن عهد الراحل حافظ الأسد وكيف أن بلاده سوريا احتضنت فروع حزب الله وقادته منهم احمد المغسل، مؤسس حزب الله الحجاز، وكيف أن الأسد تعاون مع الاستخبارات الإيرانية لتكوين جماعات في لبنان وتسليحها، وذكر زين العابدين أن المعارضة الخليجية حظيت أيضا بدعم وتمويل دمشق منها عناصر جبهة تحرير البحرين وجبهة الدفاع عن المعتقلين سنة ٨٣، وان الاصطفاف الطائفي أنتجته الأزمة السورية عندما أيدت حكومتا المالكي وحزب الله اللبناني النظام الحاكم الحالي.

ونبه زين العابدين إلى أن عمليات التفجير في الخليج ستزيد كلما طال أمد الأزمة السورية وتعقيداتها، استنادا الى التقارير التي ظهرت تزامنا مع الكشف عن حادثة تدبير اغتيال السفير السعودي في أمريكا. مختتما أن الأزمة في سوريا لم تعد محلية وتتعلق بحرية إنما إثبات حالة نصر لأنظمة!!

أما عن إيران ومحاولة فهمها من الداخل فقد اثرى الموضوع شرحا وتفصيلا السيد أنور عبدالرحمن، رئيس تحرير صحيفة أخبار الخليج البحرينية، حين قال إن أسباب النظرة القاصرة الى الداخل الإيراني تعود الى عدم قراءة العقلية الفارسية واللغة التي تتحدثها والنزعة الاستعمارية التي تميل إليها منذ سالف العصور. ضاربا مثلا بوصف الإيرانيين في وسائلهم الإعلامية العرب بأنهم حفاة وعراة في الصحراء!!

وانتقد عبدالرحمن تقديم إيران لنحو ٦٠٠ منحة دراسية دينية للطلبة البحرينيين وعدم تقديم منح لدراسة العلوم الطبيعية أو الفيزيائية، متسائلا لماذا تستكثر إيران تخريج عالم نووي شيعي عربي؟!

وقال عبدالرحمن إن إيران تعاني سوءا في الإدارة فهي تمول حزب الله اللبناني بحوالي ٥٠٠ مليون دولار سنويا، إلا أن المواطن الإيراني نفسه يعاني ضيق المعيشة فقيمة كيلو اللحم تعادل مدخول يومين لحرفي هناك!!

وبدورها فسرت الدكتورة نيفين مسعد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة, حالة الهياج التي ظهرت عليها إيران بمجرد إعلان فكرة قيام الاتحاد الخليجي على أن هذا الاتحاد جاء متعارضا مع مسعى إيران لتقديم أوراق اعتمادها في المنطقة كراعية لإعادة تشكيل الساحات العربية. من هنا تكمن أهمية الإسراع في إنشاء الاتحاد الخليجي لتحقيق التوازن في المنطقة.

وليت المقال يسع لعرض كل ما قيل ونوقش في المؤتمر، إلا أن الخلاصة التي خرجنا منها أن الخليج أضحى تكتلا عملاقا وله التأثير الأكبر في الشرق الأوسط، وقراراته موضع اهتمام كبار الدول. ولو تمكن من تحقيق الاتحاد حتما سيتضاعف تأثيره ويغدو عضوا في نادي اللاعبين الكبار.

وحري أن تستمر هذه المؤتمرات وتنشر أوراق عملها وتوصياتها، كي لا تظل حبيسة القاعات في عصر سمته السرعة في نشر المعلومة!

إن مؤتمرا كهذا يشكر كل القائمين عليه لأنه بالدرجة الأولى عزز سمعة البحرين وريادتها في احتضان الفعاليات الدولية الهامة، كما اوجد المناخ لتعريف الأجانب بحقيقة الشأن البحريني بصفة خاصة والخليجي بصفة عامة، فالتحية للدكتور محمد عبدالغفار، مستشار جلالة الملك المفدى للشؤون الدبلوماسية ورئيس مجلس أمناء مركز دراسات، وتحية لفريق العمل اذكر منهم من يحضرني وليعذرني الآخرون: خالد عاشير، نانسي جمال، راشد البنعلي، فواز العتيبي، منذر بوهندي. وغيرهم من فريق المركز ونظرائهم في المركز البريطاني, على حسن التنظيم والإعداد الجيد للمؤتمر.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة