الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٠ - السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٣ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


مَن مِن هؤلاء نحن؟





يقال إن بدوياً أوى إلى واحة ليبيت فيها, وفي تلك الليلة أوقد البدوي ناراً ليطبخ عشاءه وليتدفأ بها, وعند الصباح أفاق البدوي ليرى الكارثة التي كان قد تسبب بها, حيث إن شرارة طارت بسبب الرياح لتضرم النار في الحشائش الخضراء بالواحة. ولشعوره بالذنب الشديد قام البدوي ليحاول إطفاء النار إلا أن محاولاته باءت بالفشل.

ومن خلال محاولاته لاحظ أن هناك أفعى كبيرة عالقة في شجرة اشتعلت فيها النار فهب ليساعدها ولكنه تردد خوفا منها, فإذا بالأفعى تناديه وتسترجيه أن ينقذها, فسألها «وما يضمن لي أنك لن تلدغيني إذا ما أنقذتك؟» فأجابت «وهل يا ترى هذا من شيمي وأنت من سينقذني من الموت؟» فقام وأحضر كيسا كان يحتفظ به في سرج راحلته ووضعها على طرف غصن كسره من شجرة كان يستظل بها وطلب من الأفعى أن تدخل في الكيس كي ينقذها. وهكذا دخلت الأفعى الكيس وحملها البدوي بغصن الشجرة إلى الطرف الآخر لتنجو من النار.

وما أن همّ البدوي ليطلق سراح الأفعى لاحظ أنها استدارت متجهة اليه, فسألها «ما لكِ لا تغادرين, استنكثين بوعدك وتهاجميني؟» فأجابته «إنكم يا بني آدم لا تتركون الخلائق في حالها وتضرون كل من هو في طريقكم وتتوقعون بعد ذلك أن تفي الخلائق بمواثيقها معكم في حين أنكم لن تترددوا في الفتك بأي منها أو استغلالها لمصالحكم, فنعم إنني سألدغك». وبعد نقاش وصل الطرفان إلى اتفاق أن يحكِّموا بينهم أطرافا أخرى ليقفوا على عدالة الأمر فتوجهوا إلى بقرة سائبة ترعى في الواحة وسألوها فأجابت «إن بني آدم غدارون واستغلاليون وقد استغلوني وأنا في قوتي فأخذوا مني الحليب الذي استفادوا منه واستغلوني للحرث عندما كنت في كامل قواي والآن وعندما كبرت جاءوا بقصاب ليذبحني وليبيع لحمي فهربت على إثر ذلك إلى هذه الواحة, فنعم إنني أرى أنه يستحق اللدغ». وهنا أجاب البدوي «شهادة واحدة لا تكفي» فتحاكما إلى الشجرة فقالت «ابن أدم استغلالي يستغل ظلالي ويأكل من ثمري الذي لا يقطفه إلا برمي الحجارة علي وبعد هذا يكسر أغصاني ليصنع منها ما يشاء ولا يبالي حتي بأن يرويني, فنعم يستحق اللدغ».

وهنا بدأت الأفعى تدنو من البدوي فإذا بالثعلب فأشار البدوي اليه قائلا «شهادة أخيرة ولكِ ما تشائين», فاحتكما إلى الثعلب الذي قال «إنني أرى الكذب بعينه في هذه القصة فكيف بأفعى كبيرة أن تدخل في كيس صغير كهذا؟», وهنا أجابت الأفعى أن هذه هي الحقيقة وإن لم يصدق فإنها مستعدة لتثبت ذلك ولتريه كيف دخلت في الكيس, وهكذا دخلت الأفعى في الكيس لتثبت صدقها للثعلب، فوثب البدوي على الكيس وربطه ونزل يضرب الكيس بعصاته حتى ماتت الأفعى وأكلها الثعلب.

والآن مَن مِن هؤلاء نحن؟ فإن افترضنا أن البدوي يمثل الحكومة فمن منا الأفعى التي لو أنقذتها الحكومة وانجتها من الموت المحدق وأسبغت عليها من النعم والمراكز المرموقة والعطايا فإن الغدر في دمها ولن ترضى إلا أن تلدِغك يا أيتها الحكومة الرشيدة؟

ومن منا البقرة الحلوب التي أعطت من خيرها للحكومة وعملت في بناء البلاد معها يدا بيد وحرثت وخدمت لتأتي الحكومة الرشيدة بعد هذه السنين لتوجه لها الضربة القاضية ولتعرضها أمام أعينها على القصاب ليذبحها ولتستمر الاستفادة منها حتى بعد موتها.

ومن منا الشجرة التي لطالما استظلت الحكومة بظلالها واستفادت من ثمارها ولو بطريقة غير عادلة من خلال رميها بالحجارة وظلت الشجرة قائمة أبية لا تروى حتى من قبل من يستفيد منها لتواجه بعدها مصيرها ولتموت بكرامتها وسكوتها وهي واقفة شامخة أبية.

ومن منا الثعلب المكار الذي ظن كل طرف أنه معهم لا محالة وأنه لا داعي لإرضائه ليقلب بذلك الموازين وليبحث عن مصلحته ويغدر بمن ظن أن شره مأمون وإنه لن يحرق الإطارات ولن يُسِّير المسيرات التي تسقِّط من تسقِّط ولن يتحدث مع القنوات الفضائية ولن يقف ضد الحكومة فهو في حالة وهو من الفئة الصامتة التي همها مصلحتها الشخصية ولا شأن لها بأحد والأهم من هذا أن شرها مأمون.

إن في هذه القصة عبرة, فالفئة الصامتة هي الفئة التي لطالما قدمت للبلاد وجاهدت لرفعته ووقفت لنصرته وهي الفئة التي قامت البلاد على أكتافها. إنها الفئة التي لم تحلم بالنجاح إنما سهرت الليالي لتحرزه, وهي الفئة التي لا تُسِّقط ولا تسِّير ولا تحرق ولا تكذب.

إن هذه الفئة قد آن الأوان أن تقدر, وان لا تهمش, وأن لا يعتبرها أولوا الأمر من المعطيات, وان لا يُسلِّموا أنها هنا اليوم وقد كانت هنا بالأمس وستكون هنا بالغد.

ثم هل لنا هنا أن نتساءل لِمَ كل هذا التخوف من الزيارات التي يقوم بها السفير الفلاني أو الوزير الفلاني أو ممثل الحكومة الفلانية إلى أي جهة كانت في البلاد؟ فلو كان الغرض مثلا من زياراتهم تنصير الشعب فهل كنا سنخاف بنفس الدرجة؟ أم إننا على يقين بأننا متمسكون بديننا إلى درجة أنه لن تهزنا أية محاولة تنصيرية.

لِمَ إذا الخوف؟ أهو لأن العلاقة بين الحكومة وأبنائها هشة إلى درجة خطيرة وإن الخوف هو من أن الفئة الصامتة قد تضيق ذرعا وقد تمد يدها على أثر ذلك إلى الفئة الضالة؟

إن هناك مثل إنجليزي يقول «لا تقدم مواعظك لمن هو متمسك بدينه فهو في غنى عنها بل قدمها لمن لا دين له».

* محام ومستشار قانوني







































.

نسخة للطباعة

روسيا حين تخسر العرب!

لعل من المتعارف عليه في الدوائر السياسية أن روسيا اليوم لا ينبغي أن تمثل الاتحاد السوفيتي السابق، والمقصود ... [المزيد]

الأعداد السابقة