روسيا حين تخسر العرب!
 تاريخ النشر : السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٢
أنور عبدالرحمن
لعل من المتعارف عليه في الدوائر السياسية أن روسيا اليوم لا ينبغي أن تمثل الاتحاد السوفيتي السابق، والمقصود بهذا أن تطلعات وأولويات الشعب الروسي بعد إسقاط النظام الشيوعي والاتجاه إلى ممارسة التجربة البرلمانية الديمقراطية، أصبحت مختلفة تماماً، علماً بأن «الديمقراطية الروسية» لم تنضج سياسياً حتى الآن لكي تصل إلى مستوى الديمقراطيات المتقدمة والمستقرة عالميا.
وهذا يدعونا إلى مناقشة الموقف الروسي الحالي الذي يصر على دعم النظام السوري الذي يرتكب مذابح يومية ضد أبناء شعبه، فالموقف الروسي موضع إدانة واستهجان واسع النطاق، لأنه يتمادى في تجاهل رؤى ومواقف كل القوى الدولية - سواء أكانت غربية أم عربية وإسلامية - التي تدين جرائم النظام السوري تجاه شعبه.
ومن الغريب استمرار روسيا في إرسال الأسلحة إلى نظام بشار الأسد ليواصل جرائمه ومذابحه المروعة الرامية إلى ضرب الحركة الشعبية السورية المتصاعدة بل محاولة إجهاض الثورة السورية ضد ذلك النظام الدكتاتوري الذي تنتمي ممارساته وأفعاله إلى عهود النظم الفاشية.
ومما يدعو إلى التساؤل والدهشة حقاً إصرار روسيا على الوقوع في أخطاء الحسابات السياسية بالإصرار على دعم النظام السوري الذي بات متهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وسيتعرض حتماً للملاحقة القضائية الدولية لتقديم أركان حكمه إلى المحاكمة الجنائية في مرحلة آتية لا ريب فيها.
والسؤال المطروح: هل القيادة الروسية غير قادرة على إدراك عواقب الرهان على نظام إجرامي يوغل يومياً في دماء شعبه؟
فإذا كانت حسابات المصلحة القومية الروسية هي التي تدفع القيادة الروسية إلى دعم نظام بشار الأسد وحمايته في المحافل الدولية، فلا بد من الإشارة إلى أن هذه الحسابات باتت قصيرة النظر، لأنه على المدى البعيد، الشعب السوري هو الباقي، أما نظام بشار وزمرته الإجرامية فهم راحلون حتماً، ومن مصلحة روسيا أن تكون علاقاتها وسمعتها جيدة لدى الشعب السوري نفسه.
والسؤال المطروح هنا: لماذا تصر روسيا على تكرار أخطائها السياسية بالإصرار على الرهانات الخاطئة؟
لقد أصرت موسكو في السابق على دعم النظام الصربي الفاشي بزعامة ميلوسوفيتش حين كان يرتكب أبشع الجرائم ضد الشعب البوسني المسلم في تحدٍ صارخ للإرادة الإنسانية العالمية.
والآن تكرر موسكو الخطأ ذاته بدعم نظام بشار الذي بات ارتكابه الجرائم ضد شعبه ممارسة يومية معتقداً أنه بذلك سيكون قادراً على قهر إرادة الشعب السوري، ولكن من المؤكد أن هذا بات وهماً كبيراً.
إن إصرار روسيا على موقفها غير المبرر في دعم النظام السوري، وخاصة عبر استخدام سلاح الفيتو لحمايته في مجلس الأمن سيؤدي إلى خسارتها لكل العالم العربي وكل ما يرتبط بذلك من مصالح لروسيا في العالمين العربي والإسلامي.
وهنا علينا أن نتذكر أن الروس قد خسروا بالفعل معظم الدول العربية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي في زمن الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الغربي والاشتراكي.
ومن الواضح أن روسيا اليوم، وخاصة في ظل قيادة فلاديمير بوتين، لم تنسلخ سياسياً ولا عقائدياً ولا استراتيجياً عن ماضيها القريب في زمن الاتحاد السوفيتي.
فالروس بعد أن خسروا كلاً من العراق وليبيا ومصر لم يتبق لهم من مواقع لشيء من النفوذ إلا في الجزائر في شمال إفريقيا أو في غرب العالم العربي.
والجزائر وفق منطق البعد الجغرافي ليس متوقعاً أن يكون لها دور مؤثر في ساحة الشرق الأوسط القريبة من الأحداث والتفاعلات المهمة.
وفي ضوء ذلك، تبرز أمامنا بعض الدوافع والأسباب وراء تشبث الروس بموقع سوريا التي يبدو أنهم يعتبرونها القاعدة الوحيدة التي بقيت لهم كساحة نفوذ في المشرق العربي.
وبالطبع، فحتى الآن لم تتبلور صورة واضحة لما ستكون عليه سوريا بعد انتهاء حكم العلويين بزعامة بشار الأسد كما بات متوقعا. لذلك يبدو الروس أكثر حذرا في دعم أي حركة معارضة وهم لا يعرفون النتائج المترتبة على ذلك في المستقبل.
ولقد أعطت تجارب ومحاولات التغيير في كل من العراق وليبيا ومصر درساً بليغاً لكل صناع السياسة مفاده أنه ليس من الضروري السعي إلى التغيير من أجل التغيير.
لأن السؤال الكبير المطروح والذي يمثل تحدياً حقيقياً هو ماذا يأتي بعد التغيير؟
لكن في الحالة السورية، وفي ظل تفاقم الأوضاع يومياً، بل ساعة بعد ساعة، وتزايد أعداد القتلى والجرحى بالآلاف، وليس هناك بصيص أمل يلوح في الأفق المنظور لوضع نهاية سلمية لهذه المأساة، فإن حكام موسكو باتوا مطالبين، أكثر من أي وقت مضى، بأن يراجعوا أنفسهم ويعيدوا النظر في سياستهم تجاه سوريا، ويدركوا أن السياسة الراهنة هي سياسة خاطئة تماماً.
بل يمكن القول إنه من غير الممكن مطلقاً، بعد سقوط هذا الكم الرهيب من الشهداء في صفوف الشعب السوري، أن يتوقع عاقل إمكانية أن يقبل الشعب والجيش السوري، على حد سواء، أن يبقى بشار الأسد في سدة الحكم في المستقبل المنظور.
ومن هنا نقول إن الموقف الروسي العدائي تجاه ثورة الشعب السوري والمشاعر العربية الغاضبة لما يحدث في سوريا من مآسٍ وكوارث سوف يشوّه أي علاقات مستقبلية بين روسيا والعالم العربي.
إن حماية الحق هي حق، أما الوقوف إلى جانب الباطل فهو يبطل كل المقومات التي تقوم عليها المواقف الصائبة في السياسة أو تستند إليها العقائد والمبادئ والأخلاقيات.
وختاماً نقول للرئيس بوتين إن من الخطأ الاعتقاد أن لغة القوة هي السبيل الوحيد لحماية المصالح أو تحقيق الأهداف، بل يجب إدراك أن قوة الحق وليس سياسة القوة هي الأبقى في العلاقات بين الشعوب.
فهل يستمع أركان الحكم في الكرملين إلى صوت الحكمة قبل فوات الأوان؟
.
مقالات أخرى...
- الشرر المنذر بالخطر! - (20 يونيو 2012)
- من أصداء الحوار - (9 يونيو 2012)
- خطاب مفتوح إلى بان كي مون - (29 مايو 2012)
- قصــة نجـــاح - (11 مايو 2012)
- «فهي الشهادة لي بأني كامل» - (27 أبريل 2012)
- أسبوع البحرين فـي الإعلام الغربي - (21 يناير 2012)
- واعيباه.. هذا ليس من شيم العرب! - (10 أبريل 2012)
- رسالة مفتوحة إلى وزير خارجية الدنمارك - (9 أبريل 2012)
- ليس هذا وقته يا سادة!! - (5 أبريل 2012)